يعيش العالم على توقيت الكرملين. قرارات سيده تترك بصماتها على أمن سكان الكوكب وأسعار الطاقة والحبوب. ويتفق الخبراء أن سنة ثانية من الحرب الروسية في أوكرانيا ستكون كارثية بالنسبة إلى العالم. إعلان فلاديمير بوتين نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة يقدم دليلا جديدا على أن الرجل وقع في مأزق معقد وأوقع العالم معه. فالإعلان يذكر أن الرجل لا يستطيع العودة من هذه الحرب خاسرا. خسارة أوكرانيا قد تعني في النهاية خسارة الكرملين. وقد تعني أيضا هبوب رياح التفكك على الاتحاد الروسي نفسه، ذلك أن الرجل القوي وحده يستطيع لَحْمَ أجزاء القارة الروسية.
يعيش العالم أيضا على توقيت العلاقات الصينية -الأمريكية. الخلاف على مستقبل تايوان لغم هائل لا يستطيع العالم تحمل تبعات انفجاره. سيصاب الاقتصاد العالمي بأزمة قاتلة، إذا تدفق الدم في تايوان وحولها. الصين الحالية دولة قوية تعيش في ظل رجل قوي. تعيش الصين الجديدة في ظل أقوى زعيم منذ أيام ماو تسي تونغ. ومن حسن الحظ أن الرجل لم يقع حتى الساعة في إغراء الانزلاق في مغامرة ستكون مدمرة لاقتصاد بلاده واقتصاد العالم معا.
أخطر ما في المأزق الأوكراني الحالي هو صعوبة بلورة مخرج مقبول، حتى ولو كان الوسيط بحجم الرئيس الصيني. أغلق بوتين الباب باكرا بإعلانه ضم المقاطعات الأوكرانية التي يعتبرها جزءا من اللحم الروسي. لا يستطيع الانسحاب منها. ولا يستطيع قبول إجراءِ استفتاء فيها تحت إشراف الأمم المتحدة وفي غياب قواته. وفي المقابل لا يستطيع الغرب التوقيع على صفقة تعلن ولادة خريطة أوكرانية جديدة مرسومة بحبر بوتين والدماء الروسية والأوكرانية. المذبحة المتواصلة حول مدينة باخموت تعبير عن الأفق المسدود وشراسة المواجهة. نشر الأسلحة النووية في بيلاروسيا رسالة مفادها أن روسيا مستعدة للذهاب في اتجاه الخيارات الكارثية لتفادي الهزيمة.
في وضع دولي بمثل هذه الخطورة يفترض بالحكومات القريبة والبعيدة أن تُحسنَ القراءة. أن تلتفت إلى أمنها وصيانة أوضاعها الداخلية. أن تنهمك في توفير الحاجيات لسكانها، تفاديا لاضطرابات قد تطلق موجة عدم استقرار عابرة للحدود.
الشرق الأوسط معني بهذا الوضع الدولي. القوات الأمريكية تقيم في بعض أرجائه. القوات الروسية ترابط في سوريا. الاحتكاكات الإيرانية- الأمريكية في شرق سوريا دليل إضافي على التوتر، لكن إشارة إيجابية هبت على المنطقة من بكين. كان البيان الصيني- السعودي- الإيراني شديد الأهمية، ليس فقط لأنه تحدث عن عودة العلاقات بين السعودية وإيران، بل أيضا لأنه شدد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وعلى رغم انتظار التطبيق وآلياته وامتحان النيات، ساد انطباع أن الشرق الأوسط قد يكون أمام فرصة جدية للخروج من توترات ومواجهات واختراقات طبعت العقود الأربعة الماضية. وهناك من رأى أنها فرصة ذهبية للدول المتصدعة لتلتقط أنفاسها وتبدأ ورشة فعلية لإعادة صيانة خرائطها التي تشبه سفنا جنحت وسط العواصف أو أصيبت بثقوب. وتبدأ صيانة الخرائط باستخلاص العبر من السياسات التي أدت إلى تصدعها. صيانة الوحدة الوطنية، وإعادة المواطنين إلى الدولة ومؤسساتها، وتحريك الاقتصاد، والانهماك في تحسين مستوى التعليم والعناية الصحية.
غسان شربل