شوف تشوف

الرئيسية

العالم السفلي (رحلة في العالم الخلوي)

بقلم: خالص جلبي
عالم الفيروسات (الحمات الراشحة)
في الخلية يكمن سر الحياة في النواة، حيث ترقد الكروموسومات (الصبغيات) التي تحدد الجنس وصفات النوع إلى الأجيال القادمة، ووجد أن النقلة من عالم الجماد إلى عالم الأحياء الذي يمتاز بصفات مثل التكاثر والتغذي والتنفس والحس إنما تتم عن طريق الخلية، ولكن ما هو أسفل من العالم الخلوي نرى كائنات من طبيعة مختلفة، عرف منها حتى اليوم الآلاف تظهر أوضح ما يكون في عالم الحمات الراشحة (الفيروسات = كلمة إغريقية تعني السم)، ومما عرف أن الحمات الراشحة تأخذ طورا صفات الجماد فيدرسها الكيماوي على أساس أنها مادة تتبلور كما هي في صفات الجمادات، وإن كانت ذرتها كبيرة ومعقدة، وطورا آخر يدرسها الجراثيمي على أنها حمات راشحة (فيروسات) لأن فيها صفات الأحياء وهي التكاثر، ولذا فإنها مخلوقات عجيبة، والحمات الراشحة (الفيروسات) لا تتطفل إلا على الأحياء، ولذا فهي لا تعيش إلا داخل الخلية، ولها أنواع متعددة مثل حمى الجدري وحمى شلل الأطفال وحمى النزلة الوافدة وحمى فسيفساء التبغ ومنها التي تسطو على الجراثيم خاصة. ولذا فإن هذا الانتقال من طور إلى طور يدعو إلى التأمل والعجب من الجماد إلى الحياة وبالعكس، إن هذا قد يجعلنا نقول لعل سر الخليقة يكمن في هذا التحول عندما يقول الله كن فيكون. يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون.

تكوين الأعضاء والأجهزة
في جسم الإنسان حوالي 70 مليون مليون خلية [70.000.000.000.000، وهذه الخلايا تشكل مجموعة الأجهزة في الإنسان مثل جهاز التنفس، وجهاز الهضم، والجهاز البولي، والجهاز التناسلي، والجهاز اللمفاوي، والجهاز الدموي، والجهاز العضلي، والجهاز الصقلي العظمي، والجهاز العصبي، والجهاز الجلدي، والجهاز الضام، بالإضافة إلى الحواس كالسمع والبصر والذوق والشم والإحساس عن طريق الجلد، فمجموع هذه الأجهزة تتعاون معا لتشكل كينونة واحدة هي الكائن الإنساني، كما أن الجهاز الواحد بالذات ينقسم إلى أعضاء مثل الجهاز الهضمي الذي ينقسم إلى الفم واللسان والحلق والبلعوم والمريء والفؤاد والمعدة والبواب والاثني عشر والأمعاء الدقيقة، ثم الأمعاء الغليظة والسين الحرقفي والمستقيم، ثم الشرج، وهو كما نرى يؤلف حوالي 12-13 عضوا، وهذه الأعضاء تتعاون تعاونا وثيقا في ما بينها لتؤدي دورا بالغ الأهمية بالنسبة إلى الكائن الإنساني وهو التغذية.
ومثل آخر على ذلك جهاز التنفس حيث يشترك الأنف أو الفم في أول مجرى التنفس، وخاصة مجرى الأنف، ثم الحلق والرغامي والقصبات والقصيبات، ثم الأسناخ الرئوية التي يبلغ عددها 750 مليون سنخ رئوي وتفرش سطحا مساحته 70 مترا مربعا، وكله للتبادل الغازي بنظام محكم بديع، وهو كما نرى حوالي 5-6 قطع أعضاء، وهذه الأعضاء تتعاون معا تعاونا وثيقا لتؤدي غرضا بالغ الأهمية بالنسبة إلى الكائن الإنساني وهو عملية التنفس، وتتلخص في نقل الأكسجين إلى الكرية الحمراء، حيث يرتبط بالهيموغلوبين الموجود في الكرية الحمراء، وهذه تنقلها بدورها إلى الأنسجة العطشى حيث تقوم عمليات الأكسدة والاحتراق واستنفاد الغذاء ونشر الطاقة والحرارة اللازمة الضرورية للإنسان حتى يتابع مسيرة الحياة، ثم نقل غاز الفحم الناتج عن الاحتراق عبر الأوردة حتى يصب مجموعها العام في القلب الأيمن، أي الأذين الأيمن، ثم البطين الأيمن وينتقل عبر الشريان الرئوي إلى الرئتين، حيث يجري طرح غاز الفحم إلى الخارج، إذ ينقلب الدم الفاسد الأسود إلى دم أحمر قان يحمل الأكسجين بدلا من غاز الفحم، ثم ينتقل بدوره إلى القلب الأيسر، أي الأذين الأيسر بواسطة الأوردة الرئوية الأربعة؛ حيث تصب في أعلى الأذين الأيسر وبالتالي إلى البطين الأيسر، ثم عبر الشريان الأبهر (Aorta)، أو ما يسمى الوتين إلى جميع أجهزة الجسم، حيث تتغذى بواسطة الأكسجين والأغذية المنقولة إليها.

الأنسجة
ذكرنا أن الخلايا التي تشكل الإنسان تصل إلى حوالي 70 مليون مليون خلية، وهذه تتوزع إلى أجهزة متعاونة متفاهمة، وهذه الأجهزة تنقسم إلى أعضاء متعاونة متفاهمة متناسقة يكمل بعضها عمل بعض وتتساند في ما بينها، وكذلك فإن العضو نفسه ينقسم إلى أنسجة متعاونة متناسقة يكمل بعضها بعضا، ومثلا على ذلك المعدة فهي تنقسم إلى أربع طبقات من الناحية النسجية، فلو تأملنا من الخارج لرأينا أنها تشبه القربة، وهي مكونة من قطعة واحدة من اللحم، ولكن لو أخذنا جدار المعدة وحاولنا أن تتبين محتوياته تحت المجهر المكبر لوجدنا أن هذا الجدار مكون من أربع طبقات؛ فهو أشبه ما يكون بجدار يغلفه جدار ثان، والجدار الثاني يغلفه جدار ثالث ثم جدار رابع، وهذا ما يعلل لنا لماذا تستطيع المعدة أن تهضم اللحم وهي لحم، ومع ذلك لا تنهضم مع الطعام، فأما الجدار الداخلي الأول فنراه مكونا من طبقة من الخلايا المخاطية التي تفرشه حيث تقوم بإفراز حمض كلور الماء (HCL) بنسبة معينة هي أربعة بالألف، ومن خلايا معينة وهي الخلايا المسماة الخلايا الهامشية، بالإضافة إلى الخمائر ما يسمى العامل الداخلي، وهو الذي يقوم بالدور الأساسي في تكوين الفيتامين «ب 12» الذي يلعب دورا هاما وحيويا في تكوين الكريات الحمراء ووقاية الإنسان من فقر الدم.
وتحت هذه الطبقة نجد طبقة أخرى وهي ما تعرف بالطبقة تحت المخاط، وتحت هذا الجدار الثاني نرى جدارا ثالثا يغلف الثاني، وهذا الجدار الثالث عضلي وهو الذي تمطط في ما إذا امتلأت المعدة كثيرا، والتكوين العضلي ليس واحدا، بل يترتب أيضا على ثلاث طبقات هو الآخر، حيث نرى أولا طبقة عضلية ذات اتجاه منحرف، ثم طبقة أخرى عضلية ذات اتجاه دائري يحيط بالجدار المعدي، ثم طبقة عضلية ثالثة ذات اتجاه طولاني، وهذا الترتيب البديع مهم للغاية حيث يسير التمطط المعدي في أي اتجاه كان، فإذا امتلأت المعدة ولنفرض بسائل ثقيل يترسب في القاع فإن عمل العضلات الدائرية يلعب دورا أساسيا هنا، وإذا امتلأت بطعام يملأ الفضاء المعدي برمته فإن عمل العضلات الطولانية هو الذي يحل المشكلة هنا، وإذا اجتمع العاملان معا تضافرت العضلات الطولانية والدائرية معا، وإذا لم يكن هناك نظام معين في تمدد المعدة تضافرت العضلات بأشكالها الثلاثة معا! ثم يحيط بالجدار الثالث جدار رابع وهو ما يسمى الطبقة المصلية وهذه الطبقة هي الدرع الذي يغلف الطبقات جميعها، كما يكون صلة الوصل مع بقية الأجهزة داخل البطن، بالإضافة إلى دخول التروية الدموية من خلال هذه الطبقة، حيث تغلف وتستر الأوعية الدموية والأعصاب، وأما الأعصاب فهي تشكل ضفائر عصبية تسمى ضفائر (مايستر) و(أورباخ)، تتوضع الأولى تحت الطبقة المخاطية وتتوضع الضفيرة الثانية ما بين الطبقات العضلية، أو بالضبط ما بين الطبقة العلوية الطولانية والدائرية.

الغشاء العاقل
نحن الآن مع النسيج، حيث نرى الحجر الخلوية وهي تتراص جنبا إلى جنب، وبين الحين والآخر نرى ما يشبه النهر الصغير وهو يمر ما بين الخلايا ويصغر تدريجيا حتى يصل إلى درجة من الصغر لا نستطيع أن نميزه ونحن نتابع مسيره، وهذه هي صورة التغذية الخلوية حيث تتم التغذية عن طريق التشرب، وحيث يحيط بالخلايا السائل الخلالي، وكأن مجموع الخلايا يغطس في سائل كالأسفنجة التي تغطس في السائل. وحتى يمكن لنا أن نفهم كيف تتغذى الخلايا فإن هذه الصورة البسيطة غير مقنعة تماما، خاصة لمن يريد أن يصل إلى أعماق الحقيقة، وهذا ما دفع بالأطباء والباحثين إلى أن يتعرفوا إلى كنه الأمور وحقيقتها قدر الإمكان. لقد وجدوا أن للخلية غشاء يغلفها ويمتاز هذا الغشاء بخاصية عجيبة هي أنه يشبه المرشحة الانتخابية؛ فهذا الغشاء ترشح منه المواد من داخل الخلية إلى خارجها والتي تمثل نتائج الاستقلاب وبقايا الفضلات الفاسدة وغاز الفحم، كما أنها تدخل المواد التي تحتاجها الخلية من السكر والماء وسواهما، ولكن العجيب يكمن في أنها تدخل ما تشاء وترفض ما تشاء عن طريق الغشاء الخلوي فهي تسمح وبمنتهى السرعة بدخول مادة البوتاس، حيث يشكل البوتاس الموجود ضمن الخلايا 98 في المائة من بوتاس البدن عامة و2 في المائة يوجد في الدم، بينما تمنع (معدن) الصوديوم والكلور؛ لأن المنطقة الإنتاجية لمادة الصوديوم هي خارج الخلايا، وهذه وتلك معدن؛ فالصوديوم والبوتاسيوم معدنان متقاربان، ولكن الغشاء يرفض الأول بينما يأخذ الثاني، هذا مع العلم أن ذرة البوتاس وزنها 39 بينما وزن ذرة الصوديوم 23، أي إن ذرة البوتاس أكبر وأثقل.
وبالإضافة إلى هذا نجد أن الغشاء لا يسمح بدخول المواد البروتينية بينما يسمح بدخول السكر والبولة، وهذه الخاصية عجيبة فما هو السر الذي يجعل هذا الغشاء يتصرف كالعاقل، فهو يرفض إدخال عنصر كالصوديوم مثلا؛ بينما يسمح بإدخال عنصر البوتاسيوم حتى لتعتبر الخلية الملجأ الأمين الوحيد لشاردة البوتاسيوم في البدن؟
وأما تكوين الغشاء الذي يحيط بالخلية وثخانته والعمل الذي يقوم به فهو فعلا مدهش؛ فلقد وجد أن ثخن الغشاء يتراوح وسطيا ما بين 120-140 Ao (الأنغستروم Ao يساوي جزءا من 10 ملايين من السنتيمتر) وهو يتركب من طبقتين من المواد الدسمة، وتكون هاتان الطبقتان الدسمتان مغلفتين بطبقتين أخريين من المواد البروتينية. والآن أين الثقوب التي تمر منها المواد والذرات من داخل الخلية إلى خارجها؟ إن الجواب عن هذا هو أن أحدث ما توصل إليه العلم عن طريق المجهر الإلكتروني الذي يكبر حوالي 100 ألف مرة أن الثقوب هي بحالة ديناميكية غير ثابتة، أي إنها تتشكل من وقت لآخر حيث تتعرى مناطق ثم تحدث ثقوبا جديدة في مناطق أخرى وهكذا، وهذا يجعلنا نقف متأملين في قدرة الخلية العجيبة التي يستهلك منها جسم الإنسان، كما مر معنا 125 مليون خلية في الثانية الواحدة!
إلى داخل الخلية:
والآن لنحاول أن ندخل عبر ثقوب الغشاء الخلوي إلى داخل الخلية، لنرى العالم الذي يقع خلف هذا الستار المجهول. ليست الخلية حجرة صغيرة محاطة بغلاف وفيها سائل متجانس، بل إنها كالبحر الذي يعج بأنواع مختلفة من الحيتان والأسماك والحيوانات المختلفة، فلننظر إلى هذه العناصر الموجودة داخل الخلية، وهذا قبل الوصول إلى النواة، لأن النواة كما ذكرنا فيها سر حياة الخلية. أولا وجد أن تركيب الإنسان من العناصر هو بالنسب المئوية التالية: من عنصر الأكسجين 62.81 ومن الفحم 19.37 ومن الهيدروجين 5.14، ومن الآزوت 1.38 ومن الكلس 0.63 ومن الفوسفور 0.64 ومن الكبريت 0.26 ومن الصود 0.18 ومن الكلور 0.22 ومن المغنيزيوم أقل من 0.04 في المائة، والعجيب في هذه النسبة أنها تشبه النسبة الموجودة في النباتات في زمن الربيع عندما تزهر، فهل هذا لأن الإنسان يمثل ربيع الوجود؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى