- ماهي دلالة الزيارة الأخيرة للملك محمد السادس إلى الإمارات العربية؟
تجب الإشارة إلى أن هذه الزيارة الملكية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، هي زيارة استثنائية، تشكل منعطفا حقيقا في العلاقات الثنائية بين البلدين، علما أن ما ميز هذه الزيارة هو أن قائدي البلدين وقعا على اتفاقيات استراتيجية للدفع بالعلاقات نحو شراكة استراتيجية مبتكرة ومعمقة، إذ أن كلمة مبتكرة هذه لأول مرة ترد في اتفاقيات ثنائية بين دولتين أو عدة دول، فالابتكار يرتبط هنا في أنها مبتكرة ومبتكرة، فهي نموذج جديد لكن في نفس الوقت تطمح إلى المزيد من الابتكار، وذلك عندما تم الحديث عن كيفية التمويل، فقد تم الحديث عن قروض بفوائد ميسرة، وعلى وسائل جديدة في التمويل، وهذا يظهر أن هناك رغبة صادقة لدى الطرفين في المرور إلى الدرجة العليا في هذه العلاقات في أقرب وقت ممكن، كما نلاحظ أن هذه الاتفاقيات قد شملت ميادين متعددة وكادت تغطي كل الميادين والأوراش التي يعرفها المغرب، بدءا بالقطار السريع الذي يربط بين القنيطرة ومراكش وأيضا إمكانية التمويل لإعادة البناء في منطقة الحوز التي شهدت زلزالا في شتنبر الماضي، وقد لاحظنا أن الإمارات كانت حاضرة في عملية الإنقاذ، وهي اليوم ستكون حاضرة بقوة في إعادة البناء، بالإضافة إلى الاتفاقيات الكبرى الموقعة والتي تصل إلى 12 اتفاقية والتي تهم الشق المتعلق بالبنى التحتية من مطارات وموانئ الكبرى كمناء الناظور وميناء الداخلة الذي يشكل عنصرا وسيطا بين غرب إفريقيا وشمال إفريقيا، وكذلك في ميدان الاتصالات وأيضا في ميدان الطاقة النظيفة وخاصة الهيدروجين الأخضر الذي ستشارك الإمارات في تمويل المشاريع المرتبطة به، ولكن الأكثر من هذا أن هذه الاتفاقيات والمشاريع المعنية تجاوز الإطار الثنائي المغربي الإماراتي، كما هو الشأن بمشروع أنبوب الغاز من المغرب ونيجيريا وصولا إلى أوروبا، نلاحظ أن الإمارات دخلت على الخط واعتبرت أنها ستساهم في هذا المشروع، وهو المشروع الذي ليس بالسهل، لكونه يتطلب ما يفوق 25 مليار دولار في عملية التمويل، وحضور الإمارات سيسهل عملية التمويل، وأيضا سيلقي ثقلا كبيرا من الثقة في المشروع لدعم استقطاب ممولين آخرين من الأسواق الدولية، وبالتالي نلاحظ هذه الصبغة الشمولية من الاتفاقيات لا يمكن إغفال قيمة هذه الاتفاقيات، رغم علاقة التعاون التاريخية التي تجمع البلدين في عهد الراحلين الملك الحسن الثاني والشيخ زايد، لكن اليوم يظهر واضحا أن عملية التعاون لن تكون ظرفية وعابرة، ولن تقتصر على ميادين معينة دون أخرى، بل بصبغة تطبعها الديمومة والاستمرارية والتركيز على البنيات الأساسية التي هي عمق التعاون الثنائي بين الطرفين، وهذا الوجود الإمارتي بهذه الطريقة، يشكل مصدر ثقة كبيرة في الاقتصاد المغربي من شأنها أن تجلب المزيد من الاستثمار، والاقتصاد المغربي لما يتوفر عليه من مؤهلات، هو أهل لهذه الثقة، بسبب الوضعية التي يتميز بها من الاستقرار بالإضافة إلى توفر البنية التحتية والعمالة المؤهلة والتي هي بدورها محط ثقة لدى المستثمرين الكبار في مجالات منها صناعة السيارات، وأيضا في مجال الرقائق الإلكترونية، هذا دون إغفال الامتيازات الجغرافية التي تتوفر للمغرب بحكم تواجده على مقربة من أوروبا وفي أبواب إفريقيا، لذا فهو حلقة الربط بين هذين الطرفين، دون أن ننسى أن المغرب أيضا منفتح على الأسواق من خلال اتفاقيات التبادل الحر التي تجمعه مع الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وأيضا توفره على الوضعية المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي. واعتقد أن المغرب يتوفر فعلا على كل الوسائل القليلة لتحقيق الأهداف الاستثمارية الكبيرة.
هل دخلت العلاقات المغربية الخليجية مرحلة جديدة؟
بطبيعة الحال، فالزيارة الملكية الأخيرة للإمارات العربية المتحدة ستشكل قاطرة تدفع بالعلاقات المغربية الخليجية إلى مستقبل أفضل، وقد سبق للمغرب منذ مدة تفوق العشر سنوات، لاحظنا كيف أن بلدان الخليج طلبت رسميا من المغرب الانضمام إلى هذه المنظمة الخليجية، وقد لا حظا أن المغرب اعتبر أن خيار الاتحاد المغاربي هو خيار استراتيجي، وأن التعاون ينبغي أن يستمر مع دول الخليج، لكن ليس في إطار الانضمام إلى المنظمة مباشرة، واعتقد أن الرغبة الخليجية في انضمام المغرب سبق أيضا أن تم التعبير عنها خلال حضور الملك محمد السادس القمة الخليجية سنة 2016، وقد لاحظنا تأييد الدول الخليجية قاطبة لرغبتها في انضمام المغرب للمنظمة، واعتقد أن ما فعلته الإمارات العربية اليوم سيدفع بباقي الدول الخليجية، خاصة قطر والمملكة العربية السعودية، إلى تأكيد التوجه نحو تعاون استراتيجي مع المغرب، هذا دون أن نغفل على المستوى السياسي أن جل البيانات المتوالية للاجتماعات الأخيرة لدول التعاون الخليجي أو أيضا السابقة، قد عبرت عن دعمها لملف الوحدة الترابية للمغرب، كما أن عددا من الدول الخليجية قامت بفتح قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية، وبالتالي لا يمكن إغفال أن هذا التعاون مهم بالنسبة للمغرب وأيضا بالنسبة لدول التعاون الخليجي، ناهيك عن كل أوجه التعاون التي تتم مباشرة بين مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية والمغرب.
- ما هي الأبعاد الاستراتيجية لهذه الشراكة المغربية الخليجية؟
إن ما يمكن ملاحظته أن هذا النموذج الجديد من التعاون، سيمنح المغرب جرعات أوكسجين قوية لتدعيم الاستثمار، وهو ما يمكن أن يسهم في القضاء على البطالة التي وصلت مستويات قياسية بالإضافة إلى تمكين المجتمع المغربي من نوع من السلم الاجتماعي والاستقرار، هذا المستوى الداخلي، أما على المستوى الدولي فهذا النوع من التعاون سيجعل المغرب موقعا للالتقاء بالنسبة للبدان الأخرى، بما فيها البدان أو الشركات العابرة للقوميات والتي ترغب في الاستثمار في جميع بقاع العالم، كلما كانت الامتيازات المقارنة متاحة، والمغرب اليوم سيصبح له رصيد قوي عن طريق هذه المرافق الكبرى التي ستنتعش، خاصة المطارات الكبرى والموانئ والقطار السريع، وهي التي ستجعل المستثمرين وهم يبحثون عن هذه البنى التحتية، بل إن المغرب من شأنه أن يأخذ موقعه الاستراتيجي ويعززه في الربط بين إفريقيا وأوروبا، هذا دون أن ننسى أن المغرب مقبل على تنظيم كأس العالم بالشراكة مع البرتغال وإسبانيا، والإمارات تقترح أيضا أن تدخل في هذا المجال، ونحن نعلم أن هذه التظاهرة وكل الدول التي نظمتها في السابق استفادت بشكل كبير سواء من الجانب المتعلق بالسياح وأيضا في تأهيل التنمية والبنى التحتية وجلب الاستثمار، وأيضا بالازدهار الداخلي، وسيكون وضع المغرب وامتداداته التي ستظهر من خلال مرور طريق الحرير، الذي ستمده الصين نحو إفريقيا، حيث إن المغرب هو البوابة نحو القارة، وهذا ما عبر عنه الملك في خطاب المسيرة الأخير الذي أشار فيه إلى أن التعاون مع بلدان الأطلسي في إطار منظمة البلدان الإفريقية الأطلسية لن يقتصر فقط على هذه البلدان، بل سيمتد إلى بلدان الساحل التي تواجه الفقر ومحاربة الإرهاب وإكراهات اقتصادية.
*أستاذ متخصص في العلاقات الدولية – جامعة محمد الخامس بالرباط