بوصول المنطاد الصيني إلى الأجواء الأمريكية، فإن الرسالة الرمزية الجديدة تقول إن الصين السابقة تغيرت.. في مقابل ذلك، وبإسقاط الجيش الأمريكي المنطاد، تعلن واشنطن أن أمريكا هي هي أمريكا.
لعلها معادلة قديمة جديدة، لكن المهم أن المنطاد الصيني، الذي وصفته أمريكا بأنه «للتجسس»، فيما نفت الصين ذلك، وقالت إنه مدني ولأعمال الأرصاد الجوية، حمل رسائل، أهمها أن القدرات الصينية أكبر بكثير من توقعات ساكن «البيت الأبيض».
فغداة الصولات والجولات لوزير دفاع بايدن، الجنرال لويد أوستن، في الجوار الصيني – كوريا الجنوبية واليابان- جاءت قصة المنطاد ربما لتروي حكاية مغايرة عن ردود الصين.
من المؤكد أن التحشيد الأمريكي في جوار البر الصيني جعل القيادة الصينية في حسابات خاصة جدا، فقد تم الاهتمام بالقدرات العسكرية الصينية، سيما خلال المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
وهناك تقارير صحافية تتحدث دوما عن مصالح اقتصادية هائلة بين واشنطن وبكين، ففي العام الماضي فقط بلغت التجارة البينية لهما أكثر من 600 مليار دولار، على الرغم من عقوبات اقتصادية أمريكية مفروضة على عدد من الشركات الصينية.
والصين هي القوة الوحيدة في العالم التي تمتلك القدرة على التنافس مع أمريكا، وهذا ما يتوقف عنده جنرالات أمريكا في مناسبات متعددة، بالإضافة إلى أن عام 2025 يرشح الصين لتكون دولة عسكرية قوية تستطيع مواجهة أمريكا عند اللزوم.
الرسالة الصينية للمنطاد الصيني ربما تقول: «قادرون على اللعب معكم بالأدوات نفسها».
وبوسع الصين، لو أرادت، أن تهدد المصالح الأمريكية في الجيب الآسيوي، فزيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، إلى تايوان العام الماضي كانت مستفزة للصين.
والحرج الشديد، الذي تسبب به المنطاد للرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته الحالية، عكسته كثير من مواقف قادة الحزب الجمهوري داخل أمريكا نفسها، والكونغرس الأمريكي الواقع مجلس نوابه اليوم تحت سيطرة جمهورية لا يريد تفويت الفرصة أبدا، بغية محاسبة بايدن وكبار مساعديه على ما حدث.
الثابت هنا أن ثقل الصين الاقتصادي والتكنولوجي أبعد مدى من صواريخها، كما أن صواريخ روسيا أبعد مدى من ثقلها الاقتصادي والتكنولوجي، وهي تخوض غمار صراع كبير مع الغرب في أوكرانيا..
وأزمة المنطاد الصيني كشفت لنا وتكشف هوية العقود المقبلة.. إنها مبارزة أمريكية صينية مفتوحة، وواضح أن أمريكا لا تستطيع إدارة حربين متزامنتين في أوكرانيا من جهة، وتايوان من جهة أخرى.
عبد الجليل السعيد