غرم مجلس المنافسة شركات المحروقات ما قيمته 184 مليار سنتيم استفادت منها الخزينة العامة في هذا الظرف المالي الصعب، بسبب الإخلال بقواعد المنافسة، وجاء القرار تبعا لمسطرة التحقيق التي باشرتها المصالح المختصة بمجلس المنافسة، إذ تم تبليغ مؤاخذات إلى تسع (9) شركات تنشط في أسواق تموين وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين وإلى المنظمة المهنية لهذه الشركات.
بلا شك فإن مثل هذا القرار الصادر عن دركي المنافسة يعكس في طياته دولة المؤسسات، حيث لا شيء فوق القانون وليس هناك مجال استثماري محصن في وجه المساءلة شبه القضائية، ولكنه أيضا قرار يرتبط بشق هام من العدالة وهي العدالة الاقتصادية لالتحام أهدافه بأمور تهم المعيش اليومي للمواطنات والمواطنين، فمن صلب مهامه ضمان تنظيم منافسة حرة ومشروعة وشفافة وتحقق الإنصاف في العلاقات الاقتصادية في مجال المحروقات حتى تصل للمواطن بأسعار معقولة.
والمهم اليوم أن ترتفع جرأة مجلس المنافسة لتمتد إلى قطاعات احتكارية أخرى ظلت لسنوات بعيدة عن سيف المساءلة، خصوصا ما يتعلق بقطاعات التأمين والأبناك والاحتكارات التي تتم فيها التواطؤات الكبرى في مجال الصناعة الغذائية والعقار والمواد الصيدلية والطبية وغيرها.
إن غياب العدالة الرقابية من لدن مجلس المنافسة على الكثير من القطاعات وحصرها في موضوع المحروقات يجعل الريع والاحتكار وغياب المنافسة تتمدد في الكثير من القطاعات التي تهم بشكل مباشر جيوب وموائد المواطنين.
ومادام أن سيف مجلس المنافسة لم يسلط بعد على كل معاقل الريع والاحتكار، فإن نجاعته القانونية في تفكيك الممارسات اللاشرعية والتواطؤات ستبقى محدودة، ولا تحقق المقاصد من دسترة هاته المؤسسة وتحصينها من كل أشكال التأثير، صحيح كسبنا من القرار الأخير ملايير السنتيمات لخزينة الدولة، وبإمكان هاته المؤسسة أن تحقق مكاسب أخرى، لكن ذلك يتطلب منها المزيد من الجرأة لوضع يدها في أعشاش الريع والاحتكار والممارسات الاقتصادية اللامشروعة.