الصيادون المغاربة تدربوا على يد الفرنسيين وهذه أجواء مصانع الدار البيضاء
يونس جنوحي:
مورد الدخل الحقيقي لمخطط الميناء سمك السردين، الذي لم يكن يكلف كثيرا مع التقلبات الحالية التي عرفتها أسعاره.
هذه التقلبات يتقبّلها الصيادون المحليون على أنها مشيئة الله. الصياد المحلي يركب قاربه ويتوجه صوب مناطق الصيد المعتادة. ثم إذا لم يكن هناك أي سمك، يعود إلى منزله مجددا. الآن تلقى تعليما لكي يمضي خلف السردين، حتى أنه يتوجه بعيدا إلى حيث تصبح اليابسة خارج مرمى البصر.
السردين يحب المياه الباردة ويتبع تياراتها إلى عمق عشرة أمتار. عندما قيل للصيادين، في المرة الأولى، إن الصيد في الأعماق سيكون مُثمرا، شكوا في أجهزة الراديو والرادار التي حددت المياه الضحلة.
لكن بمجرد ما أن أسقط أول قارب شباكه وحمل ما يصل إلى خمسة وعشرين طنا من الغنيمة، حتى بدأوا يُؤمنون بالسحر الجديد.
الآن هناك قارب تجريبي يستكشف البحار، ويستدعي قوارب الصيد إلى المكان المحدد بدقة حيث تم تتبع الأسماك.
بدا من المنطقي أن ننتقل إلى المصنع حيث يتم تعليب السردين، ومن هناك إلى المصنع حيث تتم صناعة العُلب. وفي هذا الأخير كانت هناك آلات حديثة مبتكرة بشكل خاص.
أمر واحد لاحظته: كل العمال كانوا رجالا، بينما في أوروبا، يتم توظيف النساء لمثل هذه الأعمال الخفيفة.
بعد أن تلقيتُ دعوة لزيارة مصنع إسمنت ضخم، اتجهتُ نحو مصنع للسكر. فبعد قضاء فترة في القرى، أو كما يسميها المغاربة «لبْلادْ»، كان من المناسب قضاء بضعة أيام بين المصانع.
المغاربة مُغرمون جدا بالسكّر وفي جميع أسواق المناطق، رأيتُ قوالب السكر المخروطية، ذات اللون الأزرق، معروضة للبيع. هنا، أيضا، كان العمال رجالا، والظاهر أنهم لم يكونوا مستائين على الإطلاق من مثل هذه الوظائف التي تكرر فيها الأعمال، ويُعبئون السكر بأناقة وبراعة لا تستطيع النساء القيام بأفضل منها. وهذا الأمر ينطبق أيضا على العمليات التي تجري في مصنع التبغ الضخم.
كل الاستفسارات كانت تدور حول العمل وظروف أخرى، والجميع أكدوا أن المغاربة، بغض النظر عن كل الإشاعات التي تقول العكس، يستطيعون العمل بثبات وكفاءة.
قال مراقبُ عمال محلي:
-«إن خطأنا الأكبر قلة الطموح. نحن نرضى بالقليل. وكلما حصلنا على المزيد، إلا وقلّت رغبتنا في العمل، وهذا يجعل وضعنا مُحرجا. أعتقد أن هذا سببه الجانب العربي فينا».
ربما يكون على حق. الأوروبيون يعملون من أجل الحصول على الغذاء، الملابس والسكن، ويتم حثهم على العمل بجدية أكبر بجعلهم يتوقعون الحصول على الكماليات البسيطة.
بينما عند العرب، الامتياز الأكبر هو تجنب العمل. الرفاهية المطلقة علامة من علامات الانتماء لطبقة النبلاء.
وأنا هنا لا أحسد القادة النقابيين المغاربة!
حتى الآن فإن نمو الحركة النقابية في المغرب يبقى ضعيفا نسبيا. الفرنسيون لم يُشجعوا النقابة المغربية. كانوا يخشون – ربما كان لديهم سبب- أن تصبح النقابات العمالية المحلية مخلبا في يد السياسيين. وكانوا يسمحون للعمال المغاربة بالانضمام إلى فروع اتحاد النقابات الفرنسية فقط. هذه السياسة لم تكن مُلهمة جدا، ما دامت نقابات فرنسية عديدة يُهيمن عليها الشيوعيون!
ومع ذلك فإن السبب الآخر للتأخر في تطور النقابات ربما يكون أكثر أهمية من السبب السابق،
إذ إن المقارنة تفتقر إلى استحضار عامل نقص الحس المؤسساتي بين المغاربة.
الرجل الذي يكون مخلصا بشكل كبير لقبيلته ليس لديه حس مماثل برابط الانتماء تُجاه الرجال الذين يعمل معهم، والأكثر من هذا أنه يدرك إن قام بإضراب هناك عشرات الرجال، في القرى، مستعدون لكي يأخذوا مكانه في العمل، وهم رجال لم يسبق لهم أن سمعوا أبدا بنقابة العمال.