شوف تشوف

الرأي

العالم عام 2050م (1 ـ 3)

بقلم: خالص جلبي

ليس هناك أصعب من التكهن بالمستقبل، أو المراهنة على ولادة أو استمرار أشياء بعينها، بسبب قانون «الصيرورة» الذي يحكم قبضته على الوجود. 

 توقع هتلر أن يصمد الرايخ الثالث لمدة ألف سنة، وتوقع «شهود يهوه» نهاية العالم في الثمانينات من هذا القرن، وتنبأ الشاعر «فيلكس دان» في أحد أيام عام 1889 م بالقيامة في اليوم التالي، وعلى وجه الدقة عند الساعة الثانية عشرة ظهرا، وانتظر الشيعة عبثا خروج الإمام الثاني عشر المختفي في السرداب، وانتشرت مقالة في العالم الإسلامي تفيد بأن العالم يؤلف ولا يؤلفان، وتوقع جورج أوريل وقوع العالم في قبضة ديكتاتورية مرعبة لا خلاص منها عام 1984م، وأعلن الشيوعيون في روسيا نهاية جدل التاريخ وصراع الطبقات، وراهن فرانسيس فوكوياما على نهاية التاريخ عام 1991م مع نموذج الرأسمالية الأمريكية كشاطئ رست عليه السفينة الإنسانية، وتوقع السياسي الأمريكي «صامويل هنتنغتون» بدء صراع ضار بين الحضارات.

 انهار الرايخ الألماني في مدى 12 سنة، ولم يأت المسيح كما توقع «شهود يهوه»، ولم يخرج الإمام من السرداب، وانهارت الشيوعية في أقل من جيلين، وتنهار الديكتاتوريات اليوم في العالم وتنتشر الديموقراطية، وتتحول الكرة الأرضية إلى قرية إلكترونية وناد للنقاش الديموقراطي مع زحف الإنترنت. 

 

 غروب شمس القرن العشرين

 يوم السبت الثامن من فبراير عام 1997م، وعند منتصف الليل بالضبط قام فريق من الخبراء في مركز العلوم بباريس، بحساب الوقت الذي يفصلنا عن القرن الحادي والعشرين فكان (91,238,400,—) ثانية (واحد وتسعون مليون ثانية و….. ) في لحظة مفصلية بين توديع القرن العشرين واستقبال الحادي والعشرين، مما يجعل مراجعة الأفكار في مثل هذه اللحظات، ولكن بفاصل مائة سنة إلى الخلف، فيها الكثير من المتعة والإثارة والإفادة في المقارنة، عن تصورات الناس وهم يودعون القرن التاسع عشر واستقبال العشرين. 

 في مطلع القرن العشرين راهن العلماء عليه باعتباره بداية عصر للتقدم لا نظير له، وبشر المصلحون بظهور مجتمعات بدون طبقات، وذهب القيصر غليوم الثاني إلى اعتباره العصر الذهبي للشعب الجرماني. 

 المتفائلون ذهبوا إلى حدوث كل هذا بشكل ثابت إلى الأحسن، حتى تتحول الكرة الأرضية إلى جنة خضراء طيبة الثمرات، باردة الشراب. 

 في عام 1894م عرض الكيميائي الفرنسي «مارسيلين بيرثيلوت» في محاضرة له عن أهمية الكيمياء عام 2000م، صورة العالم على شكل خلاب بانتهاء عصر الزراعة التقليدي، وتكوين الغذاء صناعيا، والاستفادة من الطاقة من فرن باطن الأرض، وتحرر الإنسان من الكفاح اليومي لتحصيل خبزه، وأما الحروب فستصبح موضة قديمة للذكرى لا تزيد. 

 وبعد خمسة عشر عاما في عام 1899م توقعت داعية السلام النمساوية «بيرتا فون سوتنر»، أن القرن العشرين لن يمضي إلى نهايته، قبل أن يلقي المجتمع الإنساني من يده منجل الحرب وحصاد القتلى، واعتبار مؤسسة الحرب غير شرعية.

ولكن الكاتبة النمساوية ماتت في يونيو من عام 1914م، قبل اندلاع الحرب الكونية الكبرى بخمسة أسابيع فقط، وكان حجم الإجرام وكمية الدماء التي سالت الصورة المقلوبة للوقت الذهبي المبشر بالعقل والسلام، الذي ساد الفترة ما قبل الحرب، على النحو الذي عبر عنه الفيلسوف البريطاني «برتراند راسل»، أن الحرب الكونية الأولى كانت زلزالا للفكر السائد ولم تكن الحرب على البال والحسبان، خلافا للحرب الثانية التي كانت متوقعة وتحصيلا حاصلا ونتيجة منطقية لمعاهدة فرساي. 

 القرن العشرون كان متوقعا له إذاً تدشين السلام وقهر الجوع ونشر المسرة في القلوب، فهل كان قرنا رحمانيا بحق، أم قرنا دمويا؟

 

 القرن الدموي

 بقدر ما صاحب التفاؤل مطلع القرن العشرين، بقدر ما كان دمويا، ففيه اشتعلت أعظم حربين شملتا المعمورة كلها إلا قليلا، وانتحر فيهما في «ماسادا» جماعية عشرات الملايين، في رحلة مطبقة إلى الجنون الكامل. 

 وبقدر إغلاق ملف القرن العشرين، بقدر تباين التوقعات للقرن الحادي والعشرين في موسيقى متنافرة وترنيمة نشاز؛ فالطيف ينزلق إلى حجم الكارثة البيئية، أو يرتفع إلى جراحة الجينات، والتحكم بمد عمر الإنسان بما يشتهيه المليونير العجوز. 

 مشكلة ثقب الأوزون من جهة، ومشروع البنك الأمريكي الخلوي «A.T.C.C» الذي يحافظ على الحياة في الخلية لفترة عشرة آلاف سنة، يظهر التناقض في الوضع الإنساني، فبقدر زخم التدفق العلمي وانفجاريته وتسارعه، بقدر بروز وتضخم مشاكل تتطلب استنفارا إنسانيا لحلها بعمل مشترك.

 فيض من المعلومات المتضاربة يخلق نوعا من الشعور غير الواضح تجاه الدخول في الألف الثالثة الميلادية. 

 إذا كان السرطان يقضي على صاحبه في النهاية؛ إذا لم يتدخل العلاج الثلاثي: الجراحي والكيميائي والإشعاعي أو حتى الجيني، فإن التخريب المستمر للبيئة من جهتين، استنفاد الموارد وجنون الاستهلاك، سيعمل بالآلية نفسها للسرطان؛ فيحدد شروط الحياة أو يقود الكون إلى الكارثة. 

 بكل أسف ليس عندنا سوى كوكب واحد نعيش عليه. 

 هل يعرض الانفجار السكاني، وانتفاخ الكرة الأرضية بالبشر، وصدمة المناخ كوكبنا للغرق والغوص في الفوضى والمجاعة والأوبئة، أم أن أبحاث الجينات والزخم الإلكتروني سيحملان الأدوية الشافية والأغذية الوفيرة والنظام المحكم؟

 

نافذة:

انهار الرايخ الألماني في مدى 12 سنة ولم يأت المسيح كما توقع «شهود يهوه» ولم يخرج الإمام من السرداب وانهارت الشيوعية في أقل من جيلين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى