العميد والكبوط (2/1)
اتخذ وزير التعليم قرارا يقضي بإعفاء حمزة فارس العميد بالنيابة لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان من مهامه وشكره بالمناسبة على ما قدمه للكلية من خدمات.
مراسلة الوزير كانت مقتضبة ولم تكشف عن أسباب اتخاذ القرار، والبعض رد السبب إلى واقعة ارتكبها العميد بالنيابة عندما أقدم على سرقة كبوط من مرجان، فيما خرج هذا الأخير ينفي وجود أي محضر رسمي يثبت الواقعة وأن إعفاءه جاء في سياق التنافس غير المشروع على كرسي العمادة.
جميل أن يمارس الوزير صلاحياته ويعفي عميدا بالنيابة من منصبه، لكن الأجمل يا سعادة الوزير سيكون هو أن تتفاعل مع أخبار السرقة والتبذير التي تشهدها العديد من الجامعات المغربية والتي نكتب عنها كل يوم.
وما يجري مثلا في جامعة المولى إسماعيل هو خير دليل على أزمة الحكامة التي تعاني منها الجامعات. فالاستقلالية كما فهمها بعضهم تعني تحويل الجامعات إلى ضيعات يدبرها رؤساء لا يفوتون فرصة للاستفادة من التعويضات الخيالية، ولا يهمهم إطلاقا لون الحزب الذي يدبر قطاع التعليم العالي.
فرئيس هذه الجامعة، والذي يرسل المراسيل تلو الأخرى للوزير أمزازي عبر قادة الحركة الشعبية ليتم التجديد له على رئاسة الجامعة لولاية ثانية بدأ مساره المهني كعميد لكلية الراشيدية التابعة لهذه الجامعة سنة 2008، بعد تجربة متواضعة كباحث جامعي في الجيولوجيا، وبعد أربعة أشهر فقط على توليه منصب عمادة هذه الكلية، قرر تقديم استقالته، بذريعة «الظروف الصحية»، فيما الحقيقة هي أن أساتذة هذه الكلية رفضوا التعامل معه نهائيا لكونه غير مستقر في الراشيدية، ولا تتجاوز مدة تواجده بالكلية يوما واحدا في الأسبوع.
في هذه الفترة القصيرة، عين نائبا له كان هو العميد الفعلي، بناء على «الصحبة»، وهذا الشخص سيصبح عميدا رسميا ما بين 2009 و2013، أي في فترة المخطط الاستعجالي، وبسبب ضعف كفاءته ضيع على هذه الكلية مليار سنتيم لم تستفد منها نهائيا، فضلا عن شرائه حافلة مستعملة بـ172 مليون سنتيم، وصرف 250 مليونا أخرى على قاعة اجتماعات تحولت الآن إلى قاعة للمتلاشيات لأن العميد لم يهتم بتزويدها بالكهرباء، لتضيع هذه الميزانية سدى.
هذا الأخ، سيتم تعيينه في ما بعد مديرا لمدرسة ENSAM بمكناس، وذلك سنة 2016 عندما أصبح صديقه حسن سهبي رئيسا لجامعة المولى إسماعيل.
وبالعودة لحسن سهبي، الذي كان يمني النفس بأن يكون وزيرا للتربية الوطنية قبل تسمية سعيد أمزازي، فعندما تولى لحسن الداودي حقيبة وزارة التعليم العالي، ظهر اسمه مرة أخرى وتم تعيينه عميدا لكلية العلوم بمكناس لكونه كان حينئذ مقربا من الجامعيين المحسوبين على العدالة والتنمية. سنة 2014، سيتقدم إلى منصب رئاسة جامعة المولى إسماعيل، وهو الأمر الذي لم يتمكن منه بسبب قوة منافسيه، فعوض له الداودي خسارته بأن عينه «نائبا للرئيس» في مرحلة أولى، ثم رئيسا في مرحلة ثانية. اليوم تقترب الولاية الأولى من الانتهاء، وما بين 2014 و2018 مرت مياه كثيرة تحت الجسر، فقد حصلت الحركة الشعبية على قطاع التعليم بكل أنواعه، بما في ذلك التعليم العالي، وبما أن حسن سهبي يمني النفس بأن يحصل على ولاية ثانية ما بين 2019 و2024، فإنه قطع جميع علاقاته مع «الباجدة»، واتجه للحركة الشعبية، لأنه يعرف أن البقاء يمر عبر الألوان الحزبية وليس عبر الكفاءة. فعندما كان حسن سهبي عميدا لكلية العلوم بمكناس، فقد صرف مليار سنتيم على بناية قال عنها بأنها مخصصة للبحث العلمي، لكن لم تكتمل منذ 2013 إلى الآن، والمقاول الفائز بالصفقة رحل حتى دون تقديم تفسير، وهي الآن تشكل خطرا حقيقيا على الطلبة والعاملين بالكلية.
وعند تعيينه رئيسا لجامعة المولى إسماعيل، أوقف بمجرد تعيينه مركزا كان مخصصا للبحث والتجديد التكنولوجي كان أنشأه الرئيس السابق أحمد لبريهي، ودشنه الملك محمد السادس، قبل أن يعيد فتحه قبل سنة فقط من الآن، ليتبين أن الأمر يتعلق بحساب شخصي له مع الرئيس السابق، وهذه ليست المرة الأولى، حيث دشن سهبي سلسلة انتقامات من المقربين من الرئيس السابق، وصل بعضها إلى القضاء.
وإلى اليوم لا تزال مؤسستان تابعتان لهذه الجامعة بدون مديرين رسميين، بعد انتهاء ولاية مديريهما السابقين، ورغم إعلان التباري مرارا فإن حسن سهبي يرفض تعيين مدير رسمي بهما، كدليل على أن هذا الرئيس يعاني من مشكلة حقيقية على مستوى الحكامة الإدارية.
والأمر نفسه بالنسبة لكلية الراشيدية، فبالرغم من كون التباري حول منصب العمادة قد تم في يوليوز الماضي، فإنه إلى حدود الساعة لم يتم الإعلان عن اسم العميد الرسمي، وهو ما سبب غضبا كبيرا لدى كل أساتذة هذه الكلية، لكون الرئيس ينتقم منهم، بدليل أن طلبيات هذه الكلية، وخاصة في الأجهزة المعلوماتية والأدوات الرقمية، والتي تعود لسنة 2016 لم يستجب لها إطلاقا، ليضيع عن الكلية مشروع كلف عشرات الملايين بسبب امتناع الرئيس عن تضمين ميزانية الجامعة طلبيات هذه الكلية.
ووصلت به حالة الانتقام من كلية الراشيدية إلى حد «تهجير» الكفاءات منها إلى كلية مكناس وإفراغ الأولى من أطرها التربوية الكفؤة.
الفوضى التي تعيشها جامعة المولى إسماعيل، وصلت إلى المدرسة الوحيدة التي تكون المهندسين في مكناس، والمعروفة بـENSAM، والتي تحولت من مدرسة ذات استقطاب محدود تفتح في وجه المتفوقين وتقدم تكوينات دقيقة إلى مؤسسة تقدم الدروس، كأي كلية أخرى في المدرجات، ولا وجود لأعمال تطبيقية كما كانت في السابق.