يونس جنوحي
ثلاثة شبان مغاربة سرقوا الأضواء داخل أسرة التكنولوجيا العالمية، نهاية الأسبوع الماضي، والمتعلقة بتكنولوجيا الاتصال في مجال خدمات حماية البيئة، التي ترعاها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا».
هؤلاء الشبان المغاربة، اشتغلوا على تطبيق يسهل عملية رصد النفايات البلاستيكية في المحيطات. وهذا الأمر جانب من الأنشطة غير المعروفة التي ترعاها وكالة الفضاء الأمريكية، منذ سبعينيات القرن الماضي، عندما راجت بعض المقالات العلمية التي تتهم الوكالة الأمريكية، الأكبر في العالم، بتلويث المحيطات بمخلفات أجزاء الأقمار الصناعية التي تنزل من الفضاء صوب المحيطات.
لكن الشباب المغاربة الذين اشتغلوا على هذا التطبيق الأول من نوعه، قدموا للعالم تجربة جديدة في رصد النفايات وتحديد موقعها والتنبؤ أيضا بمسارها في البحار، مما يسهل عملية جمعها وتخليص الكوكب من تلوث المحيطات الناتج عن النفايات الصناعية، سواء القادمة من الفضاء أو التي تخلفها المنشآت الصناعية، في أثناء عبورها للمحيط، سيما منصات الإقلاع التي تطلقها وكالات الفضاء من المحيطات.
أجدادنا القدامى هم الذين وضعوا أسس الجغرافيا. والإدريسي، وهو مغربي عاش قبل ثمانية قرون تقريبا بين طنجة وسبتة، كان أول رجل في العالم يصنع خريطة تقريبية للخرائط التي نعرفها اليوم. ولا تزال الخريطة التي وضعها هذا العالم المغربي تُدرس تقنيا من طرف المهتمين بعلم الخرائط وتحديد المواقع. إذ لم يكن سهلا وقتها نهائيا وضع خريطة لشمال إفريقيا وجزء من أوروبا، علما أن الإدريسي لم يسبق له ركوب الطائرة، لكي يُكَونَ صورة عن شكل المنطقة جغرافيا، وطبعا لم تكن هناك أي رؤية فضائية أو حتى من الأعلى لمنطقة جغرافية. مهمة وضع خريطة للأرض، قبل اختراع الطائرات، كانت تحديا علميا نجح فيه هذا العالم المغربي الذي عاش في مدينة طنجة، أيام كان المغرب يتلقى التهديدات من الإسبان والبرتغاليين، ويعقد معهما صفقات تبادل الأسرى، لم يستسغ هؤلاء أن يحقق عالم مغربي ثورة علمية من هذا النوع في وقت كانوا غارقين في حروب المماليك، ويتخذون من جماجم قتلى معارك أوروبا كؤوسا لشرب نخب الانتصار.
دار الزمن دورته، ولا يزال أحفاد الإدريسي قادرين على خطف الأضواء، وتذكير العالم أن كل ما يتعلق بالخريطة قد بدأ عندنا نحنُ وليس في مكان آخر.
عندما وضع الشريف الإدريسي خريطته الأولى، حدد بدقة موقع مضيق جبل طارق، وكأنه تنبأ أن هذا المضيق سوف يصبح الأكثر أهمية في العالم، حيث يصر الآلاف سنويا، قادمين من كل مكان في القارة الإفريقية، على قطعه بكل الطرق ويغامرون بحياتهم مقابل العبور.
بل إن سبتة التي عاش فيها الإدريسي جزءا مهما من حياته، ومنها ركب لكي يكتشف المشرق العربي وغرب أوروبا، حيث زار إسبانيا ومناطق من بريطانيا، وخاض رحلة السفر الطويلة هذه وهو ابن 16 سنة فقط. وتوج مسار حياته بإعداد أول خريطة في العالم، بطلب من الملك روجر الثاني، الذي أعجب بسعة علمه في مجال الجغرافيا وإلمامه بمواقع المناطق.
وما زالت بعض المراجع العالمية تلقب الإدريسي بـ«الصقلي» نسبة إلى صقلية، حيث كانت أوروبا وقتها، رغم تأخرها بسبب الحروب خلال القرون الوسطى، قد عرضت على الإدريسي البقاء لتلقين علماء الكنيسة أبجديات علم الخرائط والجغرافيا.
علاقة المغاربة بالخريطة تستحق فعلا وقفة تأمل، إذ إن ابن بطوطة الذي يتقاسم مع العالم الإدريسي الانتماء للمنطقة نفسها في شمال المغرب، يعد اليوم أشهر إنسان قام برحلات واستكشافات للدول. وقد حاول الأمريكي «تيم سميث» أخيرا السير على خطى ابن بطوطة، وقام بمحاكاة لرحلته التاريخية الشهيرة، وألف عنها كتابا بعنوان «Travels with a Tangerine»، واعترف بأنه لم يستطع مجاراة ما قام به ابن بطوطة، رغم رفاهية السفر الحالية.
وها هم اليوم أحفاد الإدريسي وابن بطوطة يقدمون للعالم مجهودا علميا في مجال التكنولوجيا، لتخليص الأرض من متلاشيات السباق المجنون الذي نعيشه، منذ قرون خلت.