شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةسياسية

الطاقة والأسلحة والسيادة.. ما الذي يحدث بين فرنسا وألمانيا؟

أزمة ثقة بسبب تأخير الإمداد بالغاز واتهامات بتهديد الوحدة الأوروبية

رغم أنهما عضوان في اتحاد قوي وبينهما اتفاقيات مشتركة وأهداف مشتركة أيضا، إلا أن العلاقات بينهما باتت متأزمة للغاية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية التي خلفت مجموعة من الانعكاسات السلبية على العالم بأسره، بحيث تواجه فرنسا وألمانيا مشاكل وأزمة ثقة بسبب تأجيل تنفيذ الوعود ومخالفة مواعيد إرسال الغاز إلى الجارة الألمانية، بحسب هذه الأخيرة، واتخاذ قرارات تتنافى والمصلحة العامة الأوروبية، حسب وجهة النظر الفرنسية.. وفوق هذا كله، تواجه أوروبا موجة غضب شعبية في ظل ارتفاع الأسعار وأزمة الطاقة التي أخرجت الآلاف إلى الشوارع في احتجاجات قوبلت بقمع أمني.

مقالات ذات صلة

سهيلة التاور

 

 

على هامش قمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لم يتوانَ ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، في توجيه الانتقادات إلى الجارة الشرقية، ألمانيا، التي اتهمها بعزل نفسها عن محيطها القاري، قائلاً: «أعتقد أنه ليس من الجيد لألمانيا، أو أوروبا، أن تعزل ألمانيا نفسها»، مضيفاً أنه «بالتأكيد، يجب أن نحافظ على وحدتنا»، في اتهام ضمني لبرلين بزعزعة هذه الوحدة.

إلى ذلك فقد كان رفض ألمانيا لقرار تسقيف أسعار النفط، الذي يحظى بإجماع أوروبي، وإعلانها بشكل منفرد حزمة دعم لأسعار الطاقة، بـ200 مليار أورو، هو ما جر عليها سخط فرنسا التي «اعتبرت أن برلين كان ينبغي أن تستشير حلفاءها بشأن مثل هذه الإنفاقات الضخمة التي يمكن أن تشوه الاقتصاد الداخلي».

من جانبها، برلين ليست راضية تماماً عن النهج الحمائي الذي تنهجه حكومة جارتها الغربية، إذ عرقلت باريس، لوقت طويل، التقدم في إنجاز خط أنابيب الغاز «ميدكات»، الذي يربط شبه الجزيرة الإيبيرية بشمال أوروبا. وتعول ألمانيا على هذا الخط ليكون البديل لخط الإمداد الروسي «نوردستريم 2»، بعد ما أصبحت واردات الغاز الروسي غير مأمونة، وذلك عبر تمكينها من الاستفادة من الغاز والهيدروجين الأخضر القادم من شمال إفريقيا.

بالمقابل، تبرر باريس موقفها بأن إنشاء هذا الخط غير ضروري للمرحلة الحالية، وأنه يتعارض والسياسات الخضراء للاتحاد الأوروبي التي تعتزم من خلالها الحد من انبعاث الكاربون بحلول 2050. ويرى محللون بأن فرنسا تخشى من منافسة الهيدروجين الأخضر لطاقتها النووية المدنية، بعد أن خاضت نضالاً سياسياً طويلاً داخل الاتحاد لإدراجها كطاقة خضراء.

قضية أخرى تخلق الشقاق بين البلدين المتجاورين، هي «منظومة الدفاع الجوي المستقبلية»، وهو اتفاق ثلاثي فرنسي ألماني إسباني، يعود إلى عام 2017، بموجبه تجدد سرب الطائرات الحربية للبلدان الثلاثة بمقاتلات من الجيل الجديد، من إنتاج شركتَي «إيرباص» و «داسو» الفرنسيتين.

وكان من المفترض أن يدخل البرنامج مرحلة الإنتاج في أواخر 2021، غير أن الشركتين الفرنسيتين لم تتفقا بعد على تقسيم العمل لعنصر الطائرات المقاتلة الجديدة. وتتنازع الشركتان على دور قيادة البرنامج، فيما يشكل هذا التأخير عامل قلق لمسؤولي الدفاع بكل من برلين ومدريد، الذين يتهمون باريس بالتماطل في حل هذه العراقيل.

 

فرنسا لديها فائض

تتمتع فرنسا بوضع جيد يمكنها من مساعدة ألمانيا وإمدادها بالغاز الطبيعي، خلال الشتاء المقبل، نظرًا لقدرتها الكبيرة على استيراد الغاز المسال من مصادر مختلفة، بقدرة 26 مليون طن متري سنويًا (36 مليار متر مكعب سنويًا)، إضافة إلى قدرات تخزينية عالية.

واستطاعت فرنسا ملء مواقع التخزين الخاصة بها بسرعة أكبر من أي دولة أوروبية، إذ قالت وزيرة الطاقة الفرنسية، أغنيس بانيير روناتشر، إن مخزون الغاز حتى 5 أكتوبر الجاري قد امتلأ عن آخره، ليصل إلى أقصى طاقته.

ويساعد التدفق العكسي للغاز مع ألمانيا، فرنسا أيضا، إذ سيمكنها من التخلص من فائض الغاز لديها بعد الآن، بعد أن امتلأت مواقع التخزين في جميع أنحاء البلاد.

 

لأول مرة

بدأت فرنسا خلال الأسبوع الماضي، للمرة الأولى، إرسال الغاز بشكل مباشر إلى ألمانيا في إطار التضامن الأوروبي في مجال الطاقة لمواجهة توقف شحنات الغاز الروسي، فيما أبدت إسبانيا استعدادها لزيادة صادرات الغاز إلى فرنسا، وسط جهود أوروبية لبلوغ أقصى مستوى من المخزونات تحسبا لفصل الشتاء المقبل.

وقالت شركة «جي آر تي غاز» (GRTgaz) الفرنسية -المشغلة لشبكة خطوط أنابيب للغاز- إن ألمانيا تلقت اليوم أول شحنات مباشرة من الغاز من فرنسا عبر وصلة خط أنابيب، بموجب اتفاق يهدف إلى مساعدة البلدين في التعامل مع مشاكل إمدادات الطاقة الحالية.

وبدأت عمليات التسليم الأولى من الغاز إلى ألمانيا صباح الخميس الماضي مرورا بمدينتَي أوبرغايلباش (بمنطقة موزيل) من الجانب الفرنسي وميديلسهايم من الجانب الألماني، عند نقطة التقاء خطوط شبكة الغاز، وفق الشركة.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا أقل اعتمادا على الواردات الروسية من ألمانيا لأنها تحصل على معظم احتياجاتها من النرويج ومن خلال شحنات الغاز الطبيعي المسال.

وذكرت الشركة أنها ستسلم في البداية ما يعادل 31 جيغا واتا في الساعة يوميا باستخدام خط أنابيب في منطقة موزيل، وقالت في بيان إن السعة القصوى لوصلة الغاز الجديدة هي 100 جيغا وات في الساعة يوميا.

وعلى الرغم من أن التدفقات الجديدة بأقصى طاقتها تمثل أقل من 2% من الاحتياجات اليومية لألمانيا، لكن الإمدادات المباشرة من فرنسا تبقى مُنتظرة -بفارغ الصبر- مع سعي برلين لإيجاد إمدادات بديلة والحفاظ على صناعاتها.

 

ألمانيا تساعد أيضا

بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه أكبر دولتين في منطقة الأورو في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، تعهدت ألمانيا بتزويد فرنسا -التي تعاني حاليا من انقطاعات في المفاعلات النووية- بالكهرباء الإضافية إذا لزم الأمر.

وقال تيري تروف رئيس شركة «جي آر تي غاز» في تصريح للصحافيين إنه لا يستطيع تحديد متى يمكن الوصول إلى الحد الأقصى البالغ 100 جيغا وات في الساعة يوميا.

 

اشتعال أسعار الغاز

تضاعف متوسط أسعار الغاز، وفق مركز «تي تي إف» الهولندي (المؤشر الرئيس لأسعار الغاز في أوروبا)، مسجلًا مستويات قياسية تجاوزت 365% خلال النصف الأول من العام الجاري، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وبلغ سعر كل وحدة ميغا وات في الساعة قرابة 313 دولارًا في 26 غشت (2022)، فيما انخفض السعر عند آخر تقييم إلى 157.4 أورو (152.85 دولارًا) لكل ميغا وات في الساعة في 10 أكتوبر (2022).

وبلغ سعر عقد التسليم الفرنسي لشهر نونبر (2022) قرابة 118 أورو (114.6 دولارًا) لكل ميغا وات في الساعة في 10 أكتوبر الجاري، وسط تكهنات بتنفيذ التدفق العكسي قبل التسليم بنحو شهر.

كما بلغ تقييم سعر تسليم تدفقات الغاز الطبيعي العكسية في سوق ألمانيا قرابة 158.8 أورو (154.21 دولارًا) لكل ميغا وات في الساعة، وفقًا لرصد منصة «إس آند بي غلوبال».

وقالت «جي آر تي غاز» الفرنسية إن أسعار الغاز الفورية في فرنسا وألمانيا كانت تعكس التوترات في الأسواق العالمية والأوروبية بسبب الانخفاض التدريجي لإمدادات الغاز الروسي.

وأجرت الشركة الفرنسية مع شركة «أوبن غريد أوروب» الألمانية اختبارًا على التنفيذ العكسي للتدفقات في 7 شتنبر (2022)، وتعمل الشركتان -حاليًا- على اختبار السعة اليومية للخطوط.

 

 

+++

مؤطر

+++

 سخط شعبي أوروبي

تشهد العديد من الدول الأوروبية مظاهرات حاشدة احتجاجًا على ارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات التضخم، ناهيك عن أزمة الوقود.

فقد تظاهر العشرات في مدينة شتوتغارت الألمانية احتجاجًا على غلاء أسعار الغذاء والطاقة. وطالب المتظاهرون بمساعدة الفئات الفقيرة، وبتكافؤ الفرص للجميع، وتأمين إسكان ميسر التكلفة، ودعم الحكومة لذوي الأجور المنخفضة، وزيادة المساعدات الاجتماعية.

وفي إيطاليا، تجمع العشرات في مدينة روما، مطالبين بخفض الفواتير وزيادة الأجور، إضافة إلى مساعدات اجتماعية أكبر لحماية الأسر من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة.

وأبدى المتظاهرون خشيتهم من ارتفاع أسعار فواتيرهم إلى حد لا يستطيعون دفعها، ومن تفاقم أزمة الطاقة وتداعياتها عليهم.

أما في فرنسا، فنظمت أحزاب يسارية تظاهرات حاشدة في باريس، احتجاجًا على الأوضاع المعيشية، وتزامنًا مع أزمة نقص الوقود بسبب إضراب عمال مصافي النفط.

وطالب المحتجون برفع مستوى الرواتب، ومكافحة ارتفاع الأسعار، وتحديد سن التقاعد عند الستين عامًا، وفرض ضرائب أكثر على الأغنياء والشركات عالية الأرباح، واتخاذ إجراءات جدية لمواجهة التغير المناخي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى