الشيخة عايدة.. تزوجت الشيخ الدعباجي بعد «مصادرة» زوجته الأولى من طرف السلطة
نالت الشيخة زهرة عايدة حصة مضاعفة من التكريم، فقد أصر عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول السابق، على تكريمها، كما حرص عبد الفتاح لبجيوي، والي جهة دكالة- عبدة، على تخصيص أمسية تكريم لها في مدينة آسفي، ووصفها الرجلان بـ«وارثة سر فن العيطة العبدية».
كانت التفاتة الوزير الأول والوالي رسالة إلى وزير الثقافة الذي لا يعترف بفن «العيطة»، وتكريما للفن الشعبي ولجميع شيوخه، بالمغرب عامة وأسفي على الخصوص. لكن القليل من المتتبعين يعرفون أن للشيخة عايدة بوصلة في دواخلها ساهمت في انتقالها من مجرد «شيخة» إلى «رباعة»، أي عميدة «الرباعة» بالمفهوم الفني لهذا اللون الغنائي، حيث كان زواجها بهرم «العيطة الحصباوية» امحمد الدعباجي سر تألقها.
شكلت «الشيخة» عايدة، إلى جانب «شيخات» زمانها، الدعامة الأساسية لفن «العيطة»، وكانت تتنافس على أعراس الوجهاء وعلية القوم مع زميلاتها في الحرفة، أمثال: فاطنة بنت الحسين، و«الشيخة نص بلاصة» والحمونية، وفاطمة العبدية و«الشيخة» الخوضة وسعاد الجديدية وعائشة بنت النكاسة الغندورية، ثم خديجة مركوم وغيرهن من «شيخات» السلطة والصولجان.
ولد امحمد الدعباجي سنة 1910 بدوار الدعابجة بمنطقة الحصبة التي تبعد عن مدينة آسفي بحوالي 38 كيلومترا. بدأ الرجل مساره في «تاشيخيت» عازف إيقاع على «الطعريجة»، قبل أن يختلس لحظات لممارسة شغب العزف على آلة الكمان في لحظات تمرين أو أثناء استراحة «شيخ». وعلى امتداد رفقة «الطعريجة» والكمان ظل الفتى ينهل من متون «العيطة» الحصباوية وإيقاعاتها، على غرار رواد هذا الفن بالمنطقة أمثال: الشيخ إدريس بن دحان الذي لم يحترف الغناء، والشيخ أحمد ولد السي صالح.
كان الدعباجي، الملقب بـ«القرع»، يقتات من كمنجته كما يقال، فقد عرف عنه عزفه خلال أوقات الحصاد، حيث «كان يقصد الأعيان من أهل الحصبة، يتحفهم بأنواع العيوط في مقابل ما يعطونه من الحبوب والهدايا. وهي مهنة أقرب ما تكون الى التسول، لكنها كانت عادة مستساغة بالنظر إلى الحالة الاجتماعية المزرية التي عاشها المغاربة في تلك الفترة، وبخاصة البادية المغربية»، يقول الدحماني الباحث في فن «العيطة». قبل أن يتخذ مبادرة الانفصال عن مجموعة الشيخ ولد السي صالح، ويقرر تكوين فرقة خاصة به ضم إليها «الشيخة» عايدة.
تعرض الرجل للطرد من الدوار بعد أن أصدرت «الجماعة» قرار الإجلاء لدواع اجتماعية، «نظرا للخصوصية الاجتماعية المحافظة لسكان دوار الدعابجة الذي يتخرج منه الكثير من الفقهاء والأئمة. فقد تعرض الدعباجي وفرقته للكثير من المضايقات، إلى أن أرغم على مغادرة هذا الدوار والسكن قرب دوار «دار العياشي»، ثم بعد ذلك الانتقال إلى السكن بمدينة آسفي».
وتقول الروايات: «إن الدعباجي تعرف، في بداية مساره على «الشيخة» فاطمة وكانت تربطهما، بالإضافة إلى علاقة العمل، علاقة زواج متينة»، قبل أن يتربص بها أحد أعوان السلطة، ويطلب منها الطلاق من الدعباجي، وقيل إن شيخ القبيلة المغرم بها وضعها تحت تأثير مخدر لينتزع منها رغبتها في الطلاق من الدعباجي. «تزوجها الشيخ الحسين عنوة، ومنذ ذلك الحين أصبح الدعباجي قاسيا في التعامل مع أفراد فرقته، حيث كان لا يتردد في ضرب أي شيخة بالكمنجة إذا خرجت عن «الميزان»، وهذا باعتراف الشيخة عايدة».
تزوج الدعباجي وعايدة على سنة الله ورسوله، وقررا سويا مسح حكاية الزواج «المصادر»، فاشتغلا في مجال الفن الشعبي، قبل أن يتسلل الوهن إلى الرجل فلم يعد قادرا على العزف، حيث اكتفى بدور وكيل أعمال الفرقة والحضور معها والغناء من حين لآخر. بل إن المقربين منه يحكون عن انخراطه في نوبة بكاء أثناء حضوره حفل زفاف، بعد أن كان مطرب شعبي يغني عيطة «الرادوني» بشكل مشوه.
وافت المنية الدعباجي سنة 1997 بآسفي، تاركا وراءه زوجة تعيش على إيقاع الخصاص، في بيتها المتواضع بدرب مولاي الحسن بالمدينة ذاتها، لكنه ترك رصيدا من الأعمال الفنية التراثية، وخلف أبناء منهم من سار على الدرب، بل إن الفنان بوشعيب الجديدي يعتبر حفيد الدعباجي من إحدى بناته.