الصخيرات وتمارة مدينتان تولدان اليوم من جديد، ففي الوقت الذي تمتلك فيه مدينة تمارة مقومات وموارد اقتصادية بقربها من الرباط، ما يجعلها موطن سكن لكثير من موظفي العاصمة الإدارية، زيادة على امتلاك جماعة عين عتيق التابعة لها لحي صناعي بعد الحي الصناعي لأولاد مطاع، والتي تشكل إضافة لرافد رواتب الموظفين أساسا متينا لدورتها الاقتصادية، فإن مدينة الصخيرات متواضعة الموارد من حيث الحجم وإن توفرت من حيث النوع، ما يجعل من عملية توطين عشرات آلاف من السكان المنقلين من دور الصفيح عملية جراحية عالية الدقة والمخاطر، والتي لا مجال للسهو ولا للصدف لتنزيلها بالمفهوم المتكامل للعمران.
لقد استاء الناس وتذمروا كثيرا من الأرواح التي أزهقت بسبب المعارك التي تنشب بين مراهقي الصخيرات وأقرانهم من الوافدين الجدد، على خط منحرف ليست هذه إلا بداياته فقط، فالفراغ والفقر يفعلان فعلهما في الشباب واليافعين، كما أن التأطير والمواكبة النفسية لا يجدان مجالا للتنزيل. لتبقى ضرورة احترام الشروط الأساسية الدنيا، لسير المدينة بمفهومها العمراني الحضاري، الفرصة الوحيدة لنجاح هذه العملية الجراحية، حتى لا تغرق الصخيرات في الوقت الذي تنهض فيه تمارة.
لسنا من سيُعلم المسؤولين كم هو الحد الأدنى من المساحات الخضراء الواجب توفيره داخل المساحة العمرانية، والذي سيطول الحديث عن ظروف اختفائه بمدن منها الدار البيضاء، وعن علاقته بتشوهات الصحة النفسية للأجيال الحديثة، وثمن ذلك الذي يدفعه المجتمع والدولة، وهو حديث جد مؤلم لكل ذي قلب سليم. فالحديث هنا للتذكير بضرورة الانتباه إلى حجم الرئة كمتنفس، والقلب كمغذ، مقارنة بحجم الجسم، وعن وجوب عزل محفزات ومغذيات الانحراف لا عن إعدامه طالما أنه ظاهرة أزلية، لكن خفض معدلاته ليس كتركها حرة تنمو في الحقل والاكتفاء بقطف أشواكها بمقص الأمن والقضاء.
هذه المدينة الجديدة تقف على حي صناعي يكون عامرا في أقرب وقت ممكن، وعلى مركز للتكوين المهني كبير، وتحتاج إلى مضاعفة خطوط النقل مع استحداث خط مباشر للعاصمة، لأن مشكلة النقل كانت قائمة قبل الوضع الجديد وقد تفاقمت بعده، فالظاهر أن المسؤولين طالما أن أبناءهم لا يستعملون النقل العمومي، فإن عذاب الناس اليومي مع شطط أربابه ليس أولوية فوق مكاتبهم، مثله مثل معضلة العرض الصحي وخدمة البريد، اللذين لم يفيا يوما بحاجيات سكان الصخيرات القدامى، بالأحرى عند مضاعفة عددهم. فقد عانت جماعة الصخيرات من حيف المجلس الإقليمي، الذي كان سخيا على الدوام مع باقي الجماعات، لأسباب ليست كلها موضوعية. أما اليوم فمن واجب سلطة الوصاية دعم جماعة الصخيرات، حتى لا تغرق تحت الحمولة السكانية الجديدة، خاصة وأن ميزانية هذا المخطط هي أربعة ملايير درهم، وحظ الصخيرات منها وجب أن يلائم حجمها المستقبلي.
قد لا تقل حاجة هؤلاء الأطفال والمراهقين عن العشرين ملعبا للقرب، ودارا للشباب، بطاقة استيعابية تتيح تنظيم جلسات جماعية للإنصات وللدعم والتقويم النفسي، أو دعم فتح مقرات جمعوية من هذا التخصص، وتنظيم أنشطة وخلق فرق رياضية مختلطة بين الفصيلين، بدل ترك الظواهر السلبية حرة طليقة في الفضاء العام بحجة أنها ظواهر كونية، نعم هي كذلك، لكن مقاومتها تحتاج إلى يقظة وإلى جهود منظمة ودائمة، وليس فقط إلى الحملات وإلى مراكز أمنية. أما بالنسبة إلى الحدائق العامة، فعلى الأقل وجب احترام قوانين التعمير في هذا الصدد، مع تجميعها حتى تكون فسيحة لتستطيع أن توفر متنفسا حقيقيا للنساء والأطفال، فالوقاية أرخص من العلاج.
عبد الرزاق الحجوي