محمد اليوبي
تضمن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات معطيات وإحصائيات صادمة حول تعثر تنفيذ العديد من المشاريع التنموية بكل جهات المغرب، كلفت الملايير من خزينة الدولة.
وأوضح التقرير أن المحاكم المالية، دأبت خلال مهامها الرقابية، على إيلاء عناية خاصة لتدبير المشاريع العمومية. وقد مكنت هذه المهام الرقابية من الوقوف على النتائج الإيجابية والأثر الملموس للعديد من المشاريع المنجزة من طرف مختلف الفاعلين العموميين، غير أنها رصدت، بالمقابل، مجموعة من المشاريع التي اعترضتها صعوبات في التنفيذ أو الاستغلال، مما أثر سلبا على نجاعتها ومردوديتها، وأدى بالتالي إلى عدم استفادة المواطن، على النحو المطلوب، من هذه المشاريع، إما بسبب عدم القدرة على إتمام إنجازها أو بسبب عدم استغلالها.
وانطلاقا من الملاحظات المسجلة في هذا الإطار، ولأجل تكوين تصور عام حول طبيعة المشاريع التي تعرف صعوبات وأهميتها وأهم عوامل تعثرها، أنجزت المجالس الجهوية للحسابات مهمة موضوعاتية حول تدبير المشاريع العمومية المنجزة على مستوى جهات المملكة، ولاسيما تلك التي تعرف صعوبات على مستوى التنفيذ أو على مستوى الاستغلال.
وقد انصبت هذه المهمة الموضوعاتية، التي شملت الجهات الاثنتي عشرة (12) للمملكة، حول المشاريع العمومية الممولة كليا أو جزئيا في إطار ميزانيات مختلف الفاعلين العموميين (جماعات ترابية وهيئاتها، قطاعات حكومية، …). أما من حيث طبيعة المشاريع المندرجة ضمن نطاق هذه المهمة، فقد همت تلك التي تكتسي طابعا اقتصاديا أو اجتماعيا أو صحيا أو تعليميا أو ثقافيا أو رياضيا، دون أن تشمل مشاريع إعادة الهيكلة والمشاريع المرتبطة بالبنيات التحتية (مشاريع الطرق والتزويد بالماء الصالح للشرب والكهربة).
وقد هدفت هذه المهمة الموضوعاتية إلى جرد المشاريع التي تعرف صعوبات وتقييم أهميتها وكلفتها وحجمها والآثار الناتجة عن تعثرها، من جهة، وإلى تحديد مختلف الأسباب الكامنة وراء تعثرها ووضعيتها خلال فترة إنجاز المهمة الموضوعاتية، من جهة أخرى. كما سعت هذه المهمة إلى تتبع مآل هذه المشاريع من خلال تحيين المعطيات ذات الصلة خلال سنة 2021، وذلك بغرض الوقوف على الإجراءات المتخذة من قبل الأطراف المعنية من أجل تجاوز هذه الصعوبات، وهو ما سمح بتقييم أثر هذه المهمة الموضوعاتية.
وأوصى المجلس بتوخي الواقعية في انتقاء المشاريع التنموية المراد إنجازها وترتيبها حسب الأولويات، وحث التقرير، الذي اشتمل على ملخصات متعلقة بالتخطيط الاستراتيجي للجماعات والتعاون بين الجماعات الترابية وتدبير المشاريع والمرافق والتجهيزات العمومية المحلية، على تضمين المخططات الاستراتيجية للجماعات كافة العناصر الضرورية لأجرأتها مع تفعيل آليات تتبع وتقييم تنفيذ هذه المخططات، كما اقترح المجلس دراسة إمكانية تخويل مجالس العمالات والأقاليم مهمة دعم الجماعات في مجال إنجاز هذه المخططات.
وسجل المجلس في ما يخص التخطيط الاستراتيجي للجماعات، مجموعة من النقائص المرتبطة بإعداد برامج عمل الجماعات، مما انعكس سلبا على تنفيذها وحال دون إنجاز العديد من المشاريع المدرجة بهذه البرامج.
وفي ما يتعلق بالتعاون بين الجماعات الترابية، حصر تقرير المجلس عدد أجهزة التعاون بين الجماعات الترابية المحدثة، إلى غاية متم سنة 2020، في 139 جهازا كما تطرق إلى العراقيل التي تحد من تنامي وفعالية التعاون بين الجماعات الترابية.
وفي هذا الشأن، أوصى المجلس بوضع استراتيجية وطنية للتعاون بين الجماعات الترابية وتحديد المجالات ذات الأولوية والمبادئ التي يتعين توفرها لإحداث جهاز تعاون؛ والحرص على التقييم الأولي للحاجيات ثم توفير التمويل الضروري ووضع تصور شامل عن المهام التي سوف تناط بالأجهزة والنطاق الترابي لتدخلاتها.
وقد سجل المجلس أن وزارة الداخلية، ارتباطا بالتوصيات الصادرة عنه، بادرت في مستهل سنة 2021، إلى تنزيل مشروع يهدف إلى اعتماد مخطط وطني يروم ترشيد عملية إحداث أجهزة التعاون عبر وضع مبادئ توجيهية واضحة.
وفي ما يتعلق بتدبير المشاريع العمومية المنجزة على مستوى جهات المملكة، أتاحت المهمة الموضوعاتية للمجلس الأعلى للحسابات جرد المشاريع العمومية التي واجهت صعوبات في التنفيذ أو الاستغلال وتحديد العوامل التي كانت سببا في خلق تلك الصعوبات.
وبلغ عدد المشاريع المتعثرة إلى غاية سنة 2020 ما مجموعه 2635 مشروعا بكلفة 19 مليارا و374 مليون سنتيم، ونوه المجلس في تقريره، مقارنة بالوضعية الأولية التي تم حصرها إلى غاية متم سنة 2020، إلى أن عدد المشاريع التي تجاوزت الصعوبات التي كانت تعاني منها قد بلغ إلى غاية 30 أبريل 2021 ما مجموعه 1.147 مشروعا بمبلغ إجمالي ناهز 8,8 مليار درهم، أي ما يعادل 44 بالمائة من حيث العدد و46 بالمائة من حيث التكلفة الأولية لمجموع المشاريع التي تعرف صعوبات.
ومن هذا المنطلق، وقصد العمل على تفادي الأسباب الرئيسية الكامنة وراء هذه الصعوبات، اقترح المجلس على الخصوص إحداث لجنة دائمة على الصعيد الجهوي، برئاسة والي الجهة، تعنى أساسا بجرد المشاريع العمومية المقرر إنجازها فوق تراب الجهة وتتبع تنفيذها والتأكد من ملاءمة موضوع المشاريع المبرمجة وأهدافها مع توجهات المخططات والبرامج على الصعيد الجهوي والوطني، والتأكد من توفير عقارات في وضعية قانونية سليمة وملائمة للمشاريع المبرمجة.