«الطعنات» الأمريكية للأوروبيين
بهاء العوام
في «المواجهة» مع الصين لا تبدو الولايات المتحدة منفتحة على الحياد، حتى تجاه حلفائها الأوروبيين. فالاتفاق الأمني، الذي وقعته مع أستراليا وبريطانيا، يدلل بوضوح على ذلك، وجاءت فرنسا هنا كأنها عبرة لغيرها في هذا القرار الأمريكي.
لا أهمية لمبررات أستراليا في إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا، التي تمتلك قدرات نووية كان يمكن أن تزود بها الغواصات الأسترالية لو أرادت، أو أرادت الولايات المتحدة.. فهل رفض إيمانويل ماكرون الانضمام إلى التحالف الدولي، الذي تعده أمريكا ضد النفوذ الصيني في مياه المحيطين الهندي والهادي، أم أن جو بايدن لم يعرض الأمر عليه أصلا؟
مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، يقول إن الاتحاد لم يكن يعرف بالاتفاقية الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وهذا قد يكون صحيحا تماما بالنسبة إلى التكتل كمؤسسة، ولكن هل يعقل أن يغيب الأمر، أو يُغَيب، إلى هذا الحد عن أجهزة الاستخبارات الفرنسية والألمانية؟
السياق العام يقول إن فرنسا خسرت صفقة القرن مع أستراليا، لأن الاتحاد الأوروبي لا يريد خوض حرب باردة مع الصين إلى جانب الولايات المتحدة. فالتكتل يفضل الوساطة والتسوية والتوفيق بين الطرفين، حرصا على مصالحه معهما.
إن كان هذا هو موقف الاتحاد فعلا، فإنه يبدو حكيما استنادا إلى تجربة الحرب «الفاشلة» على أفغانستان على الأقل، فالوقوف إلى جانب أمريكا في تلك الحرب لمدة عشرين عاما لم يعد بشيء على الأوروبيين.. على العكس تماما، وضعهم أمام احتمالات موجات هجرة جديدة، واقتطع المزيد من ميزانياتهم لصالح الدعم الإنساني للأفغان.
حتى لو كان هذا صحيحا، لم تدفع فرنسا ثمن الحياد الأوروبي في المواجهة مع الصين فقط، وإنما دفعت أيضا ثمن مبادرات للرئيس الفرنسي «ماكرون»، لا تنسجم كثيرا مع خطط أمريكا بالساحة العالمية.
باريس أبرز من يدفع نحو تشكيل «الجيش الأوروبي»، الذي قد يكون بديلا عن حلف الناتو، وهي أيضا من تفضل الحوار على الخصومة مع الروس، ناهيك عن أن «ماكرون» هو من زار بكين في 2019 وعاد منها بصفقات بقيمة 15 مليار دولار، وهو أيضا من تصدر مواجهة سياسة «أمريكا أولا»، التي ظن الأوروبيون أنها تخص الرئيس السابق دونالد ترامب.
رغم هذا كان يمكن لعلاقات واشنطن وباريس أن تبقى وثيقة، كما كانت منذ ثورة الاستقلال الأمريكية عام 1776، أو على الأقل كان يمكن أن تحافظ على «شعرة معاوية»، لولا «الطعنة» التي تلقتها باريس.
الإشكال الأكثر إحراجا برأي صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، هو تداعيات صفقة الغواصات النووية على علاقة الدول الثلاث مع فرنسا، فإثارة حنق باريس ستكون له تداعيات سلبية على كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، خاصة في ما يتعلق بمواجهة الخطر الروسي، الذي يقلق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على المدى القصير أكثر من الخطر الصيني.
ثمة خشية أيضا من أن تقود «الطعنة» الأمريكية إلى إحياء معاهدة الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، التي جُمدت بسبب انزعاج إدارة «بايدن» منها. ولا تستبعد الصحيفة البريطانية ذلك، رغم أن الأمر يحتاج إلى موافقة كل دول أعضاء الاتحاد.
حتى حال فشل الأوروبيين في الاتفاق على إجراء داعم للفرنسيين في هذه الأزمة، يمكن لباريس أن تشق عباب التحالف الأمريكي ضد الصين، بمجرد تحالفها مع بكين.