العنف الناعم
وقعت عيني مؤخرا على صورة تجمع أعضاء المكتب التأسيسي للجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الرجل وضحايا العنف النسوي، فقلت في نفسي أخيرا سيفهم المغاربة أن العنف ليس حكرا على النساء بل إن الرجل أيضا يمكن أن يكون ضحية وعلى يد المرأة.
التمويلات الأجنبية تذهب للجمعيات التي تحارب عنف الرجل ضد المرأة ولكن بسبب عدم الحديث عن عنف المرأة ضد الرجل فلا أحد يخصص فلسا واحدا لجمعيات تدافع عن هذا الأخير.
والناس واهمون، فهم بمجرد ما يسمعون كلمة العنف ضد الرجل تذهب أفكارهم نحو العنف الجسدي، والحال أن العنف الذي يتعرض له الرجل على يد المرأة أخطر وأقسى.
والعيب الوحيد في التقارير التي تتحدث عن العنف الأسري هو أنها تغفل إعطاء أرقام تتعلق بمعشر الرجال الذين يعانون من عنف زوجاتهم، وهم في المغرب كثيرون بلا شك.
أعرف وزيرا سابقا كان، عندما يدرك أن أعصاب زوجته متوترة، يذهب إلى أقرب فندق ليقضي ليلته هناك بعيدا عن شبشب زوجته، وأعرف كاتبا مشهورا يحفظ عدد أدراج العمارة التي يقطن بها أكثر مما يحفظ عناوين رواياته، لأن زوجته «كركبته» عبرها أكثر من مرة كلما عاد حامضا ومخمورا في آخر الليل.
هذا دون أن أتحدث عن بعض زعمائنا السياسيين الذين يتجنبون إحضار زوجاتهم في الحفلات والمناسبات خوفا من أن يغرهن الشيطان ويتحولن، في نهاية السهرة من فرط «النشاط»، إلى ملاكمات من الوزن الثقيل.
وإذا كانت لدى النساء مراكز استماع ومكاتب للنجدة، فإن الرجال المساكين ليس أمامهم إذا أرادوا إسماع شكاواهم غير رفع أكفهم إلى الله، وإذا أرادوا النجدة من زوجات بعضهم فليس لهم سوى سيقانهم ليطلقوها للريح.
ولا يجب أن ننخدع بالمظاهر، فكم من رجل تراه في الشارع يمشي فتخلطه بعنترة بن شداد العبسي، لكنه عندما يدخل إلى بيته ويقف أمام زوجته يتحول إلى فأر مذعور ينتظر فقط أن يطلع النهار ليغادر قفص الزوجيّة.
وقد كنت دائما مقتنعا بأن أغلب الرجال الذين يعطون عن أنفسهم مظهرا صارما فوق العادة خارج البيت، يختفي خلف نظراتهم الصارمة رجل خائف ومرعوب تُرهِبه زوجته وتضربه بالشربيل.
جربوا أن تنظروا جيدا في عيون رؤسائكم المتسلطين في الوزارات والمؤسسات العمومية، وسترون داخلها زوجاتهم السمينات واقفات وفي أيديهن «مدلك».
ولو اقتصر العنف الذي تمارسه بعض النساء ضد أزواجهن على الضرب لهان الأمر، فالأمر يتعدى ذلك إلى ممارسات أخرى أكثر خطورة وضررا.
والمرأة عندما تريد أن تنتقم من الرجل وتحطمه تشيع عنه أنه «ماشي راجل»، وهذا أخطر سلاح يمكن أن توجهه المرأة نحو زوجها.
وهناك العنف النفسي الذي تتسبب فيه الزوجة للرجل عندما تربط الرجولة بالفلوس، وتدمن إسماعه يوميا أسطوانة عدم قدرته على الصرف عليها وعلى بيته مثلما يصنع أزواج صديقاتها مع زوجاتهم.
وهناك المرأة التي تتزوج بالرجل فقط لكي تلد منه وتطلقه، والزوجة التي تستعمل حق الحضانة في حرمان الزوج من أولاده أو تحريضهم ضده.
ويبقى أكبر وأشنع وأخطر عنف تمارسه بعض الزوجات ضد أزواجهن هو السحر، وهو عنف ينتج عنه ضرر «فين يبان الضرر ديال العصا».
وهناك قضية مرت مؤخرا مرور الكرام، تتعلق بتدنيس مساجد في الدار البيضاء بغاية السحر، والحال أن ما وقع يكشف التغول الذي وصل إليه السحر والسحرة في المغرب بحيث لم يعودوا يحترمون حتى بيوت الله وكتابه المقدس.
طبعا هذه أشياء يرفض دعاة النظريات العلمية، الذين لم يؤتوا من العلم إلا قليلا، تصديقها. لكن ديننا الحنيف يعلمنا أن الله لم يخلق البشر وحدهم على هذه الأرض، وإنما خلق معهم الجن والملائكة والشياطين وما لا نعرف من المخلوقات التي قد يأتي يوم تظهر لنا فيه، ولو أن بعض البشر أشر من الجن ويقترفون ما يستحيا معه الشيطان عن ذكره.
وقد اعتقد الإنسان دائما أن باستطاعته التحكم في الجن واستخدامه لصالحه من أجل معرفة الغيب، وتفريق المرء عن زوجه بواسطة السحر وإلحاق الإساءة بالناس بدافع الحسد والبغضاء.
والحال أن الجن هو من يستخدم الإنسان عبر السحر والشعوذة والدجل من أجل إسقاط أكبر عدد ممكن من بني آدم في معصية الشرك بالله، لأن الشرك هو المعصية التي لا يغفرها الله، وبالتالي عندما يسقط فيها الإنسان فإن الشيطان يكون قد أضاف مرشحا مضمونا إلى لائحة مرافقيه إلى جهنم.
ولهذا السبب نرى كيف كثر السحرة والشوافون والشوافات في كل الدروب والأزقة، وأصبح الإقبال على خدماتهم يضاهي الإقبال على عيادات الأطباء.
والمصيبة أن الذهاب عند الشوافات والسحرة لا يقتصر على طبقة الأميين والجهلة والعامة، وإنما يتنافس معهم على هذه المصيبة أناس ينحدرون من طبقات مخملية لديهم قسط وافر من التعليم.
وهكذا أصبح السحر قطاعا اقتصاديا مزدهرا لديه زبائنه في مختلف طبقات المجتمع. ونتيجة لذلك، كثر المسحورون والمضبوعون وعبيد المجامر وحملة الجداول حول أعناقهم والأحجبة في جيوبهم وتحت ملابسهم الداخلية.
وأصبح القوم عوض وضع ثقتهم في خالقهم يضعونها في ساحر أو شوافة سواء من أجل الحصول على عمل أو إزالة عكوس أو من أجل تطليق امرأة عن زوجها أو تسميم ذي نعمة محسود، أو فك عجز أو برود جنسي، أو لمجرد الحظوة بالقبول عند مسؤول أو رئيس.
والنتيجة أن السقوط في معصية الشرك بالله أصبحت عادية ومتداولة بين الناس، لا تكاد تجد من يعي خطورتها بسبب التطبيع مع أعمال السحر والدجل.
وها نحن نحصي ضحايا هذه «الحرب الباردة» غير المعلنة التي يشنها جحافل السحرة على الأسر والصحة العامة للمغاربة أمام أنظار السلطة، ففي كل بيت أصبحت تجد شخصا مصابا بمس أو تعرض لتسميم عن طريق الأكل، أو أصيب بواحدة من تلك البلاوي التي يحرقون من أجلها في مجامرهم بقايا الحيوانات وأظافر الموتى وما لا يخطر ببال من كوارث وبلايا.
إن ضحايا هذه «الحرب الباردة» أكثر بكثير من ضحايا حرب الطرق، فمتى يفهم المغاربة أنهم يشركون بالله عندما يحرصون على قراءة أبراج طالعهم، ويشركون بالله عندما يذهبون عند العرافات والشوافات والسحرة لمعرفة مستقبلهم أو لإلحاق الأذى بالناس، ويشركون بالله عندما يعتقدون أن هناك من دون الله من يستطيع الاطلاع على الغيب؟