انشغل السوريون بتداعيات التقارب المستجد بين الحكومتين التركية والسورية، وتخوّف اللاجئون السوريون من مستقبل يجهلون نهاية مساراته، رغم تأكيد الحكومة التركية أنها لم ولن تطلب من المعارضة السورية أن تصالح مرغمة، أو أن تتنازل عن مطالبها بالحل السياسي وفق القرار الدولي 2254.
وثمة دول عربية استعادت علاقاتها مع الحكومة السورية، لكنها لم تطلب من المعارضة تغيير مواقفها، ولا يعني موقفها المستجد تنازلا عن دعمها للشعب السوري ككل.
لقد طالت سنوات الحرب في سوريا، وحدثت متغيرات كثيرة غير متوقعة دعت معظم الأطراف إلى إعادة النظر في مواقفها وتقييمها، وطالب بعضهم بضرورة إغلاق الجراح على ما فيها من صديد، وأعلن آخرون يأسهم من الوصول إلى حلول عادلة، وخشي بعضهم بقاء سوريا منعزلة مهمشة لا تجد حضنا عربيا يضمها، فتتكرر مأساة العراق حين ارتمى في الحضن الإيراني عبر تنازل أمريكي لإيران أعلنه أوباما.
وأوباما نفسه تخلى عن «القضية السورية» (عمليا)، فدخلت الأطراف الإقليمية والدولية، وكانت «اتفاقية كيري- لافروف» التي بقيت تفاصيلها غامضة بداية انهيارات في الملف السوري. وعشية رحيل كيري عن وزارة الخارجية، عبر عن أسفه، في لقاء مع المعارضة في باريس، وقال إنه كان ينفذ تعليمات الرئيس أوباما. المهم أن الاجتهادات كثرت في فترة التخلي الأمريكي، وفشل كثير منها، وتعددت الرؤى بين أصحاب السياسات الواقعية ورافضيها.
وكان طبيعيا أن تكون لتركيا علاقة بما يحدث في سوريا، بسبب كونها الجوار الجغرافي الأكبر على الحدود السورية الشمالية، ولكون السوريين لجؤوا إليها بالملايين، واعتبرتهم ضيوفا على أرضها، لكن طول مقامهم هناك أيقظ حالات عنصرية ضدهم، حتى باتوا مكسر العصا في التجاذبات السياسية داخل تركيا التي تحسن دورها الإقليمي والدولي بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، وتمكنت من تخفيض حرارة مشكلاتها مع الاتحاد الأوروبي، وقبل ذلك أدركت أهمية العمق العربي وكونه فضاءها الأرحب، مما دعاها لتحسين علاقاتها مع كل من الإمارات والسعودية ومصر، وبدا أنها تريد استعادة شعارها القديم «صفر مشاكل»، وربما يكون هذا المسار أحد دوافعها لاستعادة العلاقات مع سوريا.
ورغم تسارع التواصل بين الحكومتين السورية والتركية، فإن مطالب كل منهما تبدو عصية ومتعارضة، وربما يكون هذا ما جعل الطرفين يتفقان على تأجيل البحث في القضايا الخلافية، مع أنها هي نقاط الفصل أو الوصل، فالأتراك يريدون تطوير اتفاقية أضنة التي تسمح لهم بملاحقة من يعتبرونهم إرهابيين داخل سوريا، فيما تطلب الحكومة السورية انسحاب تركيا من أراضيها بالشمال. وتريد تركيا أن تقوم الحكومة السورية بتفكيك «قسد»، فيما تحرص الحكومة السورية على صلة متينة مع أكراد الشمال (وهما على تواصل لم ينقطع) رغم الخلافات الراهنة. وتريد تركيا تنفيذ القرار الأممي 2254، وهو ما ترفض الحكومة السورية تفسيره الأممي.
وتريد تركيا ضمانا لبيئة آمنة لعودة اللاجئين، ولا تملك الحكومة السورية ضمانا لذلك، كما أن إعادة عقارات اللاجئين لأصحابها (وأكثرها مهدم) يبدو مطلبا عسيرا. والسؤال الآن، هل يمكن أن يجد الرئيسان السوري والتركي حلولا جادة ترضي السوريين إذا التقيا حقا؟ وهل يملك بوتين مهما ضغط على الطرفين أن يصنع معجزةَ الحل العادل؟ وهل ستقبل إيران بأن تشاركها تركيا نفوذها في سوريا؟ وهل ستقبل الولايات المتحدة أن يَضعف حضورُها وأن تقدم المزيد من العقوبات كما قدمت المزيد من التنازلات؟
رياض نعسان أغا