بقلم: خالص جلبي
استطاع عالمان شابان الوصول إلى اكتشاف مزلزل حول وحدات الحياة وبنى تكوينها، باعتبارها الشيفرة الوراثية (الكود CODE) في تشكيل كل شيء في الجسم عند كل الكائنات. كان الشابان يومها هما «فرانسيس كريك، 37 سنة» و «جيمس واتسون، 25 سنة»، والتركيب الذي كشفا عنه هو البنية الوراثية في نواة الخلية، الذي اشتهر بالحامض النووي (D.N.A.)، (عرف لاحقا أن موريس ويلكن كان يشرف على عمل السيدة روزاليند فرانكلين، التي كانت الأولى التي كشفت عن التكوين، وكانت تعمل على الكشف بواسطة الأشعة السينية، مما أورثها سرطان الثدي فماتت به، وتم تهريب المعلومات للمذكورين، أي عالم السرقات العلمية أناس يموتون وأناس يحصدون الجوائز)، حيث عرف أن الذي يصنِّع الحياة ليس الأحماض الأمينية التي ركبها تلقائيا ميلر (وزعم أنه وصل إلى حلقة الخلق)؛ بل أربعة أحماض أمينية تتعانق في شبكة مع حمض فوسفوري وسكر خماسي، على شكل سلم متعرج ملفوف، يشكل لغة سرية تتفاهم مع الأحماض الأمينية في الخلية، بحيث تشكل الأحماض الأربعة مفتاحا لغويا وراثيا لتكوين الأحماض الأمينية، بإعطاء الأوامر في تشكيلها، والأحماض هي (السيتوزين والأدينين والجوانين والثميدين)، ويرمز لها بـ(ACTG)، وهكذا تصبح هذه الحروف الأربعة مصدر تشكيل لـ 64 حمضا أمينيا وليس فقط 20 التي تحتاجها الحياة لبناء العضلات والأنسجة والأعضاء والأجهزة والإنزيمات والهورمونات وسواها. وبإمكانك إعادة الحساب رياضيا لتصل إلى الرقم.
لنتصور ( AGTC ..AGCT.. ATCG..ATGC..ACGT..CTGA..CTAG.. ) وهكذا؛ فكل كلمة من هذه الحروف الأربعة تذكرنا بكلمة (فكر) التي يتولد منها (كفر ورفك وفرك وكرف وركف)، ولا ننس أن الكلمة هنا مكونة من ثلاثة أحرف وليس أربعة أحرف.
كلمة (فكر) يمكن أن تنقلب إلى (كفر) بزحزحة أمكنة الحروف والحفاظ على كميتها كما هي، فمن رحم الترياق يولد السم وبالعكس، وسبحان من يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ذلكم الله ربكم فاعبدوه.
بالطبع رد ميلر، (مكتشف الأحماض الأمينية)، بالدفاع عن نظريته بأمرين: بالإكثار والاستمرار في تجربته، فولد الأحماض النووية من جهة، كما تصور غازاته المزعومة التي شكلت الحياة محمية تحت مدرعة جليدية، ينقض عليها في وقت لاحق نيزك خرافي، مثل الصاعق الكهربي ينفض القلب في قاعة العمليات الجراحية، فيدفع فيها الحياة، وهو الشيء الذي لم يحدث في المريخ كما يتصوره العلماء.
نظرية البذور الكونية «PANSPERMA»
تصور السويدي «سفينتي أرينيوس SVAENTE ARRHINIUS» أن مصدر الحياة ليس من الأرض، بل من السماء، في صورة بذور سبحت في الفضاء الخارجي ورست على الأرض، نشأت في مكان ما، ثم رست على ظهر كوكبنا الغالي، وهو تصور غير مباشر للعلماء الذين يرون نشأة الحياة من (الطين) في مكان ما وعدم استقراره في مكانه، بل سباحة في الملكوت، بصورة مبردة تحافظ على مقومات الحياة، كما هو في نظام التبريد الحالي في المشروع الأمريكي ( ATCC: AMERICA .TYPE. CULTURE. COLLECTION)، الذي يحافظ على الخلايا في ما يشبه رحلة الأبدية، فتبريد الخلية في سائل الآزوت 160 تحت الصفر يحافظ على الحياة عشرة آلاف سنة.
دافع جيمس واتسون، (مكتشف الحمض النووي الخلوي)، عن نظرية البذور الكونية بحماسة، وعمل في مشروع الجينوم البشري (HUMAN.GENOM.PROJECT: H.G.P.) الذي كان أهم من مشروع «ناسا» لارتياد الفضاء، في فك الشيفرة الوراثية عند الإنسان، وسمي اختصارا مشروع هوجو، بل واقترح إرسال مركبة فضائية محملة بجراثيم شتى لاستنباتها في الفضاء الخارجي، في ما لو رست في مكان ما من الكون، وتبقى الجراثيم أفضل حل لنقل الحياة إلى بقية الكون الفسيح.
في البدء كان الكبريت وليس الأكسجين
ويذهب الباحث الألماني « جونتر فيشترهويزر GUENTER.WAECHTERHAUESER»، الذي يعمل كمحام في مكتب براءات الاختراع في مدينة ميونيخ، وهاوي أبحاث عن منشأ الحياة في الليل، أن بداية الحياة لم تبدأ من الأكسجين، كما لم تنشأ على ظهر الأرض، فالعلم أخطأ ـ حسب رأيه ـ مرتين في المكان والمادة! إذاً أين نشأت الحياة، حسب رأي فيشترهويزر؟
يرى العالم الألماني أنها نشأت في أعماق المحيطات حيث لا يتوقع المرء، وفي فوهات البراكين في ذلك العمق بالضبط بعيدة عن حمم النيازك ولهبها الحارق والعواصف المزمجرة على وجه الأرض، في العمق وعلى فوهات البراكين، حيث تغلي الحرارة هناك فوق المائة! هناك يحدث تفاعل مثير من التحام مادة الكبريت والهيدروجين والحديد، فيما يعرف بظاهرة (المدخن الأسود BLACK SMOKER)، وتشكل أحجار من مظهر كاذب للذهب.
أبحاث كارل ستيتر تؤكد مزاعم الحياة في أعماق المحيطات
عندما طرح «جونتر فيشترهويزر» نظريته حول بدايات تشكل الحياة في أعماق المحيطات، بعيدا عن حمى الزوابع والنيازك الصاخبة المدمرة على ظهر الأرض، ضحك عليه الجميع واعتبروا كلامه نوعا من المزح الثقيل، فكيف يمكن للحياة أن تنشأ في الأعماق بدون أكسجين وضوء، ولكن الجواب كان أعجب مما ذهب إليه، تأكيدا لما ذكرناه أن الحياة أشد مكرا وأطول باعا وأقدر على التكيف من كل ما نتصور.
نافذة:
مصدر الحياة ليس من الأرض بل من السماء في صورة بذور سبحت في الفضاء الخارجي ورست على الأرض نشأت في مكان ما ثم رست على ظهر كوكبنا الغالي