العمدة صديقي يغرق العاصمة الرباط في الديون ويرفع قيمة القروض إلى أكثر من 100 مليار سنتيم
غرق المجلس الجماعي للرباط في أزمة مالية غير مسبوقة بعد أن فاقم العمدة محمد الصديقي حجم الدين، عبر قرض تاريخي بقيمة 60 مليار سنتيم، من أجل دفع الالتزامات الملقاة على عاتق المجلس تجاه مشاريع «الرباط مدينة الأنوار».
اليوم يبدو هذا الدين الذي سيطوق ميزانية المدينة كأكبر إنجاز للعمدة وحزب العدالة والتنمية، مادام المجلس لم يعد يملك خيارات عديدة لسداد ما عليه، باستثناء اللجوء إلى بيع الممتلكات والعقارات التي ما زالت في رصيده، بعد أن تم التفريط في عدد من العقارات التي تساوي قيمتها الملايير بطرق مشبوهة، لاتزال تثير الكثير من الجدل بفعل بصمات المنتخبين الواضحة.
ركوب على مشاريع ملكية
بعد أكثر من ثلاث سنوات من الصخب والضجيج، واستنادا إلى جدول أعمال مختلف الدورات التي عقدت، يمكن الاستسلام لحقيقة مؤكدة مفادها أن المجلس الجماعي على عهد محمد صديقي لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز يذكر، وهو ما يفسر هرولة العمدة ونوابه وعدد من المستشارين المنتمين لحزبه للاختباء وراء الإنجازات التي تحققت في إطار المشروع الملكي «الرباط مدينة الأنوار»، في محاولة لملء صفحات المجلس الفارغة، والنفخ في الحصيلة المخجلة.
هذا السلوك الانتهازي تطور إلى الركوب على بعض المشاريع والصفقات، كما حدث هذه السنة لصفقة النقل الحضري التي تولت الداخلية الإشراف عليها، بعد أن فشل كل من عمدة الرباط إلى جانب جامع المعتصم، عمدة سلا، بصفته رئيسا لمجموعة التجمعات في إخراجها من النفق الذي دخلت فيه، والذي جعل المستثمرين يعزفون عن المشاركة في طلب العروض، قبل أن تقوم الداخلية ممثلة في الوالي السابق محمد مهيدية في سابقة من نوعها بمنح إغراءات وضمانات وتحفيزات جد مهمة، انتهت بإيجاد حل لمشكلة النقل التي صمت عنها منتخبو العدالة والتنمية الذين يشرفون على تدبير مدن الرباط وسلا وتمارة، وهي المدن التي عانى سكانها لسنوات من أزمة نقل مهينة أغرقت العاصمة بـ«الخطافة» والطوابير، قبل أن يتسابق مستشارو العدالة والتنمية لتسويق صور الحافلات الجديدة، مع محاولة إيهام المواطنين بأن الأمر يتعلق بإنجاز تحقق بفضلهم، كما هو الشأن أيضا بالنسبة إلى مشروع المسبح الكبير ومشاريع تأهيل عدد من الشوارع.
الرجوع إلى جدول أعمال مختلف الدورات التي عقدها المجلس الجماعي، يكشف أن العمدة محمد صديقي لم يقدم أي قيمة مضافة من خلال أي مشروع، وأن المجلس الذي يكلف عشرات الملايير من المال العام أصبح خارج التغطية، ودون أي اختصاصات واضحة، وأن أقصى ما يمكنه فعله حاليا هو تغيير مصباح، أو إصلاح حفر متفرقة، بعد احتجاجات متتالية للسكان، مع التقاط صور وتداولها من طرف منتخبيه كإنجاز استثنائي، خاصة بالمقاطعات، في حين أن جميع المشاريع التي تشهدها الرباط تتوحد في قاسم مشترك، وهي تنزيلها من طرف شركة الرباط للتهيئة التي أصبحت تتدخل في كثير من المجالات، بما فيها تلك التي تدخل في اختصاصات المجالس الجماعية، وهو أمر لم يعد يزعج العمدة صديقي رغم الاتنقادات الشديدة التي وجهها المستشارون إليه، بمن فيهم مستشارون محسوبون على حزب العدالة والتنمية، للطريقة التي تدبر بها الشركة عددا من الصفقات التي تكلف ميزانيات بالمليارات، إلى جانب اتهامهم للشركة باحتكار المعلومة حول مسار وقيمة المشاريع، ما جعل منتخبي الحزب مكشوفين أمام سكان العدوتين..
شبكة فساد منظم بقطاع التعمير
من جهة أخرى، ظل احتكار العمدة صديقي لتفويض التعمير يثير الكثير من التساؤلات، قبل أن تنبعث روائح فساد كبير من قسم التعمير، بعد محاصرة عدد من المشاريع التي رفض أصحابها الخضوع للابتزاز، في مقابل توالي الملفات التي كانت تمر بالضرورة على مكتب دراسات مملوك لزوجة مسؤول بالمجلس، قبل التأشير عليها، وهو ما كان موضوع احتجاجات صاخبة وتصريحات علنية خطيرة خلال أشغال المجلس الجماعي، بعد أن اتهم عدد من المستشارين العمدة محمد صديقي بالتستر على ما يجري بشكل مشبوه ومثير للريبة، وهي الاتهامات ذاتها التي تطورت إلى شكاية وضعتها فيدرالية اليسار الديمقراطي على طاولة المفتشية العامة لوزارة الداخلية للبحث في ما وصفتها بـ«شبكة الفساد المنظمة» التي تتحكم في قطاع التعمير، موازاة مع ما راج عن أن السكوت عما يجري هو مقابل استفادة مسؤول بارز بالمجلس من تشييد فيلا فاخرة بالهرهورة .
الشكاية جاءت بعد الحادث الخطير الذي شهده شارع النخيل، بعد انهيار جزء من الطريق العمومية بسبب ورش بناء عمارة من 14 طابقا بحي الرياض، وهو الحادث الذي قدم فيه أحد المراقبين البسطاء ككبش فداء، فيما تم التستر على الرؤوس الكبيرة التي تتحكم في قطاع التعمير وتسليم التراخيص والتأشير على الملفات، تحت إشراف العمدة الذي تشبث بتفويضه رغم الفضائح المتلاحقة التي عددتها الشكاية التي قدمت للمفتشية العامة. ورغم صدور قرار من الوالي السابق والحالي بتوقيف الأشغال بعدد من الأوراش، وتجميد عدد من التراخيص، في الوقت الذي رفض فيه العمدة الإفراج عن نتائج الافتحاص الذي تعهد به، بعد اتهامه بالتواطؤ، والاستفادة من الفساد المستشري بالتعمير.
قرار الداخلية عبر مؤسسة الوالي جاء عقب فضيحة أخرى جعلته يتقدم بشكاية إلى الوكيل العام للملك للتحقيق فيها، وهي الفضيحة التي تكشفت خيوطها بعد تزوير تصاميم مشروع بناء فندق من أربعة طوابق بالرباط، بعد تغيير التصاميم، وحصولها على المطابقة من خلال احتيال مسطري، لضمان تمرير هذا المشروع الذي سبق وتم التحفظ عليه.
هذه الفضيحة حققت فيها الفرقة الولائية للشرطة القضائية بالرباط، حيث تم الاستماع إلى عدد من المسؤولين بالجماعة، وقسم التعمير بمن فيهم رئيسته، كما تم الاستماع إلى مسؤولين بالوكالة الحضرية والولاية، دون أن يعرف أيضا مسار هذا التحقيق، ما جعل عددا من علامات الاستفهام تطرح حول من يوفر الحماية للمتورطين في الخروقات الخطيرة التي شهدها التعمير بمدينة الرباط، وهو ما اختزلته فدرالية اليسار في شكايتها بعد أن تحدثت عن اختلالات عميقة بالتعمير بمدينة الرباط، «تحيل على وجود فساد في قطاع يقع تحت المسؤولية المباشرة لرئيس مجلس المدينة» المنتمي لحزب العدالة والتنمية، وهو»ما تؤكده مجموعة من الحوادث التي شهدتها أوراش البناء».
افقاعةب برنامج عمل بـ1300 مليار
العجز الفادح للعمدة في تنزيل مشاريع حقيقية، يترجمه وبشكل صريح تماطله وتأخره في وضع برنامج عمل الجماعة الذي كان من المفترض أن يقدم في سنة سنة 2015، وفق ما ينص عليه القانون، رغم أن نائبه العمدة لحسن العمراني يملك مكتب دراسات قام بإعداد برامج عمل لعدد من المجالس الجماعية مقابل أموال طائلة، وهي الجماعات التي تتوحد في كون جميع رؤسائها من حزب العدالة والتنمية بـ«منطق خيرنا مايديه غيرنا»، وهو ما تحول إلى شكاية توصلت بها رئاسة النيابة العامة، من هيئة حقوقية للتحقيق في الاتهامات الخطيرة التي وجهها أحد المستشارين إلى نائب عمدة الرباط، بالاستحواذ على عدة صفقات في «ظروف مشبوهة» انطلاقا من مكتب الدراسات المملوك له، مطالبة بالاستماع إلى كافة الأطراف المعنية بهذا الملف بناء على ما قالت إنها معطيات تكشف تفويت صفقات وفق منطق «الزبونية والانتماء الحزبي»، لإنجاز «برامج عمل لجماعات يسيرها أعضاء في حزب العدالة والتنمية من طرف مكتب الدراسات الذي يوجد في ملكية نائب عمدة الرباط»…
الغريب أن برنامج العمل المتأخر الذي تقدم به العمدة شكل موضوع طعن قدم للسلطة، بعد أن تضمن مئات المشاريع التي حدد لها سقف مالي خيالي يصل إلى 1300 مليار سنتيم، دون الكشف عن مصادر التمويل.
الطعن الذي تقدمت به المعارضة اتهم العمدة بحشو البرنامج بمشاريع غير واقعية، وغير قابلة للتطبيق، ولا تستند إلى أي دراسات بعد أن حدد المجلس مبلغ 15 مليار سنتيم لتهيئة «دوار الحاجة»، و«المعاضيد» و«دوار الدوم»، في حين أن دراسة سابقة أشارت إلى أن الكلفة الحقيقية تتجاوز 700 مليار سنتيم.
كما استندت المعارضة على الخروقات القانونية التي تورط فيها العمدة، الذي كان ملزما بوضع برنامج العمل في السنة الأولى على أساس تحيينه بعد ثلاث سنوات، قبل أن تتم محاولة تدارك الأمر من خلال وضع برنامج يمتد إلى سنة 2023، أي إلى ما بعد الولاية المحددة للمجلس الحالي. وطالبت المعارضة العمدة محمد صديقي بالكشف عن مصادر تمويل المشاريع التي ستتطلب 700 مليون درهم سنويا، في حين ميزانية المجلس السنوية الإجمالية التي تشمل أجور الموظفين ومصاريف التسيير وباقي التحملات محددة في 900 مليون درهم، متهمة اياه بالنفخ في البرنامج بطريقة غير واقعية عبر إقحام مئات المشاريع التي سيمول بعضها بمساهمات قطاعية، فيما حددت قيمة التمويلات المالية التي ستقع على عاتق المجلس في 3 ملايير و500 مليون درهم، رغم أن الجماعة تغرق في أزمة مالية تفاقمت بعد أن لجأت إلى الاقتراض من أجل تسديد الواجبات المستحقة عليها في مشاريع «الرباط مدينة الأنوار»، علما أن العمدة عمد إلى استدانة 600 مليون سنتيم، رغم أن ميزانية المدينة مثقلة بدين آخر بقيمة 470 مليون درهم، وهو ما جعل الرقم يفوق بثلاث مرات القدرة الاستدانية للجماعة المحددة في 281.4 مليون درهم.
تبخر صفقة المراحيض وشركات تلتهم 26 مليارا
الانتقادات التي لاحقت أداء وحصيلة العمدة ركزت بالأساس على فشله في تجويد خدمات مرفق النظافة، رغم ارتفاع التكلفة التي وصلت إلى 26 مليار سنتيم، تستفيد منها شركات التدبير المفوض للقطاع دون أن تنعكس على المدينة، وذلك مقارنة بـ8 ملايير في سنة 2003.
الفشل طال أيضا تدبير ملف مواقف السيارات حيث عجز العمدة محمد صديقي عن الاقتراب من العلبة السوداء للتسيير المالي شركة «الرباط باركينغ»، التي يشغل رئيس مجلس عمالة الرباط منصب رئيس مجلسها الإداري، وذلك رغم الوضع المالي المتفاقم للشركة التي بلغ رقم معاملاتها 14 مليون درهم، في حين بلغت قيمة الخسائر الصافية أكثر من 4 ملايين درهم، وهو ما كان موضوع تنبيه صادر عن المجلس الأعلى للحسابات، حيث فضل العمدة عدم فتح هذا الملف تجنبا لإزعاج بعض أطراف أغلبيته المهزوزة، ولو كان ذلك على حساب ميزانية المدينة، بعد أن أصبحت الشركة تتجه يوما بعد يوما إلى الإفلاس وسط الشبهات الكثيرة التي تحوم حولها.
من جهة أخرى، عجز المجلس عن حل مشكلة المراحيض العمومية بالعاصمة التي تتوفر على مرحاض عمومي واحد، وهو الوضع الذي سبق لعدد من الفعاليات أن طالبت بضرورة معالجته، فيما بلع عمدة الرباط لسانه بعد التصريحات التي تعهد فيها قبل سنتين، بقرب نصب مرافق صحية بمواصفات عالمية في إطار التدبير المفوض، مؤكدا أن هذا الملف يحظى بأولوية قصوى، وأنه تلقى عروضا من شركة إسبانية لتزويد المدينة بفضاءات صحية، تضاهي تلك الموجودة في وجهات سياحية أوربية مع أسعار تفضيلية تصل إلى حدود 50 ألف درهم، قبل أن يتضح أن العمدة باع الوهم للسكان الذين وجدوا أنفسهم الصيف الجاري في مواجهة شاطىء بدون مراحيض، ما جعل أكثر من 3000 مصطاف يقضون حاجتهم في البحر، أو بالقرب من صخوره.
حصيلة ثقيلة من الفضائح
الواقع أن حصيلة العمدة محمد صديقي على رأس المجلس الجماعي يمكن اختزالها في الفضائح التي توالت مند توليه المنصب، والتي انطلقت أولى حلقاتها مع فضيحة تسريب وثائق كشفت تقديمه لملف طبي مفبرك لإثبات عجز وهمي، من أجل الحصول على تعويضات بقيمة 30 مليون سنتيم، إضافة إلى حوالي 3 ملايين بشكل شهري، وسيارة وشقة من شركة «ريضال».
هذه الفضيحة أنكرها العمدة في البداية، قبل نشر وثائق إضافية تحمل توقعيه ما جعل يقر في النهاية، ليصبح ضيفا لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي استمعت إليه بناء على الشكاية التي قدمها الوكيل القضائي للمملكة أمام الوكيل العام للملك.
هذه الفضيحة هوت بسمعة العمدة محمد صديقي إلى الحضيض، ما جعل حزب العدالة والتنمية يحاول الخروج منها بأقل الخسائر من خلال محاولة إيجاد بديل له في أسرع وقت، قبل أن يقوم لاحقا بتحوير القضية، وقلب الحقائق، من خلال الترويج لنظرية المؤامرة، وتقمص دور الضحية.
ورغم أن التحقيق القضائي فتح في فضيحة التعويضات إلا أن ذلك لم يمنع الحزب من محاولة التأثير على مساره، من خلال الادعاء بأن إثارة هذا الملف في وقت مبكر من عمر المجلس هي محاولة لاستهداف الحزب، ونسف الأغلبية المسيرة، وذلك رغم الوثائق الدامغة التي كشفت تورط صديقي في ممارسات مُجرمة قانونا، من خلال فبركة ملف طبي للحصول على تعويضات بطريقة احتيالية، وهو ما اعترف به خلال الندوة الصحفية التي عقدها عقب انكشاف هذه الفضيحة، التي جعلت المجلس يدخل في وضعية من «البلوكاج»، وسط مطالب بإقالة صديقي من منصبه ومحاكمته.
اليوم ورغم مرور ثلاث سنوات لم تعلن إلى الآن نتائج التحقيق في هده الفضيحة، وهو ما جعل العمدة محمد صديقي يغرق في فضائح أخرى أبرزها «تزوير» محضر دورة أكتوبر لسنة 2018، حيث سبق للمعارضة أن راسلت الوالي مهيدية من أجل التصدي لما قام به العمدة وتفعيل الرقابة الإدارية، كما بعثت بعد ذلك بشكاية إلى الوالي اليعقوبي، دعت فيها إلى التصدي لـ«الخروقات القانونية»، و«التدبير السيئ لرئيس الجماعة، والاختلالات التي تعرفها بعض الأقسام والمصالح، واستغلال النفوذ ما نتج عنه فساد إداري». كما تحدثت الشكاية عن «خروقات إدارية»، و«تجاوزات تستدعي التدخل وفق المادة 115 من القانون التنظيمي، التي تحدد مهام المراقبة الإدارية على شرعية قرارات رئيس المجلس ومقررات مجلس الجماعة».
كما تفجرت أيضا فضيحة التحويلات المالية التي قام بها العمدة من أموال مخصصة للقطاع الصحي لصالح احتفالات رسمية، وهي الفضيحة التي أنكرها نائبه لحسن العمراني، رغم وجود وثيقة رسمية، مدعيا أن الأمر يتعلق بتحويل مبلغ 200 مليون سنتيم، دأبت الجماعة على وضعه منذ سنوات ضمن الميزانية لفائدة برنامج «راميد» دون أن تقوم الجهة المختصة باستلامه، بسبب ما وصفها بتعقيدات مسطرية، قبل أن تخرج للعلن وثيقة رسمية تثبت عكس ذلك، وتؤكد أن المجلس قام فعلا بتحويلات همت الدفعات التي كانت مخصصة للمختبرات العمومية والمصالح التابعة لوزارة الصحة بقيمة 200 مليون سنتيم، مع تحويل آخر بقيمة 200 مليون سنتيم إضافية، تم اقتطاعها من الدفعات المخصصة لمجموعة تجمعات العاصمة التي تدبر ملف النقل الحضري.