شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الطريق إلى موسكو

 

بيار عقيقي

 

قليلا ويخرج الاجتياح الروسي أوكرانيا عن جغرافيته الحالية، مطاولا دولا أخرى، خصوصا البلطيق (ليتوانيا، إستونيا، لاتفيا)، والشمال الأوروبي (تحديدا فنلندا والسويد). أطلقت روسيا الرصاصة الأولى في 24 فبراير الماضي، مع بدئها غزو جارتها الغربية، لكنها لن تتمكن من ضرب الرصاصة الأخيرة في المستقبل. بات مصيرها مرتبطا بمن يقبض على الزناد لإطلاق «رصاصة الرحمة»، ولن تكون هي بطبيعة الحال. كل المؤشرات تدل على أن العودة إلى وضعية ما قبل 24 فبراير المنصرم لم تعد أمرا واقعيا، سواء في العلاقات بين روسيا والغرب، أو بين روسيا وأوكرانيا. في السابق، كان في وسع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاعتماد على غض نظر المعسكر الغربي لفرض نفوذه في الشيشان وجورجيا، غير أنه الآن بات غير قادر على التحكم في مستقبله ومستقبل بلاده.

يمكن قول الكثير عن التجارب العسكرية الروسية الأخيرة والتهديدات واسعة النطاق «لكل من يجرؤ» على تحدي موسكو، لكن الواقع يبقى مغايرا لحقائق عديدة. الأولى، أن اعتقاد روسيا أن الأوروبيين سيستمرون بالاعتماد على الطاقة الروسية ظن خاطئ، ففي نهاية العام الحالي ستختلف الأمور جذريا عن الفترة الجارية. الأوروبيون على درب التخلي الجزئي أو الكامل عن الغاز والنفط الروسيين. وهو ما يعني شبه انعدام لسوق الطاقة الروسية في القارة العجوز، والبحث عن البدائل في باكستان أو الهند ليس بهذه السهولة، فضلا عن أن التركيز على تموين الصين بالطاقة، يعني وضع موسكو تحت رحمة بكين.

الحقيقة الثانية أن الطرف الذي لا يتمكن من حسم حرب بمثابة «نزهة» مع دولة وُصفت بـ«الضعيفة»، لن يتمكن من حسم أي حرب مع دول أخرى. لا يُمكنك الانتقال من قتال إلى آخر، أو توسيع رقعة المعارك العسكرية، من دون تحقيق حسم محدد يتيح لك التوسع.

تبدو المكتسبات الروسية أضعف بكثير مما كان يرغب به بوتين، بل أضحى الأوكرانيون، ومن خلفهم الدعم الغربي، أكثر شراسة في القتال. كان الأوكرانيون يخشون الروس بشدة، إلا أن صمودهم أمام الزحف الروسي أدى إلى اكتسابهم الثقة، ومنحهم شعورا بأن النصر سيكون حليفهم، ولو على أنقاض بلاد مدمرة. والروس أكثر من يعرفون ذلك، في ستالينغراد (فولغوغراد حاليا) ولينينغراد (سان بطرسبرغ حاليا).

الحقيقة الثالثة، أن حلف شمال الأطلسي آخذ في التوسع في بقع كانت محرمة عليه. السويد وفنلندا لن تتأخرا في الانضمام إليه، ما سيفرض تغييرا جوهريا في الموازين، ويوسع احتمالات الاحتكاك المباشر بين «الأطلسي» وروسيا من القطب الشمالي إلى البحر المتوسط، بعدما كان من البلطيق إلى المتوسط.

الحقيقة الرابعة، أن على الروس، تحديدا بوتين، إدراك أن هناك أمرا سيحصل وسيصل فيه الغرب إلى قلب موسكو. ليس بالضرورة أن يكون الأمر عسكريا. الحقيقة الخامسة، تتجلى في أن التعاطي مع الروس مختلف عن التعاطي مع دول تعد أصغر حجما وتأثيرا. الغرب يعلم أنه لا يمكن رمي روسيا خارج الكوكب، لكنه يدرك أيضا أن روسيا تجاوزت بالنسبة إليه خطوطا حمراء، لا يمكنه التسامح بشأنها. وهنا يجب التوضيح أن السلوك الغربي لا يعني أنه محق، لكنه يعني أن انتصاره في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وتثبيته الانتصار وفق أسس سياسية، واقتصادية لاحقا، أكبر من أن تهزمه روسيا بقواعد اللعبة حاليا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى