العودة إلى عصر الديناصورات
يونس جنوحي
المكتبات والمعارض تكاد تكون مفقودة في هذا البلد، حتى في المدن التي يفترض أنها عرفت الثقافة مبكرا. ورغم المبادرات التي تنمو هنا وهناك، فإن الناس لا يزالون بعيدين تماما عن ثقافة المعارض.
دعك من نظرية الفقر وانشغال الناس بالخبز. الشعوب التي تعرف معنى الثقافة يتوجه فقراؤها إلى المعارض تماما كما يقفون في طوابير المساعدات. إذ لا علاقة للأمر بالحالة الاجتماعية بقدر ما هو مرتبط أساسا بالثقافة وتقدير الشعوب للفن بشكل عام.
مناسبة هذا الكلام، مقدار السخرية الهوجاء التي قوبل بها إعلان خفض رسوم الدخول بالنسبة لأفراد الجالية أثناء عطلتهم في المغرب، إلى المعارض ودور العرض. والحقيقة أن جل أفراد الجالية يكونون في هذه الأيام منشغلين بالأعراس وفك النزاعات الأسرية المتراكمة وإتمام بناء المنازل، وقد لا يتبقى لهم الوقت للتعرف رفقة أبنائهم من الجيل الجديد، على ثقافة بلدهم الأم.
افتتح في طنجة مؤخرا معرض في فيلا الصحافي البريطاني والتر هاريس. وقصته كما يعرفه سكان هذه المدينة، أنه كان صحافيا صديقا للسلطان المولى عبد العزيز، الذي أهداه تلك الفيلا ليتقاعد فيها ويقضي بها آخر أيام حياته التي كانت حافلة بالمغامرات.
أروقة الفيلا بعد إعادة افتتاحها تضم لوحات فنية تعود إلى القرن الماضي وأخرى إلى القرن 19، حيث كانت مملوكة لعائلات أجنبية سكنت في طنجة، وأخرى تعود إلى أسر يهودية تركتها خلفها قبل هجرتها نحو كندا أو أوروبا.
هناك من يرجح أن تكون مدينة طنجة أول مدينة مغربية فتحت فيها المكتبات العمومية بالمفهوم العام للمكتبة. إذ في القرن 19 كانت المكتبات الشخصية هي السائدة، وتكون في العادة مملوكة لعائلات العلماء الذين يتوارثونها أبا عن جد. وباستثناء مكتبة جامع القرويين التي أعيد تنظيمها مرات كثيرة خلال فترات متفرقة من تاريخ الدولة العلوية، فإن المكتبة بالمفهوم الحديث للمكان المخصص لبيع الكتب والإصدارات، قد ظهرت لأول مرة في طنجة على يد مثقفين بريطانيين، حيث كان المثقفون في طنجة يأتون إليها لشرب القهوة وقراءة الصحف التي تصل إلى المدينة أسبوعيا عن طريق البحر، ومعها آخر إصدارات الكتب في لندن.
وسرعان ما انتشرت مكتبات أخرى لجاليات أوروبية أخرى خصوصا الإسبان والألمان.
المثير أن هناك مكتبة منسية تماما، كانت في طنجة خلال عهد الروماني «يوبا». هذا الأخير الذي كان يمثل سلطة القيصر بعد انتصار الرومانيين على أعدائهم ونجاحهم في ضم طنجة وأصيلة إلى الإمبراطورية الرومانية قرنين قبل الميلاد، حتى أنهم وصلوا إلى العرائش وامتدوا إلى حدود وزان وواد سبو.
كان «يوبا» يملك مكتبة في غاية الأهمية، إلا أنها اندثرت بسبب الحروب والمكائد التي عرفتها المنطقة أيام الحكم الروماني. وبعد وفاته دمرت مكتبته وانقسمت البلاد إلى قسمين يحدهما نهر ملوية، حيث كان يطلق على المنطقتين في كتب التاريخ القديم: موريطانية الطنجية وموريطانية القيصرية نسبة إلى القيصر.
وأنت تتجول في مدينة طنجة، خصوصا قرب الآثار الرومانية، يظهر ما يشبه الصهاريج الصغيرة في عدد من الأماكن. من يدري، لعلها كانت مكتبات أو معارض فنية في السابق. فقد جاء فعلا هذا العصر الحجري الذي ننتمي إليه، حيث لا تفتح المكتبات إلا قرب المدارس. ولا تنتشر إلا محلات الأكلات الجاهزة، بينما انحسرت الثقافة والمكتبات إلى الخلف، كما لو أننا عدنا إلى عصر الديناصورات.