يضرب إداريو الفرق المغربية، المشاركة في المنافسات القارية والعربية، كفا بكف كلما حكمت عليهم القرعة بالسفر إلى الجزائر لمواجهة فريق من فرق الجيران.
يضربون ألف حساب لسفر أشبه بقطعة من عذاب، بعد إغلاق الحدود البرية والجوية، ومنح إجازة مفتوحة لبغلي النقطة الحدودية.
كلما اقترب موعد سفر بعثة رياضية مغربية إلى الجزائر، تعلن أنديتنا حالة استنفار، يتيه الإداريون بين قنصلية مغلقة ووكالة أسفار معلقة وكونفدرالية إفريقية تتحاشى الرد على الاستفسارات المشبعة بالسياسة.
حكمت القرعة على الوداد الرياضي بمواجهة شبيبة القبائل الجزائري، لكن المباراة لن تجرى في مدينة تيزي وزو، فقد نقلت، نقبت بقرار، إلى الجزائر العاصمة لعدم صلاحية ميدان التباري، والعهدة على الراوي.
ستركب بعثة الوداد الأهوال، في رحلة إلى تونس، التي تحولت إلى باحة استراحة للجزائر، ومن تونس تبدأ رحلة ثانية إلى الجزائر. هذا حكم السياسة على الكرة وعلى الفرق والمنتخبات المغربية أن تكتوي بسادية نظام يستمتع بمحنة جاره.
تطوق الحيرة جمهور الوداد، لكنه يصر على ركوب الأهوال، من مطار لمطار ومن قطار لقطار، فمدرجات الملاعب تحرسها قوات «الكاف» والجلوس فيها تكفله مواثيق «الفيفا».
نصيحة من صحافي زار الجزائر في السراء والضراء، تجنب أيها المشجع الأعزل الخروج الجماعي والأكل الجماعي والغناء الجماعي، تجول لوحدك حتى لا تحمل رفاقك قسوة ما تسمع من شتائم إذا كنت ملفوفا في شعار بلادك، تجنب السير قرب نقاط التفتيش، ولا تذهب إلى معاقل الفرق واكتف بصلاة الجمعة في المساجد، فهي الطقس الوحيد الذي يجعلك تتزاحم لتتراحم.
لم يحسم الصحافيون أمر السفر إلى الجزائر لمواكبة رحلة الوداد وتغطية أطوار مباراة كتب لها أن تجرى في زمن «لا تصالح»، بسبب حرب البسوس الكاتمة للصوت.
في آخر رحلة لبعثة إعلامية إلى الجزائر احتجز الصحافيون المغاربة في المطار، ومنعوا من متابعة ألعاب اختار لها المنظمون شعار الأخوة والسلام. ثم عادوا أدراجهم نادمين على ختم جوازات سفرهم بحبر الضغينة.
يقول لحسن بروكسي في كتابه «أنا والبصري والحسن الثاني»، إن وزير الداخلية إدريس البصري قد أرسله إلى الجزائر في نهاية غشت 1975، في مهمة خاصة رفقة البعثة الرياضية المغربية المشاركة في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، في مناخ سياسي تجثم عليه غيوم القلق بين البلدين، كان هواري بومدين رئيسا للدولة ولم يكن يفرق بين تظاهرة رياضية ومؤتمر سياسي، فقد تسلم الرئاسة بعد انقلابه على سابقه أحمد بن بلة، حين كان هذا الأخير يتابع مباراة في كرة القدم.
لهذا اختلطت الرياضة بالسياسة في عهد بومدين وبن جديد وبوتفليقة، وحين تولى هذا الأخير الرئاسة، وضع العديد من نجوم الرياضة في مناصب حكومية، وعندما وقفوا أمامه لأداء اليمين الدستورية أقسموا على جعل الهجوم خير وسيلة للدفاع.
سيذكر التاريخ أن بوتفليقة كان يحلم بحمل قميص مولودية وجدة، فانتهى به الأمر عاشقا لمولودية الجزائر، وسنعرف بعد رحيل العمر وبعد ظهور عبد المجيد تبون، بأن القول المأثور «ما تبدل صكعك غير بما صكع منو» ما زال ساري المفعول في علاقتنا بالجيران.
في ظل التوتر السياسي الذي امتد إلى ملاعب الكرة، باتت الحاجة اليوم إلى قرار من «الكاف» يفصل الكرة عن السياسة، ويضع بينهما أسلاكا شائكة. وينظم مباريات الجارين في ملعب محايد، أو يعهد لجامعة الدول العربية بالبحث عن حل معضلة تجعل من مباريات الكرة فرصة لتحريك بركة الأوجاع.
أيها الجالسون على كراسي الهيئات الرياضية المغاربية والعربية، الناسخون لتوصيات قابلة للتبخر، ألستم من ناديتم بمنتخب عربي وسوق عربية وبرلمان عربي وأعياد دينية موحدة.
ألستم من تعلمنا على أيدِيكم أن «اعتصموا بحبلِ اللهِ».
حسن البصري