الطيب الصديقي.. تمرد على نظام الحمية وظل يمارس «قفشاته» إلى أن دخل في غيبوبة
حسن البصري
بعد طول صمود، أسلم الفنان المغربي الطيب الصديقي، الروح إلى بارئها يوم الجمعة خامس فبراير 2016، في إحدى المصحات الخاصة بمدينة الدار البيضاء. لم تكن وفاته مفاجئة لمحيطه العائلي، لأن رائد المسرح المغربي عانى، خلال الأشهر الأخيرة، من ويلات المرض وقساوة الداء، قبل أن يغادر الحياة الدنيا عن سن ناهزت 79 سنة.
وحسب أمينة الصديقي، أرملة الراحل، فإن الطيب عاش حزنا عميقا على وفاة أحد أصدقائه الفنانين التونسيين. لم تغادر ذكراه مخيلته وظل يستحضر بين الفينة والأخرى مواقفه. وتضيف أمينة، وهي تستعرض اللحظات الأخيرة من حياة زوجها، أنه تعرض لهبوط حاد في السكري ما جعله يدخل في غيبوبة.
وحكت أرملة الراحل الطيب الصديقي لجريدة «الأخبار»، عن آخر ليلة قضاها الراحل قبل دخوله في غيبوبة تامة، إذ استقبل في بيته فرقة موسيقى شابة تؤدي أغاني «ناس الغيوان»، كما اتصل بأبنائه ليطمئن على أحوالهم، وطلب السماح من زوجته، إلى أن داهمه المرض ساعات بعد ذلك.
وأضافت شريكة حياة الصديقي، أنه قال لها: «لقد عشت شبابي بفرحه وحزنه فدعوني أعيش شيخوختي ومرضي في انتظار الموت»، مشيرة إلى أن الصديقي لم يعد يرغب في الحياة، نظرا لحر المرض وقسوته، إذ كان يمتنع عن تناول الأدوية التي تمده بها، كما كان يرفض اتباع نظام حمية بالرغم من إصابته بمرض السكري، وهو الأمر الذي تسبب له في هبوط حاد للسكري.
من جهتها، أبرزت الفنانة ثريا جبران، التي عاشت مع عائلة الراحل الدقائق الأخيرة قبل رحيله، أن الطيب، ورغم المرض، ظل متمسكا بابتسامته وبحسه المرح. ولم تخف جبران أن الزيارات كانت ممنوعة على محبي الفنان المسرحي، حيث كانت مقتصرة على أفراد عائلته فقط. «كنا حريصين على أن تكون الزيارة لأشخاص معينين فقط، وذلك خوفا من تسريب صور له على مواقع التواصل الاجتماعي. أردنا أن تبقى صورته كبيرة عند الناس، وما يشوفوهش وهو عيان».
رغم هذا التحذير، ظل بيت الصديقي مفتوحا في وجه الجميع، يزوره الأصدقاء والصحافيون والفنانون، وظل الرجل يعيش من عائدات لوحاته التشكيلية.. ويواصل علاجه الإلزامي بفضل الرعاية السامية للملك محمد السادس.
وحسب المصادر ذاتها، فإن الصديقي مات وفي قلبه غصة، جراء التجاهل الذي عاشه في آخر أيامه، بحيث لم يكن يسأل عنه أحد، خاصة من أصحاب القرار الذين لطالما ترددوا على بيته وشاركوه أماسيه ورددوا «قفشاته».
ارتدت أمينة بياض الحداد وتقاسمت مع أبنائها فاجعة الرحيل، لكنها ظلت فخورة بـ«خلفة» تتكون من باقة أبناء وبنات، «الزبير» و«راضية» و«بكر» و«رجاء»، الذين شق كل واحد منهم طريقه في الحياة، كل حسب اهتماماته، لكن أمينة اكتشفت أن مقولة «من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم»، تنطبق على حالتها، إذ تحولت من زوجة مسرحي إلى متيمة بالتمثيل وبدراسة الفن المسرحي.
لم تكن أمينة مجرد زوجة فنان، بل شاركت الصديقي في عرضه المسرحي «عبد الرحمان المجذوب»، مباشرة بعد انقضاء شهر العسل في سنة 1979، وشاركت معه في فيلم «الزفت» ومسرحية «أبو حيان التوحيدي»، لكنها تألقت بشكل ملفت في مسرحية «الكراسي»، ورافقت الراحل في حله وترحاله لتصبح، بقوة الشيء، مديرة أعماله وكاتبة نصوصه وطبيبته ومستشارته ورفيقة دربه. وبالقدر الذي عشق فيه الرجل المسرح، وزع العشق بين أمينة و«أب الفنون»، في مسرحية واقعية أكثر إثارة من رائعة «قيس وليلى»، مع فارق في السن والنضج.
للإشارة، فقد ولد الطيب الصديقي سنة 1937 بمدينة الصويرة، التي تابع دراسته الابتدائية بها، قبل أن يقرر الرحيل إلى الدار البيضاء لمتابعة دراسته الثانوية. قضي حياته بين الدار البيضاء والرباط، رافضا الالتحاق بالوظيفة العمومية حين تلقى قرارا بتعيينه ساعيا للبريد، لأنه كان يمني النفس بحمل رسالة أخرى.