نور الدين مصلوحي : عدل متمرن وخريج ماستر القانون والممارسة القضائية بالرباط
يعد القضاء الوسيلة الحضارية للدولة لضمان تمكن جميع الأشخاص من العيش بأمان في ظل سيادة القانون، فالقاضي يعد الساهر على حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، ووسيلته لتحقيق ما ذكر هو التطبيق العادل للقانون.
وإذا كان القضاء جهازا لا يستغنى عنه في المجتمعات الحديثة، فإنه يجب ضمان استمراريته في أدائه لخدماته.
هذا، وإن ضمان استمرارية القضاء يحتاج إلى دعامات قانونية تكرس هذه الاستمرارية وكيفية تنزيلها على أرض الواقع، وإقرار عقوبات على الإخلال بها، وكل ذلك خدمة للمواطن وللتنمية ولدولة الحق والقانون.
لذا فإن معالجتنا للموضوع تقتضي تقسيمه إلى مطلبين، نخصص الأول للتطرق إلى الأساس الدستوري لمبدأ استمرارية مرفق العدالة، فيما سيتم التحدث في المطلب الثاني عن استمرارية هذا المرفق في ضوء قوانين السلطة القضائية.
المطلب الأول: الأساس الدستوري لمبدأ استمرارية مرفق العدالة:
بالرجوع إلى الفصل 154 من دستور 2011، نجده ينص على أن تنظيم المرافق العمومية يتم على مجموعة من الأسس منها الاستمرارية في أداء الخدمات.
ورب سائل يسأل؛ هل يجوز للقضاة ممارسة حق الإضراب؟ لقد جاء في قرار للمجلس الدستوري بمناسبة نظره في مدى دستورية بنود النظام الأساسي للقضاة ما يلي: «حيث إنه لئن كان يجوز للقضاة التعبير عن مصالحهم المشروعة من خلال الجمعيات المهنية، التي أباح لهم الدستور إنشاءها بموجب الفقرة الثانية من فصله 111، فإن القضاة باعتبارهم من جهة أولى يجسدون إحدى السلطات الدستورية الثلاث، وبالنظر من جهة ثانية إلى كون الدستور في الفقرة الثانية من الفصل نفسه 111، يمنع عليهم الانخراط في المنظمات النقابية، الأمر الذي ينطوي ضمنيا على منعهم من ممارسة حق الإضراب، واستحضارا من جهة ثالثة لمبدأ استمرار أداء مرفق القضاء لخدماته للمتقاضين، فإن اعتبار «الامتناع عن العمل المدبر بصفة جماعية»، ووقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم، من الأسباب الموجبة لتوقيف القاضي المعني حالا عن ممارسة مهامه، ليس فيه ما يخالف الدستور».
المطلب الثاني: استمرارية مرفق العدالة في ضوء قوانين السلطة القضائية:
من أجل تفادي الإخلال باستمرارية أداء المرفق القضائي لخدماته بانتظام؛ نظم المشرع استقالة القضاة ولم يجعل لها أثرا قانونيا إلا بعد قبولها بصفة قانونية من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك طبقا للمادة 106 من النظام الأساسي للقضاة.
والالتزام بعدم عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم لا يشمل فقط قضاة الموضوع وقضاة النقض، بل يشمل حتى القضاة المترشحين لعضوية المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث ألزمتهم بذلك المادة 32 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أثناء تعريفهم لأنفسهم للناخبين خلال المدة المحددة في المادة 23 في بندها الرابع.
هذا ويمكن أن يتعرض القاضي المخل بمبدأ استمرارية المرفق القضائي للمساءلة التأديبية، وقد نصت المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة على أنه: «يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه، إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما. ويعد خطأ جسيما حسب المادة المذكورة؛ الامتناع المدبر عن العمل بصفة جماعية، ووقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم».
وللتأكيد على ما يكتسيه مبدأ استمرارية المرفق القضائي من أهمية؛ فإن المشرع جعل من ضمن ما يجب أن يضمن في مدونة الأخلاقيات القضائية التي يضعها المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم من أجل «تأمين استمرارية مرفق القضاء والعمل على ضمان حسن سيره»، وذلك بموجب المادة 106 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وقد جسدت المادة 46 من القانون 106-13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة مبدأ الاستمرارية بكل جلاء، حينما نصت على أنه «يمنع على القضاة القيام بأي عمل فردي أو جماعي كيفما كانت طبيعته، قد يؤدي إلى وقف أو عرقلة عقد الجلسات أو السير العادي للمحاكم».