مازال فيروس كورونا المستجد، يشكل محط اهتمام العالم، فإلى جانب سباق المختبرات الطبية في العديد من الدول من أجل التوصل إلى لقاح للقضاء على الفيروس، يستعر سباق آخر بين الباحثين والمتخصصين من أجل الوصول إلى فهم دقيق لانتشار الوباء وأثاره السلبية على الجانب الاقتصادي والنفسي والاجتماعي على الأسر، فبالموازاة مع الأبحاث العلمية والطبية على اللقاء تستشرف مختبرات العلوم الإنسانية وخبراء التوقعات والإحصاء مستقبل انحسار الوباء.
في هذا الحوار مع جريدة «الأخبار»، يبسط فؤاد العقاري، مهندس الدولة في المعلوميات، أهم الفرضيات الرياضية لانتشار الوباء في المغرب، مرتكزا على ما اشتغل عليه من دراسة حول الوباء بالمقاربة مع عدد من الدول في تطبيق لـ «النمذجة العلمية»، ومحاولا قراءة ما بين الأعداد والأرقام والبيانات الرياضية لتتبع خطى انتشار الوباء واستشراف أفق انحساره .
-ما طبيعة البحث الذي اشتغلت عليه بخصوص الوضعية الوبائية لكورونا في المغرب؟
البحث الذي اشتغلت عليه حول إجراءات الحجر الصحي بين إمكانية تمديده وإنهائه، والآثار الإيجابية لهذه السياسة في إطار محاربة وباء كورونا، يأتي في إطار مهني وتخصصي العلمي المرتبط بالنمذجة والتوقعات الرياضية. وقد اعتمدت فيه على عدة فرضيات ودراسة لكم هائل من المعطيات الرقمية للحالة الوبائية في عدد من دول العالم.
–هل كان بحثك بإيعاز من قطاع حكومي معين؟
إطلاقا، فقد كان البحث الذي اشتغلت عليه في إطار فردي، وبوازع تطوير الدراسات في هذا المجال من أجل المساعدة على اتخاذ القرار السياسي والصحي المناسب في المغرب بعد انتهاء الفترة المحددة للحجر الصحي، على اعتبار أن هذا القرار لن يأتي اعتباطا، بل سيكون مبني على دراسات ومعطيات من القطاعات المعنية، وبحوث، والتي أتمنى أن يكون بحثي هذا واحدا منها لإنارة الطريق في ما يمكن اتخاذه من توجه عام تجاه محاربة الوباء.
–ما هي المرتكزات التي بنيت عليها بحثك؟
كما أشرت فجانب مهم من المعطيات البحثية التي وظفتها في هذا البحث، كانت بعد تتبع للحالة الوبائية لعدد من الدول الأوروبية وأمريكا والصين ودول عربية، وهي معطيات رقمية كنت أحينها بشكل يومي، بالإضافة إلى المعطيات حول الحالة الوبائية في المغرب والتي حصلت عليها من وزارة الصحة، عبر القنوات الرسمية للمعلومة وما يتم نشره في الموقع الرسمي والحوامل الإلكترونية بشكل يومي.
غير أن ما يجب توضيحه في هذا الباب، أنه قبل وضع نموذج للخريطة الوبائية (النمذجة) وجب تتبع الحالة الوبائية في دول من الدول التي استطاعت التغلب على الوباء، وهو الأمر الذي قمت به، حيث اشتغلت على نموذجي الصين وكوريا الجنوبية، وبعد ذلك قمت بتنزيل هذا النموذج على حالة عدد من الدول الأوروبية وأمريكا وإيران، وقد أظهرت النتائج تقاربا كبيرا مع الواقع الوبائي في تلك الدول، وهذا الأمر هو الذي شجعني من أجل تنزيل هذا النموذج على الحالة الوبائية في المغرب.
– لكن هناك اختلاف بين الحالة الوبائية والوضعية الصحية في المغرب وباقي الدول؟
بطبيعة الحال، وقد راعيت في البحث والنموذج الذي وضعت، هذا الاختلاف، ويمكن لي أن أؤكد لك أن هذا الاختلاف حاصل بين عدد من الدول، إلا أنه، وهذه هي ميزة النمذجة، هي أن النموذج يمكن أن ينطبق على جميع الحالات بعد ادخال المعطيات الميدانية، وهو الأمر الذي قمت به في دراسة الحالة الوبائية للمغرب، معتمدا على المعطيات التي تصدرها وزارة الصحة، بالإضافة إلى المعطيات الميدانية التي يتم تحيينها بشكل يومي.
–ما معنى النمذجة؟
النمذجة، هي طريقة علمية من أجل دراسة ظاهرة معينة أو حالة ما، حيث يتم وضع نموذج بعد تحويل المعطيات حول الظاهرة إلى نظام معادلات رياضية، وهذه المعادلات هي التي تتيح إمكانية فهم تطور الظاهرة، وتوقع مستقبل هذا التطور. وفي حالة كورونا التي درست، فبإمكان تطبيق النمذجة مساعدتنا في فهم تطور الوباء في المغرب، ومتى يمكننا القضاء عليه، وهو بمثابة صناعة نماذج مصغرة للطائرات من أجل دراسة آثار التقلبات الجوية على الرحلات، حيث يتم التطبيق على هذه النماذج قبل تنزيلها في الواقع، وكذلك شأن النمذجة.
– المغرب اتخذ إجراءات احترازية استباقية، هل ينطبق عليه نفس نموذج الدول الأخرى؟
كما أشرت، فالنموذج يبقى هو هو، غير أن ما يتغير هي المعطيات التي يتم إدخالها، وفي حالة المغرب يمكن القول إن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات، وعلى رأسها تطبيق الحجر الصحي، بشكل مبكر، وما يمكنني تأكيده، أن هذا الإجراء أنقذ البلاد من تسجيل مئات الحالات، ولا محالة سيكون من بينها وفيات كثيرة.
لقد قمت بتنزيل المعطيات الخاصة في المغرب، ومنها الحجر الصحي المبكر، وإغلاق المدارس، وإغلاق الأجواء، على النموذج التطبيقي وقد حصلت على نتائج تكاد تكون مطابقة لما يتم تسجيله على أرض الواقع.
– هل عملت على هذا النموذج مع فريق أم بشكل فردي؟
لقد اشتغلت على هذه الدراسة بشكل فردي، غير أني تلقيت عروضا للعمل مع فريق للبحث لمواصلة تطوير وتحيين هذا النموذج، والهدف من هذا العمل، هو المساعدة على اتخاذ القرارات الحاسمة في مواجهة الوباء، ولهذا الهدف وضعت عددا من الفرضيات بخصوص التزام المواطنين بتنبيهات السلطات، كالحجر الصحي، حيث افترضت أن 80 في المائة من المواطنين، يلتزمون بإجراءات الحجر والتباعد الاجتماعي، كما افترضت أن ثمانية أشخاص من أصل عشرة، يضعون الكمامات وبالشكل السليم، كما وضعت ثلاث سيناريوهات، أولهم متفائل، واعتبرت فيه أن غالبية المواطنين يلتزمون بقرارات السلطة، كما اعتبرت في هذا السيناريو أن المدارس لن تفتح خلال بقية العام الدراسي، وتحديدا المستويات الأولية والابتدائية، كما اعتبرت في هذا السيناريو أن المطاعم والمقاهي لن تفتح إلا في شهر غشت، كما اعتمدت خلال هذا البحث على فرضية أن يكون في المقصورة الواحدة للقطار عشرين راكبا فقط، على اعتبار أنه كلما زاد العدد عن هذا المؤشر، كلما ارتفع خطر الإصابة.
–ماذا عن السيناريو الأسوأ؟
لقد افترضت أن السيناريو الأسوأ، هو رفع الحجر الصحي في موعد العشرين من هذا الشهر، والعودة للحياة بشكل طبيعي دون اتخاذ أي إجراءات وقائية، أو تباعد اجتماعي، غير أني بينت من خلال البحث على أنه في حال تقرر تمديد الحجر الصحي لأسبوع إضافي، فإننا سنكسب تقليص عدد الحالات التي كانت ستصاب ب8 في المائة، كما سينقص 8 في المائة من عدد حالات الوفاة المحتملة، وإذا ما تم تمديد الحجر لأسبوع ثان، ستقل عدد الحالات التي كانت ستكون مصابة ب13 في المائة.
– لكن، حسب بحثك، في أي وقت يمكن أن يصل المغرب إلى تسطيح منحنى الإصابات؟
ما يجب أن أؤكده هو أن مرحلة تسطيح المنحنى، هي المرحلة الحالية التي نعبرها، ولعل هذا من النتائج الإيجابية للقرارات الاستباقية خصوصا المرتبطة بالحجر الصحي وإغلاق الحدود، حيث إن المعطيات التي كشفها النموذج، تبين أنه لو كانت الدولة قد تأخرت في تطبيق هذه الإجراءات ليوم واحد، لكنا أمام ألف حالة إصابة إضافية، وكل يوم تأخير كان بألف حالة إضافية خلال الثلاث أيام الأولى، ثم يتضاعف العدد، والمؤشر الذي حصلت عليه بتطبيق النموذج، يوضح أنه لو كان المغرب تأخر في تطبيق الحجر الصحي 25 يوما عن التاريخ الذي تم تطبيقه فيه، كنا سنكون أمام 15 ألف حالة وفاة مؤكدة، وأكثر من 200 حالة إصابة، وبالتالي فإن هذا السيناريو الذي نعيشه اليوم، هو ممتاز جدا بالمقارنة مع عدد من الدول. لكن السؤال المطروح، هو هل سنستمر على نفس وضع الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي؟، أم أن الدولة ستقرر رفع هذا الحجر والعودة للحياة الطبيعية؟
– لكن ما دام هذا السيناريو الحالي ممتازا، لماذا نشهد في بعض الأيام ارتفاعا في عدد الإصابات؟
في اعتقادي الشخصي، فالمشكل لا يرتبط بالإجراءات التي اتخذتها الدولة، بقدر ما يرتبط بسلوكات المواطنين، حيث إنها لا تتماشى مع الإجراءات التي تتخذها السلطات، بالشكل المطلوب، فلو كان الالتزام الفعلي للمواطنين بالإجراءات المتخذة، كنا سنكون اليوم في مرحلة انحسار الوباء، غير أننا مازلنا في منحنى شبه مستقر ولا ينخفض بالشكل المطلوب، وهذا الأمر يرجع بالتحديد إلى البؤر الوبائية التي ظهرت في عدد من المدن، في أغلبها بؤر عائلية أو صناعية، وهذا ما يجب على السلطات أخذه بعين الاعتبار، خصوصا البؤر الصناعية، من خلال اتخاذ إجراءات حازمة في حق المصانع التي لا تحترم إجراءات الوقاية.
– ما هو المؤشر الذي تحمله الزيادة في عدد البؤر؟
إن عدد البؤر مؤشر مهم في البحث، حيث إن ما استنتجته هو أنه كلما ارتفعت أعداد نقاط التجمع، كالمصنع ووسائل النقل، أو المدارس، كلما زادة احتمالية تسجيل إصابات بأعداد مهمة، وبالتالي ارتفاع كبير لمنحنى الإصابات، لذلك وجب التركيز على ضرورة التقليل من نقط التجمعات البشرية، لأنه الحل الوحيد للحد من ظهور هذه البؤر.
– ماذا عن صحة التوقعات ببلوغ المغرب لعشرة آلاف حالة مؤكدة مع انتهاء الفترة الثانية من الحجر الصحي؟
أولا يجب التأكيد على أن هناك مقياسين مهمين، الأول هو المتعلق بعدد الإصابات، والثاني مهم جدا، وهو المتعلق بعدد الحالات النشيطة ويتم الحصول عليه بطرح عدد حالات الوفاة والشفاء من مجموع الحالات المؤكدة، وفي هذا الباب يمكنني أن أؤكد لك على أن الأرقام التقريبية التي حصلت عليها من النموذج، تبين على أن عدد الحالات النشيطة ستكون أقل بكثير من الرقم الذي ذكرت.
–حسب النموذج الذي وضعت، ما هو عدد الإصابات الذي سيصلها المغرب قبل الحديث عن القضاء على الوباء؟
كما أشرت لك سابقا، فهذا الأمر مرتبط بعدد من الفرضيات والسيناريوهات التي وضعت، وبخصوص السيناريو الأكثر تفاؤلا، فقد وجدت أن انحسار الوباء بشكل نهائي سيكون عند بلوغنا ما بين 9100 و9300 حالة، أما في السيناريو الوسط فسيكون هذا الانحسار حين بلوغنا ما بين 11 و12 ألف حالة، وفي حدود الثلاثين من شتنبر القادم.
– من هي الدول التي يمكن اعتبارها نموذجا في محاربة هذا الوباء، والتي استطاعت القضاء عليه؟
من هذه الدول، يمكن اعتبار إيسلاندا من الدول التي تمكنت من القضاء على الفيروس، لعدة اعتبارات، أولها يرتبط بعدد سكان الدولة، وهو العدد القليل مقارنة بالمغرب، وقد سمح هذا الأمر للدولة إجراء تحاليل مخبرية بشكل شامل لعموم المواطنين، كما تم عزل المصابين بشكل كامل، فيما استمرت الحياة على طبيعتها لدى بقية المواطنين وتم إغلاق الحدود، وهو الأمر الذي ساعد الحكومة الإيسلاندية في التغلب على الوباء.
وفي المغرب، كما في أغلب دول العالم لا يمكن إجراء الفحوصات الطبية بشكل شامل على جميع المواطنين، ومن العوامل المساعدة على التغلب على الوباء هو عدد النسمة في كل بلد، فالبلد الذي يكون عدد المواطنين فيه مرتفع، يكون من الصعب ضبط انتشار الوباء بينهم، زد على هذا يكون من الصعب كذلك إجراء التحاليل الطبية بشكل شامل على جميع المواطنين.
-ماذا بخصوص حالات الوفاة التي يتم تسجيلها، هل هي مؤشر على انحسار الوباء؟
بخصوص مؤشر عدد الوفيات، فإن هناك طرق عدة لحساب هذا المؤشر ولعل الأكثر استعمالا، هو حساب عدد الوفايات بالمقارنة مع عدد المواطنين وهناك مؤشر آخر، وهو الأقرب للواقع، وهو مؤشر عدد الوفيات بالمقارنة مع عدد الإصابات، وهذه المؤشرات هي التي تمنحنا نظرة حول قدرة الدولة على التحكم والاستعداد الفعلي لمواجهة الوباء. وعلى العموم، فإن مؤشر عدد الوفيات في المغرب بالمقارنة مع باقي الدول، جيد جدا، وينم على نجاعة القرارات التي كان قد اتخذها بشكل استباقي.
في سطور
مهندس دولة متخصص في المعلوميات
باحث في الذكاء التجاري
خريج مدرسة تولوز للتجارة بالدار البيضاء
خريج المدرسة المحمدية للمهندسين (تخصص النمذجة العلمية والمعلومياتية)
خريج سلك الماستر بالمؤسسة الفرنسية للتحليل المالي
متخصص في التدبير والتحليل المالي
باحث في مجال تدبير البنوك الإسلامية (الشريعة والحكامة المالية)