الصفحات الصفراء
اشتغلت آلة الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة، لترويج أخبار زائفة تفيد ببيع مقدمي الوجبات السريعة لحوم الحمير في مدينتي سلا وتطوان، وهو ما نفاه المهنيون وفتحت بشأنه الشرطة تحقيقا في انتظار إحالة الملف على القضاء وترتيب الجزاءات الجنائية على المعنيين ببث شائعات تمس بالنظام العام.
والواقع أن الفوضى ليست في الشوارع فقط، وليست في المظاهرات والتجمعات والإضرابات فحسب، بل الفوضى الحقيقية هي هذا السيل الجارف من الأكاذيب والأخبار الزائفة التي تهم المس بالأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، والتي وجدت تسامحا غريبا قانونيا ومؤسساتيا، حيث تركت السلطات الباب مشرعا أمام تسونامي من الأكاذيب دون ضوابط ووقفت عاجزة أمام هذا النشاط البشري المضلل والذي يجري على نطاق سريع الحركة والانتشار والتأثير.
وتركت الدولة مسْرَحاً مهيّأً لمن أراد الإضرار بأمننا واستقرارنا واقتصادنا، من خلال نشر أخبار خطيرة يذهب ضحيتها مئات الآلاف من المتلقّين الذين يساهمون بوعي أو بدونه في إلحاق الضرر بمصالح البلاد الاقتصادية والاجتماعية.
في ما مضى من سنوات، كانت مؤسسات إنفاذ القانون تتحرك بصرامة تجاه الصحافة الصفراء، التي تبث الأكاذيب وتشوه الأخبار، حيث كانت قليلة ويمكن إحصاؤها وتتبعها ومعرفة الجهة التابعة لها، ولكن الأمر تغير اليوم حيث أصبحت أعداد وسائل النشر على مواقع التواصل الاجتماعي هائلة، والأخبار أغلبها كاذبة، فيكفي أن يبث صاحب صفحة الخبر الكاذب حول لحوم الحمير، حتى يتم نقله وتداوله بكثافة من قبل مئات الآلاف من الحسابات والصفحات الإلكترونية دون التأكد من صحته ودون تقدير لمخاطره على الاقتصاد الوطني والاستقرار الاجتماعي عبر نشر الذعر والخوف والتوجس في نفوس المواطنين.
والحقيقة أن السلطات العمومية، رغم معرفتها بمصادر محتويات التضليل، ظلت تقف عاجزة عن القيام برد الفعل المطلوب والصارم، اللهم في بعض القضايا التي لا يمكن غض الطرف عليها، وهو ما جعل تجار المحتويات والمواقع التواصلية الصفراء، التي تستثمر في التهييج لربح أموال الأدسنس، يتجرؤون على القانون يوميا أمام مسمع ومرأى من السلطات، غير عابئين بالأضرار التي يتسببون فيها بأباطيلهم. بينما الواجب القانوني يفرض على الدولة، وضمن حماية الحريات العامة، سيما حرية التعبير، أن تحمي المواطن من التعبير الخاطئ باتخاذ إجراءاتٍ صارمة بحق كل من ينشر الإشاعات المضرة بالصالح العام.