يواصل فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض «كوفيد 19» حصد المزيد من الأرواح حول العالم، ففي الوقت الذي ينحسر انتشار الوباء في بعض الدول الأوربية على رأسها إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، وهو الانحسار الذي دفع تلك الدول إلى إقرار تخفيف قيود الحجر الصحي، والعودة تدريجيا إلى نمط الحياة الطبيعية، مازالت دول أخرى تواجه ذروة انتشار الوباء، وقد تجاوز عدد الوفيات بسببه في الأيام الأخيرة عتبة المائة ألف قتيل في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي خضم هذه الأوضاع المتضاربة لحالة الوباء في دول العالم، تفيد المؤشرات الرقمية الواردة من السلطات الصحية في المغرب حول الوضعية الصحية لمرض «كوفيد 19»، بأنه تم تجاوز مرحلة الخطر بأمان، بحاجز إصابات لم يتعد 8 آلاف، في خضم ارتفاع حالات التعافي التي تجاوزت نسبة 66 في المائة.
في هذا الحوار مع جريدة «الأخبار»، يقرأ الدكتور الطيب حمضي، رئيس النقابة الوطنية للطب العام بالمغرب، مؤشرات الحالة الوبائية لجائحة كورونا في المغرب، ومستقبل تخفيف الإجراءات التي كانت قد اتخذتها الدولة لمواجهة الوباء في ظل المؤشرات التي توحي بتراجعه، وسيناريوهات الموجة الثانية منه، وآمال الوصول إلى اللقاح المنتظر للقضاء عليه.
ما تعليقك على الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمواجهة انتشار كورونا؟
إننا لسنا في حاجة للتذكير بأن القرارات التي اتخذتها السلطات المغربية، كانت قرارات استباقية وشجاعة ووضعت الإنسان المغربي كأولوية الأولويات بدون أدنى تردد، وإن كانت لهذه القرارات كلفة اقتصادية واجتماعية، فإنها مكنت بلادنا من تجنب السيناريوهات السيئة، وقد اتخذها المغرب لأنه استفاد وبسرعة كبيرة جدا من تجارب الدول المجاورة، كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ولم يكن أحد يتوقع النتائج الوخيمة التي سيتسبب فيها الفيروس، والدول القريبة عانت وتعاني من نتائج هذا التأخر بأيام فقط في مواجهة الوباء.
ومن الجانب الطبي، فإن القرارات التي تم اتخاذها أبانت عن استباقيتها وفعاليتها بالنظر للنتيجة الإيجابية التي نعرفها مقارنة مع غيرنا.وأعتبر أن كل المؤسسات في الدولة، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، وكذا الحكومة والبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني والنقابات، والقطاع الخاص، قامت بدورها في الاستعداد لمواجهة هذه الأزمة أو على الأقل لم تعرقل ذلك. ولعل هناك من سيقول إن جميع الدول اتخذت هذه الإجراءات، وهذا غير صحيح. فمن الدول من واجهت معارضة الأحزاب أو النقابات، وقد رأينا في عدد من الدول خروج احتجاجات ضد القرارات التي اتخذتها حكوماتها، ففي ألمانيا، تمت مواجهة القرارات التي اتخذتها المستشارة الألمانية، وفي أمريكا، نجد أن الرئيس ترامب يتلكأ مثلا في تطبيق الحجر للحفاظ على عمل المقاولات، وفي البرازيل كيف أوصل الرئيس بلاده لوضعيتها الخطيرة اليوم،وفي دول أخرى، عكس ما وقع في المغرب، الذي كان قد تجند على جميع المستويات، وتم، كما أشرت، اتخاذ قرارات حاسمة وناجعة واستباقية.
– ما هي الأمور التي ساعدت المغرب على اتخاذ قرارات استباقية؟
علميا، يمكنني أن أقولإن التدخل الملكي في وقت مبكر جنب المغرب سيناريو سيئا، وقد كان التدخل الملكي حاسما، ولولاه لكان الوضع في المغرب في حالة ليست هي الحالة التي نعيشها اليوم.سيأتي اليوم الذي نتحدث عنالتفاصيل. أؤكد وأقولإن هذا التقييم من الناحية الطبية الصرفة وليس السياسية. فقد صدر في بداية أبريل مقال طبيلخبير أمريكي وعالمي متخصص في وضع السياسات الصحية، وهو هارفيفاينبرغ، الذي نشر مقالة في إحدى أكبر وأهم المجلات الطبية البريطانية، ووضع في هذا المقال ما قال إنهاستةإجراءات وشروط يجب أنتتخذ لتتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من القضاء على الوباء في عشرةأسابيع، ووضع في رأس هذه القرارات، ضرورة أن تكون جهة إصدار القرار واحدة، وهذا بطبيعة الحال أمر فعلي، إذ إن الدول التي فيها مركزية القرار بخصوص هذا الوباء،ومنها المغرب،تمكنت من التحكم في الوباء. هناك كذلك استفادتنا من مسار الدول القريبة منا كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
– ماذا بخصوص بعض المؤاخذات حول تأخر المغرب في اتخاذ بعض الإجراءات الوقائية؟
إن منظمة الصحة العالمية تتخذ عددا من الإجراءات وتوصي الدول باتخاذها، في الحالة التي يكون قد بدأ ينتشر فيها أحد الأوبئة، وتتوفر المعلومات العلمية حول انتشاره وخطورته، وبالتالي فإن قرارات من قبيل منع التجمعات وارتداء الكمامات ومنع اللقاءات، لا يتم اتخاذها اعتباطيا كما لا يتم اتخاذها على اعتبار فقط وضعية الوباء في دول أخرى، بل بالاستناد إلى معايير دقيقة. فقد مرت العديد من الأوبئة، ولم يتم إغلاق الحدود، كما هو الشأن خلال انتشار مرض السارس 2003، وزيكا، وإيبولا، والميرس… من خلال الحالة الوبائية في المغرب، فإن الحالات الأولى كانت حالات وافدة، وبقيت محصورة لأسابيع، وبالتالي فإنه كانت تتخذ القرارات بناء على المعطيات الحديثة.كذلك الكمامات بالنسبة للعموم قرار اتخذه المغرب قبل توصيات منظمة الصحة العالمية، رغم أنه إجراء احترازي فقط، وإلى اليوم الكثير من الدول لا تفرضه أو تفرضه في بعض الأماكن فقط. بينما كان المغرب سباقا للتجاوب مع ما استجد من معطيات علمية في حينها.
– وماذا عن الدول التي استطاعت السيطرة على الوباء رغم عدم اتخاذها إجراءات مشددة؟
من السهل القيام بالمقارنة بين التجارب والإجراءات، والنتائج التي سجلتها عدد من الدول، لكن ما يجب تأكيده هو أن لكل دولة معاييرها وأوضاعها المرتبطة بها. فكمثال كوريا الجنوبية، التي كانت تتوفر في بداية مواجهة الوباء على 500 مركز للتحاليل الطبية، وعدد هائل من وسائل الكشف وقدرة كبيرة على تصنيعها، فيما كانت على استعداد للوباء منذ تجربة وباء ميرسMERS، التي كانت قد خلفت مشاكل بكوريا في سنة 2015، وأصبحت على إثرها مستعدة لمواجهة انتشار الوباء، وقدرتها على تتبع المصابين والمخالطين بالهواتف والبطاقات البنكية وكاميرات المراقبة.. وكذلك ألمانيا التي تتوفر على قدرات كبيرة لصناعة وسائل الكشف، ولذلك، فإنه في كوريا الجنوبية وألمانيا لم يتم تطبيق الحجر الصحي الحرفي، وإنما بدل ذلك عوضته بإجراءات وقائية قوية تم احترامها من طرف المواطنين أكثر مما طالبت به الحكومات. في كوريا لم تقرر الدولةإغلاق المقاهي والمطاعم لكن هذه الأخيرةأغلقت من تلقاء ذاتها بسبب امتناع الزبناء عن ارتيادها من باب الاحتياط.
– ما هي المؤشرات الصحية التي دفعت الحكومة إلى تمديد الحجر الصحي؟
من المؤشرات التي يتم الاعتماد عليها لرفع الحجر الصحي، مؤشرR0، الذي يشير إلى معدل انتشار المرض، إذ يجب أن يكون أقل من واحد، ومعناه أن شخصا واحدا مصابا لا يعدي إلا أقل من شخص آخر، والمعدل الذي يمكن أن تعتمده السلطات لأخذ قرار رفع الحجر هو أن يكون مؤشر R0 أقل من واحدولمدة أسبوعين، كما أن نسبة الحالات الجديدة اليومية يجب أن تكون منخفضة، ونسبة النتائج الإيجابية من مجموع الفحوصات اليومية منخفضة.وهذه المؤشرات كان بالإمكان أن تتحقق لدينا في نهاية مارس بداية أبريل لو أن السكان التزموا بالحجروباقي الإجراءات الحاجزية، لكن، مع الأسف، هناك من لم يحترم هذه الإجراءات، وبالتالي ظهرت بعض البؤر صناعية وتجارية وعائلية، وهي التي تسببت في تأخير رفع الحجر الصحي.
– هل هناك مؤشرات أخرى؟
يجب أن نعرف أن اتخاذ قرار رفع الحجر الصحي، هو أصعب بكثير من قرار فرضه، إذ إن اتخاذ هذا القرار يتطلب أولا ضرورة التأكد من أنه تم التحكم ومحاصرة الوباء، بالإضافة من جهة أخرى إلى تأمين عدم عودة الوباء في حال ما تم رفع الحجر الصحي، وهو ما من شأنه استوجاب اتخاذ قرار العودة إلى الحجر، وضياع مجهود الثلاثة أشهر السابقة، وبالتالي فإن قرار رفع الحجر الصحي مرتبط بعنصرين أساسيين: أولهما التحكم في الحالة الوبائية الحالية، والثاني هو قدرة السلطات الصحية على التحكم في الوباء بعد رفع الحجر الصحي، بمعنى أن تكون للدولة بعد رفع الحجر الصحي القدرة على تتبع انتشار الوباء، واكتشافه والتحكم فيه. فإما أن يتم رفع الحجر الصحي دون كل هذا، وحينها سنكون أمام موجة انتشار واسعة للوباء ولا نعلم بها إلا بعد امتلاء أقسامالإنعاش ومستودعات الأموات لا قدر الله..، أو نرفع الحجر الصحي بعدما نكون قد هيأنا الوسائل لحماية الناس، خصوصا المواطنين المسنين والذين لديهم أمراض مزمنة. كما يجب أن تكون لدينا القدرة الكبيرة على عزل المخالطين، في حال ظهور حالات، والقدرة على تتبع المخالطين، وهذا لا يمكن أن يتسنى لنا إلا بالرفع من الكشوفات، وهذا ما بدأنا نلاحظه حيث ارتفع عدد الفحوصات الطبية، وهذا من شأنه أن يمكننا من تتبع حالات انتشار الوباء، والكشف السريع عن المصابين لعزلهم وعلاجهم.
– ماذا عن مؤشر الوفيات وحالات التعافي من المرض في المغرب؟
يجب التأكيد أولا على أن هذه الأرقام المتعلقة بحالات الإصابة والوفيات والتعافي، وإن كانت رسمية، فهي تقريبية، إذ إنه لا توجد في العالم دولة تعرف بالتدقيق عدد الحالات المصابة لديها. غير أنه كلما توسعت الفحوصات، إلا وأصبحت لدينا صورة تقريبية أقرب إلى الحقيقة. وعموما، بخصوص معدل الوفيات، فإنه في العالم 7 في المائة، غير أنه في المغرب أقل من 3 في المائة، كما أن معدل التعافي في العالم هو 37 في المائة، غير أنه في المغرب يتعدى الستين في المائة، وهذه كلها معطيات مطمئنة وتؤكد سير المغرب في طريق مميز نحو القضاء على الوباء.
– ما هو معدلR0، وكيف يتم احتسابه؟
في مجال الأوبئة يتوفر كل فيروس على معدلR0 الخاص به، وهو معدل عدد الأفراد الذي يمكن لشخص مصابأن ينقل لهم الإصابة، وفي حالة كورونا المستجد، فإن الأبحاث العلمية حددت هذا المعدل في ثلاثة تقريبا، غير أن هناك دراسات متواصلة للوصول إلى المعدل بدقة.وعموما فإن هذا المعدل يرتبط بثلاثة أشياء، أولها قوة انتشار الفيروس حيث إن هناك فيروسات تنتشر بسرعة وأخرى تنتشر ببطء، كما يعتمد هذا المعدل على عدد المخالطين، ثم في الجانب الثالث، مدة العدوى، أي كم يستمر المصاب من وقت في نقل العدوى للآخرين.
أما بخصوص طريقة احتساب المؤشر، فتتم بناء على مدة حضانة الفيروس، حيث يتم عد عدد الإصابات مرة واحدة في كل فترة حضانة، وبناء على معدل هذا المؤشر يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة، للتقليص منه. مثلا يتم التقليل من الاختلاط بفرض إجراءات الحجر الصحي، وكذلك الإجراءات الحاجزية لإضعاف قوة العدوى، والبروتوكول العلاجي من شأنه كذلكالتقليص من المدة الزمنية التي يكون فيها الشخص معديا، وبالتالي فإن الإعلان اليومي عن هذا المؤشر أمر غير مفيد لأن تحديده لاستخلاص النتائج يتطلب فترة معينة تقارب الأسبوع.
– من هي الجهة المسؤولة عن حساب وتحديد هذا المؤشر؟
من الأكيد أن الجهة التي تعتبر مسؤولة رسميا عن حساب هذا المؤشر وتحديده والإعلان عنه، هي وزارة الصحة، وهي الجهة التي تقوم بمركزة المعطيات المتعلقة بالوباء، وإن كان يمكن احتسابه من طرف المهنيين أو الصحفيين أو الباحثين، شريطة التوفر على معطيات دقيقة.
– ما هو عدد الإصابات الجديدة التي يمكن معها الحديث عن انحسار الوباء والقضاء عليه؟
الإعلان عن القضاء على الوباء لا يكون إلا بالتوقف عن تسجيل حالات جديدة، أو تسجيلها في مرات نادرة وقليلة، أي لا رابط بينها، وبالتالي فإن الوقت مازال طويلا قبل الحديث عن القضاء النهائي على الوباء. والإجراءات التي تم اتخاذها، ليست بغرض القضاء نهائيا على الوباء، ولكن من أجل التحكم فيه، حتى تكون الحالات قليلة جدا وغير خطيرة.
– ما هي المدة التي يجب أن يستمر فيها تسجيل أعداد قليلة جدا من حالات الإصابة حتى يمكن الحديث عن التحكم في الوباء؟
إن معدل المدة الزمنية التي يجب أن يكون فيها عدد الحالات منخفضا بشكل كبير يجب ألا تقل عن الأسبوعين في علاقة مع مدة حضانة هدا الفيروس، وهذه المدة المتمثلة في أسبوعين هي مدة العزل المعمول بها. لذلك يجب أن تستقر المؤشرات الإيجابية لمدة أسبوعين، وآنذاك يتم رفع الحجر الصحي.
– هل سيتم رفع الحجر الصحي في التاريخ الذي حددته الحكومة؟
يجب التأكيد على أن الحجر الصحي وسيلة من وسائل محاربة انتشار الوباء، شأنه في ذلك شأن غسل اليدين والتباعد، ووضع الكمامات وعدم لمس الوجه باليدين قبل غسلهما، والعلاج الفعال وإيجاد اللقاح، وبالتالي فإن الحجر الصحي ما هو إلا إجراء من هذه الإجراءات، ولا يمكنه الاستمرار طويلا، على اعتبار أنه يقتل الاقتصاد، وله تأثيرات نفسية واجتماعية ولا يمكن أن يستمر طويلا. وأعتقد أنه سيكون من الضروري رفع الحجر الصحي تدريجيا وحسب الجهات والفئات الاجتماعية والقطاعات في موعده المحدد أي 10 يونيو. غير أنه من الضروري أيضا تكثيف الإجراءات بعد الحجر الصحي، حتى لا نعود له مرة أخرى، وقد يطرح السؤال فيما إذا لم نتمكن من الضبط، فإني أعتقد أنه يجب رفع الحجر الصحي بشكل تدريجي وجهوي، حيث إن المناطق التي تسجل حالات قليلة أوخالية يجب أن تستفيد من رفع الحجر بشكل أسرع من المناطق التي لازالت تراكم الإصابات.
– ماذا بخصوص رفع عدد التحاليل الطبية وآثاره على مواجهة الوباء؟
إن متابعة الوباء بدقة، وعدم التعامل معه بعيون مغمضة، تستوجب ضرورة الرفع من عدد التحاليل المخبرية، وهذا ما أكدنا عليه منذالأيامالأولى للوباء وأكدت عليه طبعا منظمة الصحة العالمية. واتخذت وزارة الصحة قرارا يصب في هذا المنحى، حيث قررت الرفع من عدد التحاليل المخبرية في الثلاثة أشهر الحالية (ماي ويونيو ويوليوز)، سيكون مجموعها 125000 تشخيص مبكر وتقريبا 1800000 ألف كشف (تقريبا مليونين)ليصبح معدل هذه التحاليل أزيد من 21 ألفتحليلة في اليوم، ولعل هذه هي الوسيلة الوحيدة لتتبع حالة الوباء وضبط الحالات المصابة قبل تكون بؤر وبائية كبيرة يصعب فيما بعد تتبعها وضبطها. طبعا هناك ضرورة سن استراتيجية متابعة إلكترونية لتسهيل ضبط وكشف المخالطين.
– ما مدى إمكانية تسجيل موجة ثانية لانتشار الوباء؟
يجب أولا التأكيد على أن لكل فيروس خاصيته، وفيروس كورونا المسبب لمرض «كوفيد 19»، هو جديد وتغيب عنا العديد من المعطيات بخصوصه، وكل المؤسسات العلمية العالمية تعرف عن الفيروس الشيء القليل وتجهل عنه الشيء الكثير. وعموما فإن الوباء الحالي في مواجهة ثلاثة سيناريوهات، فإما أن يختفي تماما كما اختفىالكورونا الأول SARS1الذي ظهر سنة 2003، أو سيختفي مثل كورونا الشرق الأوسط (ميرسMERS) سنة 2012 مع بقائه في الحيوانات كحاضنات، وبالتالي، فإن خطره يبقى قائما، أما الاحتمال الثالث، فهو أن يتحول إلى فيروس موسمي كما هو الشأن بالنسبة لفيروس الأنفلونزا الموسمية، غير أن الكثير من الباحثين والخبراء الذين لهم تجربة طويلة في علم الأوبئة، يتوقعون موجة ثانية من الفيروس في الخريف المقبل.
– إذا ما كانت موجة ثانية من الفيروس فهل ستكون أخطر من الحالية أم أخف؟
الأمر لن يخرج عن مجرد احتمالات وتكهنات لا يمكن الحسم فيها. فجائحة الأنفلونزا الإسبانية التي ضربت العالم سنة 1918، والتي تسببت في مقتل أكثر من 50 مليون مواطن، كانت موجتها الثانية أشد خطورة وفتكا من الموجة الأولى، لأنه وقع تحول في الفيروس.وعموما فإنه قد تكون الموجة الثانية أقل ضررا من الأولى، وقد تكون أطول زمنيا وأعلى في منحنياتها، وهذا احتمال يضعه بعض الخبراء، ولذلك وجب علينا أن نكون مهيئين ومستعدين لهذا الاحتمال.
هل هذا يعني أنه يجب أن نتعايش مع الفيروس؟
إن التعايش مع الفيروس معناه أن يبقى الفيروس حاضرا بيننا لمدة تصل إلى سنوات، أو أن يتحول إلى إصابات موسمية.وأن نتعايش معه لا يعني بالمطلق أن نبقى في هذه الحرب الضروس على الوباء بهذه الطريقة والقوة نفسها. لكن الخلاص سيكون عن طريق حصول المجتمع على مناعة تصل لـ 60 أو 70 في المائةإما عن طريق اللقاح وهو الأسلم، أو مناعة طبيعية،الإصابات المتتالية مفروضة بقوة الواقع، وهذا الأمر ستكون له تكلفة اجتماعية وإنسانية ومالية كبيرة، وغير مؤكدة نجاعتهالحد الساعة. وبعدها ستصبح الإصابات بالفيروس قليلة ولن تكون على شكل وباء بل ستصبح حالات معزولة، وبالتالي فإن توفر اللقاح سيعتبر انتصارا للبشرية في الحرب ضد كورونا. واللقاح المنتظر تبشر بعض الدراسات بأن تكون له فعالية كبيرة عكس لقاح الأنفلونزا الموسمية الذي يجب تغييره كل سنة، فبعض الدراسات بينت بأن الطفرات التي تقع في فيروس كورونا أقل وأبطأ من الطفرات التي تقع في فيروس الأنفلونزا الموسمية مرتين إلىأربع مرات أقل.ومن المؤكد أن هذا اللقاح لن يكون متوفرا للجميع خلال الأشهر القادمة، قد يتم التوصل له قبل نهاية السنة، لكن تطويره وتصنيعه سيتطلب أشهرا وقد يكون في حدود منتصف 2021 في أحسنالأحوال.
– ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها بالنسبة للأشهر المقبلة؟
يجب علينا الالتزام بالإجراءات الوقائية، في الحجر الصحي وحتى بعده، هذا مهم جدا.في قطاع التعليم بالخصوص، يجب التهيئة للمضامين الرقمية، حتى، لا قدر الله،وكانت هناك موجة ثانية في الخريف القادم، نكون مهيئين لمواجهتها. كما أن على المغرب أن يستورد كميات كبيرة من اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية، حتى يتم تلقيح أكبر عدد من المواطنين، ولا يكون هنالك تكالب لا قدر الله بين المرضين، الأنفلونزا الموسمية وتقتل لوحدها أزيد من نصف مليون إنسان كل سنة عبر العالم، ومن جهة أخرى وباء كورونا. كما يجب على المستشفيات العمومية والعيادات والمصحات الخاصة أن تستفيد من فترة (الهدنة)النسبية التي ستلى الحجر الصحي، من أجل علاج مرضى الأمراض المزمنة الذين تم التخلي عن علاجهم خلال فترة الجائحة، حتى لا نصل فصل الخريف ومعنا متأخرات طبية كثيرة. المؤشرات تدل على أننا على الأقل في النصف الشمالي من الكرة الأرضية نعيش ما يسمى بديل الوباء أي خفوته، وهذا شيء جيد لنتنفس الصعداء، لكن احتمال الموجة الثانية يجب أن يدفعنا كأطباء وسلطات والجميع،إلىالإعداد الجيد لهذا الاحتمال حتى لا نؤدي الفاتورة غاليا، اجتماعيا وإنسانيا.
الدكتور الطيب حمضي في أسطر :
– رئيس النقابة الوطنية للطب العام بالمغرب
– عضو مسؤول بعدد من المنظمات الطبية والصحية.
– طبيب بالقطاع الخاص
– تم اختياره «طبيب السنة» بالمغرب سنة 2003
– كاتب وناشط إعلامي في قضايا التربية والإعلام الصحي
– صدر له كتاب عن التوعية الصحية وكتب مشتركة
– مؤسس ورئيس سابق لعدد من الجمعيات الطبية
– كان وراء إطلاق عدد من المبادرات الخيرية في المجال الصحي (إنشاء مراكز تصفية الكلى، حملات طب العيون …).