بقلم: خالص جلبي
صديقي المغربي عبد الرحيم ضاق ذرعا بزوجته، فهرب من البيت، كما فعل تولستوي ثلاث مرات، حتى مات في محطة قطار بعيدة في الهربة الثالثة. صديقنا المغربي يهرب من بيت إلى بيت، ولا نعرف تماما أين العلة، هل منه أو منها.. أو عدم وجود كيمياء الحب بين الطرفين.. هو يريدها للفراش، وهي تهرب وتأبى. وهكذا فالكثير من الأسر تعيش حالة الطلاق الصامت، وهو مرض خطير وعش زوجي مهدد بالتشظي في أي لحظة، والعديد لم ينتبه إلى المقصد الأسمى في حكم تعدد الزوجات في الإسلام، وأنه المخرج من ورطات كثيرات، ليس أقلها موضوع الخروج من وضع لا يطاق، فالإسلام أباح التعدد وفي الواقع (التحدد)، فهناك من كان متزوجا بعشر، فطالبته الشريعة بالتخلي عن ست والاحتفاظ بأربع، وهو أمر لا ينتبه إليه الناس. وفي المغرب أعرف أن الحمامي الذي هرب من دكالة إلى حلقات التنصير، ففتحوا له قناة وأمدوه برجال وخبرات وأموال ليوزع على الناس آراء تقول إن الإسلام غلط والقرآن كذب ومحمد (صلى الله عليه وسلم) دجال، وهي تهم ليست جديدة ومراجعة بسيطة في القرآن تقرأ التهم جزافا: ساحر وشاعر وكاهن ومجنون ومفتر. ومع كتابة هذه الأسطر جاءني من أخ مغربي فاضل، أن ثمة حكما صدر عن المحكمة على عبده ماهر بالسجن لخمس سنوات، بتهمة ازدراء الأديان. والرجل وضع كتابا فيه استفزاز واسع بعنوان ظالم «إضلال الأمة بفقه الأئمة»، وكأنه يعبر عن نفسه بهذا العنوان اللاأخلاقي العدواني. ومن المغرب أيضا أرسل إلي الأخ عبد الحميد أبو زرة أن الرجل، أي ماهر، قد وضع أحاديث غير مقبولة، ليصل إلى خاتمة تناقض ما يقول به، فهناك أحاديث مرفوضة وشاذة يجب أن يغربل التراث منها، وهي ليست كثيرة أمام نبع زاخر من الحكمة يريد الرجل أن يحرمنا منها. والمهم أرسلت إلى الأخ المغربي وجهة نظري في هذا (الشحرور الصغير) الذي ينحو على نهج أستاذه الشامي، في موضوع نفي الترادف في القرآن، وأن الخمر ليس حراما ما لم يدر الرأس وأن البنين تعني البنايات، وأن النساء لا تعني النساء إلى آخر السيمفونية؛ وهكذا فمسيلمة يفرخ أنسالا جديدة وفروعا في مصر والمغرب. وأرسلت إلي سيدة من ألمانيا (قتل والدها في زنازين البعث السوري) تسأل عن آية سورة «النساء» واليتامى، قلت لها: ارجعي إلى الآية 3 من سورة «النساء» جيدا. الآية لا تقول: إن خفتم أن تظلموا الفتيات ممن مات أهلوهم في ظروف الحرب، أو لم يكن لهم آباء حينها تزوجوا من فتيات الأرامل واليتامى، ولا مانع أن تضموا إلى بيت الزوجية أكثر من زوجة، حرصا على السلامة الأخلاقية والرعاية الأسرية. والمفسرون قالوا إن التعدد حكم مربوط ومشروط بالعدل، وهكذا يكون سياق الآية إن خفتم ضياع العدل، فلا حرج ويمكن لكم أن تتزوجوا أكثر من واحدة، ولكن بشرط العدل وهو أمر متعسر جدا حتى لو حاول صاحبه.
كان رسول الرحمة (ص) يعترف بهذا فيقول: هذا ما أملك، أما قلبي فلا أملكه. تابعت حديثي مع السيدة ارجعي إلى كتاب بنت الشاطئ عن زوجات النبي. والشيء نفسه تحدث به بتوسع رشيد رضا، في تفسيره «المنار». وهكذا فالآية 3 من سورة «النساء» لم تقل إذا ظننتم أنه لن يتحقق العدل في اليتامى، فتزوجوا اليتامى حتى تسع بنات.
تابعت حواري مع السيدة المذكورة وهي في ألمانيا تعمل في مختبر للأحياء: وكما ترين فالمسـألة تدور حول مشكلة اجتماعية لا مهرب منها في ظروف معينة؛ فهل يفعل كما يفعل الألمان بزواج الخفية لظروف معينة من عدم الإنجاب أو الضعف أو المرض أو الحرب أو الحب، ويحدث أحيانا وأعرف الكثيرين منهم ممن عشقوا غير زوجاتهم من سكرتيرة طبيب أو مساعدة جنرال، وهو ما روي عن أيزنهاور الذي عشق واحدة تعمل بجنبه أثناء اجتياح أوروبا بعملية السيد الأعلى (Over lord)، ولكنه كان حصورا عنينا ليس عنده قدرة الانتصاب، ولم تكن حبوب الفياغرا معروفة. والسبب بيولوجي بحت، فالمرأة عندها غريزة الأمومة أقوى من الجنس، كما قرر مكدوجل في أبحاث عالم النفس. ولو تزوج رجل واحد بمائة امرأة شابة أنجب العشرات، ولو عاشرت امرأة ألف رجل لم تنجب إلا واحدا، أو توأما في أحسن الأحوال. فماذا نفعل؟ وحسب كتاب بيتر فارب عن الجنس البشري، أنه جرب كل أنواع العلاقات الجنسية ورسى الموضوع على واحدة لواحد، إلا في الاستثناءات وهو ما ذكره القرآن. أنه قانون تحديد الزوجات، وليس تعدد الزوجات كما جاء في السيرة. الموضوع حساس جدا وصدقيني كما يقول الإمام ابن حزم في كتابه «طوق الحمامة» ما اجتمع رجل بامرأة، إلا وتحركت الغريزة وهو يروي عن نفسه. وأنه يعشق النساء الشقراوات البيض، لذا نرى أن كل امرأة تراقب زوجها بصرامة، فإذا أنجبت اطمأنت إلى درع الحماية من الأولاد، فأهملت نفسها وبدأ زوجها في النظر إلى الكثيرات من الشابات، بسبب بيولوجي بحت للإنجاب، وهي أي المرأة أخذت حصتها من الحبل من الرجل. هذا الموضوع صادم ومزعج وحساس، وتظن المرأة أنها محصنة، لأن زوجها تقي نقي ولا يعرف خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لذا كان على المرأة مراعاة هذا الجانب بالزينة واللباس والرائحة الطيبة وإشباع زوجها جنسيا، فهذا هو الواقع. وأن لا تبتعد عنه كثيرا، وهو ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحملات العسكرية، أن لا يغيبوا أكثر من ثلاثة أشهر عن زوجاتهم.
نافذة:
العديد لم ينتبه إلى المقصد الأسمى في حكم تعدد الزوجات في الإسلام وأنه المخرج من ورطات كثيرات ليس أقلها موضوع الخروج من وضع لا يطاق