الصحة النفسية
احتفل المغرب على غرار دول العالم باليوم العالمي للصحة النفسية يوم 10 أكتوبر، في ظل تحولات مجتمعية متسارعة، وارتفاع مهول في نسبة أمراض القلق والاكتئاب بأنواعه والاضطرابات النفسية، حيث تضاعفت الأزمات والضغوط النفسية التي يعيشها المغاربة، نتيجة تبعات جائحة «كوفيد- 19»، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والغلاء، بسبب الحروب المدمرة التي يشهدها العالم، سواء الخفية منها أو التي تطورت للقتال، مثل ما هو الشأن بالنسبة إلى الشرق الأوسط وباقي البلدان.
في ظل ارتفاع أسباب الضغوط النفسية والأمراض المستعصية، علينا الاعتراف بأن قطاع الصحة النفسية ببلادنا يعاني من أعطاب بنيوية وخصاص مهول في الموارد البشرية والمراكز العمومية الخاصة بالعلاج، حيث تحدثت تقارير عن كون 48.9 في المائة من المغاربة فوق 15 سنة، أي حوالي 10 ملايين مغربي، يعانون من اضطرابات نفسية، منهم 3 ملايين حالة سريرية، موزعة على 26.5 في المائة اكتئاب و9.3 في المائة قلق، و5 في المائة ذهان و1 في المائة انفصام في الشخصية، و6.5 في المائة يعبرون عن أفكار انتحارية.
لقد التهمت طاحونة الضغط النفسي(Stress) العديد من المغاربة، وانتهى بهم الأمر بالوقوع في شباك الاكتئاب القاتل الصامت، الذي يخلق معاناة عضوية خطيرة مع أمراض القلب والشرايين والسكري وخطر ارتفاع الضغط الدموي، والاضطرابات النفسية والعقلية التي حولت حياة الأفراد والعائلات إلى جحيم، في ظل بنية مهترئة للطب النفسي العمومي وخصاص مهول في هذا الاختصاص، وغياب الجودة، واستمرار تعامل الحكومات المتعاقبة مع الطب النفسي وكأنه ترف لا يناله إلا علية القوم، وغياب الاختصاص النفسي بجل المناطق القروية، وكأن سكان المناطق النائية لا حق لهم في المرض النفسي، إذ يتركون لتطور الأمراض والإصابة بالجنون بسبب المضاعفات، أو زيارة الأضرحة والتيه في عالم الشعوذة الذي يزيد الطين بلة.
هناك العديد من المنظمات العالمية المهتمة بالصحة النفسية التي دقت ناقوس خطر ارتفاع نسبة إصابة سكان العالم بالاكتئاب والاضطرابات النفسية، كنتيجة حتمية للتحولات المجتمعية والاقتصادية، والمغاربة يوجدون داخل عاصفة انتشار الأمراض النفسية والعقلية، حيث تعاني جل الأسر مع أبنائها في صمت، بسبب الجهل بطبيعة المرض النفسي من الأصل، والثقافة الشعبية السطحية التي ترفض العلاج النفسي، باعتباره من الطابوهات بالنسبة إليها.
إن إهمال إصلاح قطاع الصحة النفسية بالمغرب، يمتد تأثيره لتراجع الإنتاج بالقطاع العمومي والخاص على حد سواء، والتأثير سلبا على التنمية والتشغيل، ما يتطلب الإسراع لمعالجة مشاكل القطاع الحساس بتوفير ميزانيات ضخمة، وبناء مراكز وتجهيزها، وتوفير الموارد البشرية، ودعم الأدوية، والعمل من خلال تدابير وقائية لتفادي الأمراض والاضطرابات النفسية والحد من تطورها، والانفتاح على كافة فئات المجتمع بالتوعية والتحسيس وسياسة القرب، خاصة بالمناطق القروية النائية التي تشهد ارتفاع نسبة حالات الانتحار.
أمام الحكومة وجميع المتدخلين في المجال، عمل جبار من أجل تحسين جودة خدمات الطب النفسي والتعميم بكافة مناطق المغرب، فضلا عن عمل الجمعيات على التوعية والتحسيس بخطر إهمال العلاج وسلك الطريق الخطأ في التعامل مع الاضطرابات النفسية، وكذا العمل على إحياء الوازع الديني في النفوس، باعتبار الالتزام الديني من المؤشرات الإيجابية التي يجب استثمارها لصالح المريض، لأن الإيمان والروحانيات والثقة في الله إلى جانب الأدوية والاستشارة الطبية، من أقوى الأسلحة التي يمكن أن يواجه بها الفرد هذه المصائب من المتغيرات العالمية، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم كغرفة صغيرة.