العلاقة بصغار الضباط في الجزائر تكفي لفتح الأبواب المغلقة
يونس جنوحي
يقول هشام عبود إن عددا من المتابعين للشأن الجزائري الداخلي منذ ثمانينيات القرن الماضي، طالما تساءلوا عن السر وراء قوة «مافيا الجنرالات» وهيمنتها على السلطة ومصادر الثروة الجزائرية.
ومن خلال هذه المذكرات، يتضح جليا أن السبب يتركز أساسا في اعتماد هؤلاء الجنرالات الذين جمعهم هشام عبود في «نادي الـ11»، على أذرع قوية.
منفذو التعليمات
بالإضافة إلى الأسماء التي ذكرها هشام عبود سابقا على اعتبار أنها «رجال الظل»، هناك أسماء أخرى كانت تعمل لصالح هؤلاء الجنرالات دون أن يأبهوا بالمخاطر التي وضعوا فيها أنفسهم، والتي قد تقود في حالات كثيرة إلى حبل المشنقة. لكن هؤلاء تلقوا تطمينات من الجنرالات ووعود بألا تطالهم أي متابعات طالما يعملون لصالح الجنرالات وليس لصالح المعارضة.
إحراق الأماكن العمومية والمنازل والمزارع، وافتعال الحوادث وتنفيذ اغتيالات دون ترك ما يدل على هوية الجناة..، كلها ممارسات تمت في جزائر الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، اكتوى بنيرانها الجزائريون أنفسهم وليس أي أحد آخر.
من بين الأمور المثيرة، أيضا، أن بعض الأسماء التي كانت تربطها علاقة بالجيش لم تكن تحب الظهور إلى العلن، ولم تدخل أسماؤها في صفقات عمومية ولا إدارات ولا مناصب ولا حتى مجاملات. كانوا من أصدقاء الجنرالات وخدامهم المحظوظين وينظمون سهرات لصالحهم في الداخل والخارج، ويراهنون دائما على أن تبقى تلك اللقاءات والسهرات «عابرة وسرية»، حتى أن بعضهم كانوا يفتشون الحضور جيدا قبل دخول منازلهم المغلقة مخافة أن يكونوا يتوفرون على آلات تصوير أو تسجيل للصوت، حماية لخصوصية الجنرالات. ومقابل هذه الخدمات «اللامحدودة» كانوا يتلقون عمولات ومكافآت بالعملة الصعبة، خارج الجزائر، دون أن يلفتوا إليهم انتباه أحد.
رجل غامض
من بين الذين أثار هشام عبود سيرتهم أيضا، في كتابه، نجد محمد جباري. هذا الأخير أشار عبود إلى اسمه في عدد من المناسبات. يقول هشام عبود إنه التقى الرجل في شرق الجزائر أثناء تأسيس جمعية شكلتها وجوه معروفة في الجزائر، خصوصا في عالم الصحافة والإعلام. وكان جباري يقدم نفسه واحدا من المهتمين بالقضية الأمازيغية في الجزائر والدفاع عن حقوق الأمازيغ.
قدمت الجمعية نفسها على هذه الطريقة، لكنها في الحقيقة كانت مجرد أداة في أيدي الجنرالات الجزائريين، حيث استعانوا بخدمات جباري، الذي علّق عليه هشام عبود قائلا: «من حسن حظ الجنرالات أن الانتهازيين وصائدي الفرص موجودون في كل مكان». وكان يقصد زميله الذي ربطته به صداقة قصيرة. فقد اتضح لاحقا لهشام عبود أن مافيا الجنرالات كانت تراقب تحركات الحقوقيين عن كثب لتقطع عليهم الطريق من خلال اختراق مدروس وتشتيت لصفوفهم بإغراء بعضهم ضد البعض الآخر، بمبالغ بالملايين.
يقول هشام عبود، أيضا، إن المدعو جباري، بالنسبة له، مهتم بالسياسة، لكنه كان يفتخر في بعض جلساته بعلاقته الوطيدة جدا ببعض الضباط في الجيش. وكانت تلك طريقته، كما يصفه عبود، في التغطية على ماضيه، بحكم أنه كان قادما من وسط فقير ومتواضع. والذين عرفوه طفلا قالوا لعبود إنه كان مجرد طفل انطوائي وكتوم ومنزو على نفسه. لكنه أتقن بعد ذلك إقناع الذين يجالسهم بأنه على علاقة بضباط مهمين ونافذين، وأنه سياسي ومناضل وصحافي، حتى أنه لام هشام عبود في التسعينيات عندما أسس تجربة صحفية، وسأله: «لماذا لم تتصل بي لأعمل معك في الجريدة؟».
كان عبود قاسيا في محاكمة جباري في هذه المذكرات ووصفه بأحط النعوت، مشككا في علاقاته التي يقول إنه أنشأها مع ضباط مرموقين، مؤكدا أنه لم يكن يعرف أي شخص مسؤول في الجيش الجزائري، وأن علاقاته لم تكن تتجاوز التواصل مع صغار الضباط الذين يرمون إليه بعض الشذرات من الأخبار. لكن بمجرد ذكر توفر الاتصال مع شخصية عسكرية في الجزائر، تُفتح الأبواب تلقائيا، وكانت هذه واحدة من مصائب الجزائريين الكثيرة.