تطور العنف التلاميذي ليصل حد ارتكاب جرائم القتل بمحيط المؤسسات التعليمية كفضاء للتربية والتعليم والتدريب على التعايش والحب والسلام، وهو الشيء الذي يدق ناقوس الخطر بشكل حقيقي، ويسائل جميع المؤسسات المعنية لحماية مستقبل الوطن الذي تمثله الأجيال الصاعدة وافتقارها للتربية وضياعها وسط غابة موحشة لمواقع التواصل الاجتماعي.
إننا أمام معطيات صادمة كشف عنها تقرير حديث أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حول مظاهر الاستعمال المفرط لشبكات التواصل الاجتماعي من طرف الأطفال، والسلبيات المرصودة في هذا الصدد، حيث فوضى النشر وإنتاج الأفلام القصيرة الغارقة في البذاءة والتحريض على العنف وتقديم مشاهد تطبع مع الجريمة بأنواعها وتشجع على ارتكابها.
لسنا نبالغ أننا بحاجة للتربية الرقمية بأقصى سرعة ممكنة، لتدريب الأطفال التلاميذ على كيفية الاستخدام الآمن للأنترنيت وضرورة الرقابة بالنسبة لفئة القاصرين وحمايتهم من الاستغلال بأنواعه، وكذا التفكير في إقامة شرطة رقمية يعهد إليها بتتبع كل ما يتم نشره مع التشريع القانوني الذي يواكب التحولات المجتمعية ويؤطر عمل كل مؤسسة لمعالجة فوضى التحريض الرقمي على العنف التي انتشرت بشكل مخيف.
في ظل ارتفاع نسبة أمية الوالدين وانتشار التواصل الرقمي لا جدوى من الاختفاء خلف الطابو أو قرارات المنع، والمفروض أن تقوم وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بوضع برامج خاصة للتعامل مع الظواهر المستجدة المشينة والخطيرة التي انتشرت بأوساط التلاميذ، مع مراعاة تنظيم أنشطة موازية تستقطب وتُرغّب التلميذ في المشاركة خارج التكرار لأنشطة تقليدية صورية، وضرورة التقرب من هذا الجيل والدخول من نفس مدخل التربية الرقمية بطرق يشارك فيها المختصون في مجالات متعددة لها علاقة بالتربية والتعليم.
الخطير في الأمر هو أن المنصات الاجتماعية انتقلت من مزاحمة المدارس في التربية إلى الاستحواذ على عقول أغلبية الأطفال وحشو عقولهم بمواد رقمية خطيرة تشكل قنبلة موقوتة على مستقبلهم وتكوينهم النفسي والجسدي، ودخولهم في متاهات الغياب عن الواقع المعاش والسقوط في متاهة العيش الافتراضي الذي يقتل الوقت وينتهي بالانعزال والانغلاق على الذات وحتى الانتحار في بعض الحالات وإيذاء النفس والغير والسخط على الواقع ورؤية الأشياء بعين سوداوية.
نحن لا نعدم كفاءات ولا مؤسسات لنعالج التحولات المجتمعية في الوقت المناسب، لأن الاستباقية ما وجدت إلا لتخفيف الأضرار والخسائر، لكن الأفضل منها هي الوقاية التي تعتبر غير من العلاج، ونحن هنا أمام معضلة حقيقية يجب أن نشرع في معالجتها فورا بدون تردد أو اختباء خلف مبررات واهية، وبعد ذلك نضع لها من البرامج الوقائية ما يكفي لتجنب كلفة العلاج الذي ندفع فاتورته على حساب الوطن.