العنف المجتمعي
تزايد حالات العنف المجتمعي في صفوف الشباب والقاصرين وبروز حالات شاذة من مثل الذي وقع لفتاة بشوارع طنجة من اعتداء شنيع والتصوير والنشر والتشهير على المواقع الاجتماعية يسائل جميع المؤسسات الرسمية وجمعيات المجتمع المدني والأسرة حول التفعيل الأمثل لدور التربية قبل التعليم، مع بحث السبل الكفيلة لتحريك جمود أدوار دور الثقافة والسينما والشباب والرياضة ومكتبات الأحياء وغياب القراءة، وتتبع الملايير التي تصرف من المال العام لتأطير الشباب وصقل المواهب دون تحقيق النتائج المطلوبة التي يجب أن تلمس في المعاملات الاجتماعية واحترام حرية الآخر والقانون بالشوارع والأماكن العامة.
إن من أخطر ما يكون على تماسك أي مجتمع في العالم التطبيع مع حالات العنف الجماعي ضد أشخاص ومحاكمات الشارع، لأنه مهما كان الاختلاف أو الخلاف فإن من يسهر على تطبيق القانون هي الدولة من خلال مؤسساتها والقضاء الذي يفصل في التهم وفق شروط المحاكمة العادلة، حيث لا مكان لأحكام شرع اليد أو التحريض على العنف المجتمعي وتحوله إلى واقع ملموس يزرع الرعب في نفوس الناس ويتعارض وإحساسهم بالأمن والأمان.
نحن في حاجة ماسة مع التحولات المجتمعية المتسارعة التي لا تنتظر أحدا، وتراجع التربية والتكوين وتيه الشباب والقاصرين في بحر ظلمات المعلومات المغلوطة التي تقدمها المنصات الاجتماعية، إلى عودة حقيقية للتربية الاسلامية وإحياء الوازع الديني والأخلاقي في النفوس، والعمل على تصحيح مجموعة من المفاهيم المسمومة التي تنتج سلوكات متطرفة خطيرة، فضلا عن ضرورة وقف نزيف فوضى النشر وتدمير التماسك الأسري وحشو عقول الأطفال التلاميذ بالأفكار المتطرفة واللعب على وتر العاطفة والتجييش.
تحتاج المصالح الحكومية لإنشاء المزيد وفتح المرافق العمومية الخاصة بالشباب والقاصرين والعمل المكثف لتأطيرهم من قبل المؤسسات الرسمية والجمعيات المهتمة بشكل جدي وليس استغلال الصور الاشهارية لتسويقها والعودة إلى الخلف في حين تستمر الأزمة وتزادد تعقيدا مع مرور الزمن والفشل في انتشال الشباب من الضياع وتلقي التربية من الشارع المتوحش والمواقع المشبوهة والمتطرفة بالمنصات الاجتماعية التي أصبحت متخصصة في الترويج للعنف بكافة أنواعه أمام تفرج الجميع.
علينا جميعا تقدير خطر تحول العنف اللفظي المنتشر بالمواقع الاجتماعية إلى عنف مادي على أرض الواقع نتيجة فوضى الآراء والتوجيهات والتعليقات التي يتم إطلاقها من قبل أشخاص يجهلون ما يتحدثون فيه في الدين والفتاوى والقضايا المجتمعية والاقتصادية المعقدة، ما يصب الزيت على النار بتشجيع ممارسات خطيرة تحت ذريعة محاربة المنكرات أو تربية المجتمع.
نحن نعيش منذ قرون في دولة التعايش بين الثقافات والأديان وتنوع التقاليد ولها من التشريعات والقوانين المتجددة، ما يمكن من خلاله العودة إلى المؤسسات في معالجة كافة المشاكل الاجتماعية والخلافات، ولا حق لأي جهة كانت أو فرد أو مجموعة أفراد إثارة الفوضى وفرض منطق السيبة تحت أي مبرر كان، حيث تبقى الصرامة مع كل من يحاول القيام بذلك هي المطلوبة لردع المخالفين والحفاظ على أمن وتماسك المجتمع بالقانون.