الضحية 161 (مصرع القناص الأمريكي) بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين
كريس كايل (Chris Kyle) القناص الأمريكي قتل حسب تصريحاته 160 ضحية من العراقيين افتتحها بغلام، وتمنى قبل أن يُقنص بدوره من زميله (إيدي روث) أن يكون قد رفع الرقم أضعافا مضاعفة.
حاول المخرج الأمريكي (كلينت إيست وود) في الفيلم إخراج أمريكا كأنها روما التي لا ترحم. وأخيرا في فبراير 2013 م أصابته الرصاصة القاتلة، التي قتل بها الناس؛ فأصبح المجرم كايل الضحية رقم 161.
ومن قتله كان رفيقه في السلاح إيدي روث (Eddie Routh) بعد أن دعاه كريس وقد علته السآمة، بعد أن لم يقتل أحد، للتمرن على استخدام السلاح، كي يكونا في جاهزية للإجهاز على الخصم، في كل وقت ومكان. لا أحد يعلم على وجه الدقة ما الذي حدث بين الثنائي الإجرامي، ولكن المحاكمة بدأت ضد القاتل، ليفهم الناس القاعدة التي تقول: بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين.
كلف إخراج الفيلم 400 مليون دولار، ويعتبر الأهم في حياة المخرج والممثل (Clint Eastwood) الذي ناهز من العمر 84 عاما، وأخذ ستة أوسكارات، لا تعطى في العادة إلا للنجوم السوبر، ذلك أن عقدة الفيلم، وما تحمل من الشر، وجبروت أمريكا، وكراهية الشرق وكارثة العراق، وبغض الإسلام، كلها اجتمعت وتحفزت لمثل هذه الشهادة.
بالمناسبة اشتهر (إيست وود) منذ أكثر من نصف قرن بفيلمه المشهور وموسيقاه المعروفة (الصالح والطالح والوغد The good , bad, and ugly) وبقي في التمثيل حتى استقل بالإخراج، وكلها تمضي تقريبا على هذا السياق من قوة أمريكا وسحقها لأعدائها بدون رحمة مذكرا بروما التي لا ترحم.
تم توديع جنازة السفاح (كايل) بحفل وتظاهرة ضمت أكثر من 7000 شخص، في ملعب الرياضة (أرلنجتون) في فبراير 2013، ووصفته (سارة بالين) من الحزب الجمهوري (Sarah Palin) أنه المحارب الأمضى، ومن ينتقده لا تقيموا له وزنا، وبالمقابل اعتبر الناقد مايكل مور (Michael Moore) أن عمل القنص لا يعتبر بطولة، فهم يقتلون من مأمن وليس مواجهة، بل غدرا وجبن، قالها وهو يذكر عمه الذي قُتل من قناص في الحرب العالمية الثانية.
أما الممثل والمخرج سيث روجن (Seth Rogen) فقد ذكره الفيلم بدعايات النازيين.
رد المخرج (إيست وود) على الانتقادات أن عليهم فهم فلسفته، وأنه كان يدافع عن بلده (ما شاء الله لأنه كان يقاتل في تكساس وليس من أجل بترول العراق؟).
ربما لم تندلع مناقشات ساخنة حول الفيلم، منذ أن عرض فيلم التعذيب لجهاز المخابرات (CIA). دار النقاش حاميا كأشد ما يكون، حول تحديد مفاهيم البطولة والوطنية، وما يسمح به وما لا يسمح، وهل من المغامرة أن يقاتل الأمريكي ولو في المريخ دفاعا عن أمريكا؟ الدفاع عن الوطن يجب أن يتم على أرض الوطن وليس مغامرات في أقصى المعمورة، كما تفعل إيران في سوريا في الدفاع عن قبر سكينة ورقية وزينب وأم كلثوم.
كان صوت النقاش حادا وعسكريا وهستيريا حول هذا المجرم الذي أرسل ببندقيته إلى الموت مئات الناس ومنهم أطفال.
ولد (الجبار) كريس كايل عام 1974 م في تكساس وأزهق روح أكثر من اثنين بكثير (في القرآن من قتل أكثر من شخص يسمي جبارا للتعبير الوارد في سورة القصص حين أراد موسى قتل رجل جديد: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسه بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض؟) ومشى مع عائلته للصيد يافعا وحمل البارودة وعمره ثماني سنوات، فهي نشأة إجرامية باحتراف.
بدأ بالقتل منذ نعومة أظفاره مبتدئا بالدببة، إلى المدى الذي زرع فيه الرعب في قلوب هذه الضواري الثقيلة، أن لا تقترب من بيته قط؛ فملك الموت حاضر.
هكذا تروي سيرة كريس. ثم قفزت في ذهنه فكرة جديدة أن يعتلي ظهور الثيران الجامحة بلعبة الروديو المشهورة (Rodeo) فخذلته وتحطم ذراعه فتخلى عن حلم أن يكون ثورا.
اشتهر الرجل منذ نعومة أظفاره أنه كان متورطا في المشاجرات مع أقرانه فليس أحب إليه من رفسة بالساق، أو نطحة بالرأس، أو وكزة في المنخر بدم؟ ومما ذكر في كتابه (المذكرات) الذي نشر وبيع منه مليون نسخة أنه كان يبحث دوما عن مبررات ليضرب الآخرين، ولا يخاف عقباها.
أخيرا وصل إلى هدفه، الذي يحلم به في القتل والقتال؛ فدخل البحرية في قاعدة سيلس (Seals) للقوة الخاصة، وفيها تدريب صارم، انتهى إلى استخدامها في حملة احتلال العراق عام (2003).
هناك تمتع أي متعة بأنه حان وقت اصطياد ليس الدببة والغزلان، بل البشر أعداء أمريكا والحرية (كذا؟).
يقول الرجل: إن متعتي كانت بدون حدود بالقتل، وليس ثمة فواصل كبيرة بين صيد الحيوان والإنسان. وكتابه (القناص الأمريكي) أصبح من أكثر الكتب بيعا؛ فتحول إلى مليونير وبطل قومي، قبل أن يقضي نحبه على يد صديقه (إيدي) بطلقة لم تخب.
ظهر (كايل) في كتابه القناص بسيقان عتل زنيم، يصور نفسية مريض قاتل محترف، ينفث حقده على كل ما هو غير أمريكاني كوبوي، وبعقيدة سمجة سخيفة تقطر كراهية وعنصرية، يصف فعلته التي فعلها أنها دفاع عن الوطن والعائلة (والله طبعا فالله المسكين بحاجة لمن يدافع عنه؟) في فعلة يبررها من أجل قتل المئات ممن يعتبرهم خصوم أمريكا المناهضين لقيم الحرية والديموقراطية التي لا يعرف عنها شيئا.
لنحاول أن نلقي نظرة على الفيلم وكيف حاول المخرج إيست وود تبرير كميات القتل التي قام بها هذا الوغد.
أول لقطة نرى أنفسنا ونحن نرى العالم من خلال فوهة البندقية؟ إنها اللقطة التي يحسنها إيست وود وأتقنها منذ نصف قرن وهو يخلص المشانيق من مجرمي أمريكا (يراجع فيلم الثلاثي).
إيست وود اشتهر بفيلم هاري القذر (Dirty Harry) الذي مثله في سبعينات القرن المنصرم، حيث ارتفعت أسهمه في التمثيل وهو يطارد قناصا في سان فرانسيسكو، قد اعتلى عمارة عالية، ليتمكن منه فيقتله، وهنا تتحقق العدالة الأمريكية تماما، بفارق أن الصورة مقلوبة في العراق فالقناص يقتل وينجو بفعلته، وينشر مذكراته المليونية، ويصبح بطلا قوميا، يدافع عن قيم الحريات، في أقصى المعمورة ويقنص مئات البشر مثل صيد الطيور، بدون أي محكمة وعدالة وقضية، ولكنها أمريكا روما القديمة ضد اسبارتاكوس؟
من أخذ دور البطل (الذي تحول إلى مقنوص برقم الضحية 161 باعترافه أنه قتل فقط 160 عراقيا والله أعلم بعددهم فلا يعلمهم إلا الله وهو ورجال المخابرات) هو برادلي كوبر (Bradley Cooper) والمشهد الأول كان لمقتل طفل عراقي! أم تضع في يد ابنها شيئا، لعلها قنبلة؟ (ربما كانت هدية أو طعاما للمخلصين من ظلم صدام؟) يندفع الطفل تجاه مجموعة من الجنود الأمريكيين؟ لماذا؟؟ آه ربما يريد هذا الطفل قتلهم؟ ما أنت فاعل؟ يترك هذا السؤال للمشاهد؟ اطلق إذا.. اقتله يا كريس كايل.
يعطي الفيلم الانطباع عن مجتمع مسكون بالأشرار، يعذبون ويقتلون، مليء بالمصائد الغادرة، ستكلف الكثير من حياة الأمريكيين الغالية، إنها حرب إفناء تغذي المقابر. الفيلم مقطع إلى لقطات بحيث يجد المتابع الحاذق صعوبة في ربط الأجزاء ببعضها، وهذا هو المقصود من أجل زغللة المشاهد لتوصله أن أمريكا تخوض حربا مقدسة ضد وحوش آدمية، أما البطل القومي (كريس كايل) فهو سيدافع عن أمريكا ويقتل أعداءها وبأي صورة، وفي أي مكان، في حرب قذرة، ولو كانوا في حافة المجرة إذا دعت الضرورة وطالبه رؤسائه بذلك.
مع ذلك يبقى أمامنا سؤال عن المئات الذين فجرت بندقيته جماجمهم وصدورهم بدقة بالغة، هل يمكن أن يكون من كل هؤلاء القتلى بعض الأبرياء الذين قتلوا ظلما وعدوانا؟؟