شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرمجتمعملف الأسبوع

الشيخات بين الأمس واليوم عندما كانت الشيخة رمزا لمعارضة

سلاح «لعيوط» في مواجهة المستعمر وأذنابه

حسن بصري:

أثارت تصريحات الشيخ السلفي ياسين العمري جدلا واسعا، في الوسط الإعلامي والفني على الخصوص، حيث وجه انتقادا مباشرا للشيخات من خلال مسلسل «لمكتوب»، معتبرا التعاطي الفني مع الشيخة وإعادة رصد ظاهرة الشيخات «تطبيعا مع المنكر».

تصريحات هذا الداعية خلفت ردود فعل متباينة في منصات التواصل الاجتماعي، بين منتقدين وداعمين لرأيه، بحيث عبر الكثيرون عن كون تصريحاته تعتبر رجعية ولا تحترم التنوع والحرية، فيما ساند البعض طرحه واعتبروا المسلسل عملا فنيا خادشا للحياء العام.

لكن الشيخة في مجتمعنا ليست دائما مؤنسة، بل كانت في فترة من الفترات جزءا لا يتجزأ من منظومة الوجاهة، خاصة في البادية المغربية، حين كانت تصول وتجول وينحني لمبايعتها علية القوم، ولا تكتمل الليالي الملاح إلا بوجودها.

أغلب شيخات المملكة اللواتي روضن عند أقدامهن كبار الشخصيات السياسية، داهمهن ضنك العيش ورسم تجاعيده على وجوههن، ومعظمهن لا يتحركن إلا عند الاستعانة بنظارة طبية مليئة بالخدوش، وقوام نال منه الزمن حتى أخفى ملامحهن عمن يعرفون رائدات «العيطة» ويحفظون في ذاكرتهم صورهن بالأبيض والأسود على غلاف أسطوانات غنائية تعرضت للانقراض، وهن يرسلن شعورهن الغجرية على أكتافهن.

صحيح أن العديد من رواد «العيطة» شيوخا وشيخات انتهى بهم المطاف في صفوف طوابير المساعدات الغذائية في الحملات التضامنية، لكن قلة من الناس من يقف إجلالا لشيخات واجهن جبروت السلطة في زمن الرصاص، بل هناك أسماء تصدت للاستعمار بسلاح «العيطة» وزرعت في نفوس المغاربة بذور الحماس للوقوف في وجه المستعمر وأزلامه، خاصة خلال فترة نفي محمد الخامس وأسرته أو في فورة الكفاح المسلح ضد المحتل، عبر أغاني تمجد بطل التحرير وتشيد بنضال رموز المقاومة الوطنية، كما تصدت شيخات لجور وطغيان القياد والباشوات وتمكن من ترويضهن بالكلمة تارة والفعل تارة أخرى، وإسقاط مقولة عمرت طويلا تجعل الشيخة مجرد أداة للزهو والنشاط المسائي.

الشيخة خربوعة.. حبيسة خمسة سجون

لم يكن أحد يعتقد أن الشيخة خربوعة، واسمها الحقيقي زهرة الحامدي، رائدة فن «العيطة» الزعرية رفقة الفنان محمد الهلالي الملقب بصالح العواك، ستنتهي بمأساة، وأن هذا الثنائي الذي أطرب أجيالا من الشغوفين بفن «العيوط» الزعرية، يعيش خريف العطاء.

ولدت خربوعة في قبيلة الكناديز سنة 1929، لكنها سرعان ما نقلت بصوتها المتميز آمال الناس البسطاء في منطقة زعير، وكانت عنصرا أساسيا في أفراح كبار الفلاحين بهذه الربوع، كما أن أغانيها أرخت لزعير وللأحداث التي عرفتها المنطقة، والبلاد عموما، على مدى عقود من الزمن.

في عهد الحماية، وتحديدا أثناء نفي الملك محمد الخامس إلى مدغشقر، تعرضت الفنانة خربوعة للاعتقال إثر ارتجالها سنة 1953 أغنية منددة بنفي السلطان الشرعي للبلاد، ما اضطرها إلى مغادرة قبيلتها والاستقرار في الرماني.

بسبب مواقفها وأغانيها، قضت خربوعة شهرا حبسا نافذا بالسجن المحلي بالرماني، وشهرا آخر بسجن وادي زم، وشهرا ثالثا بسجن خريبكة، وفترة أخرى بسجن ابن أحمد، وسنة كاملة في سجن اغبيلة بالدار البيضاء إلى أن أفرج عنها بعد عودة الملك محمد الخامس إلى عرشه، في إطار عفو جماعي عن معتقلي «الرأي».

دخلت خربوعة قبو النسيان بعد اعتزالها، قبل أن يتم تكريمها في مهرجان آسفي لفن «العيطة» وبالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط ليلة الرواد، قبل أن ترحل إلى دار البقاء سنة 2017، بعد صراع طويل مع المرض.

في حفل تكريمها بمسرح محمد الخامس، تبين أن الحفل يحمل صبغة تضامنية، مع فنانة انتهى بها المطاف عند قارعة التسول في مدينة الرماني. وقف الجمهور لتحية خربوعة، التي ارتبط اسمها بالشيخ العواك، وصفق طويلا لهذه الشيخة التي اعتزلت الفن منذ سنوات، لتجد نفسها في مواجهة صريحة مع زمن لا يرحم، زمن بذاكرة مثقوبة.

 أدار الزمن ظهره لهذه الفنانة الشعبية، التي تعرضت للنصب وللسطو على «تحويشة العمر»، لينتهي بها المطاف في دائرة الفقر والهشاشة، سيما بعد أن تقدم بها العمر، وحفر الزمان في جسدها أخاديد الشيخوخة.

الحاجة الحمداوية في ضيافة الشرطة بسبب أغنية «الشيباني»

عاشت الحمداوية، واسمها الحقيقي الحجاجية، نسبة إلى أصولها المزابية من منطقة سيدي حجاج، حياة الترف والفقر، وقفزت من ضفة الجاه إلى ضفة الخصاص في ظرف زمني قصير. منذ نهاية الخمسينات، بدأ اسم هذه الفنانة الشعبية يغمر سماء مهنيي فن «العيطة»، وأصبحت تشكل نقطة ضوء في درب السلطان الذي أنجب مشاهير الفن والفكر والرياضة.

في درب كرلوطي، عاشت الحجاجية طفولتها في وسط يعاني من ضيق الحال، خاصة وأن والدها قد أقعده المرض، مما دفعها إلى تقلد مسؤولية إعالة أشقائها وشقيقتها، عبر امتهان حرفة الغناء التي رفضها الوالد جملة وتفصيلا.

اعتقلت السلطات الاستعمارية الحمداوية، في أكثر من مناسبة، وسقطت في أكثر من كمين أمني، فقد دعيت للحضور إلى المقاطعة لأمر يخص عملها، وحين وصلت إلى مكتب القائد قرر احتجازها بتهمة تحريض المغاربة على المقاومة والتشهير والسخرية من الفرنسيين اعتمادا على مقاطع من إحدى الأغاني التي يقول مقطعها: «الكاوري مشبوح باقا فيه الروح»، وكانت تغنيها في ملهى «الديك الذهبي» الذي كان في ملكية سليم لهلالي، وقد قضت ساعات في مخفر المعاريف بسبب هذا المقطع.

 نزلت الحمداوية ضيفة دائمة على مخافر الأمن الفرنسي في مرحلة الاستعمار، فبعد كل أغنية تغنيها يتم استدعاؤها واستنطاقها بشأن معاني كلمات الأغنية والمقصود منها والتلميحات التي وراءها.

وحين غنت الحمداوية في الخمسينيات أغنية «آش جاب لينا حتى بليتينا آ الشيباني آش جاب لينا حتى كويتينا آ الشيباني. فمو مهدوم (مكسور) فيه خدمة يوم»، لم تكن تعلم أن هذه الكلمات التي صارت على لسان جميع المغاربة ستصبح علامة فارقة في قدرها.

بسبب هذه الأغنية، ذاقت مرارة السجن والتعذيب، إذ اتهمتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية في الدار البيضاء بلمز وذم «ابن عرفة» الذي نصبته سلطات الحماية الفرنسية سلطانا على المغرب بعد نفي السلطان الشرعي محمد الخامس.

السلطة تتربص بشيخات عبدة واليوسفي يكرم شيخة

نالت الشيخة زهرة عايدة حصة مضاعفة من التكريم، فقد أصر عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول السابق، على تكريمها، كما حرص عبد الفتاح لبجيوي، والي جهة دكالة عبدة، على تخصيص أمسية تكريم لها في مدينة آسفي، ووصفها الرجلان بـ»المناضلة وارثة سر فن العيطة العبدية».

شكلت الشيخة عايدة إلى جانب شيخات زمانها الدعامة الأساسية لفن «العيطة»، وكانت تتنافس على أعراس الوجهاء وعلية القوم مع زميلاتها في الحرفة، أمثال: فاطنة بنت الحسين، والشيخة «نص بلاصة» والحامونية، وفاطمة العبدية والشيخة الخوضة وسعاد الجديدية وعائشة بنت النكاسة الغندورية ثم خديجة مركوم.. وغيرهن من شيخات السلطة اللواتي تمردن على السلطة.

يقول الباحث في فن «العيطة» أحمد اشتيوي، إن نقطة التحول هي انفصال الشيخ الدعباجي عن مجموعة الشيخ ولد السي صالح، وتكوين فرقة خاصة به ضم إليها الشيخة عايدة.

تعرض الرجل للطرد من الدوار بعدما أصدرت «الجماعة» قرار الإجلاء لدواع اجتماعية، إذ نظرا للخصوصية الاجتماعية المحافظة لسكان دوار «الدعابجة» الذي يتخرج منه الكثير من الفقهاء والأئمة، تعرض الدعباجي وفرقته للكثير من المضايقات إلى أن أرغم على مغادرة هذا الدوار والسكن قرب دوار «دار العياشي» ثم بعد ذلك الانتقال إلى السكن بمدينة آسفي.

ويقول الباحث الدحماني إن الدعباجي تعرف في بداية مشواره على الشيخة فاطمة وكانت تربطهما بالإضافة إلى علاقة العمل علاقة زواج متينة»، قبل أن يتربص بها أحد أعوان السلطة، ويطلب منها الطلاق من الدعباجي، وقيل إن شيخ القبيلة المغرم بها قد وضعها تحت تأثير مخدر لينتزع منها رغبتها في الطلاق من الدعباجي، «تزوجها الشيخ الحسين عنوة، ومنذ ذلك الحين أصبح الدعباجي قاسيا في التعامل مع أفراد فرقته، حيث كان لا يتردد في ضرب أي شيخة بالكمنجة إذا ما خرجت عن «الميزان»»، وهذا باعتراف الشيخة عايدة.

تزوج الدعباجي بعايدة على سنة الله ورسوله، وقررا سويا مسح حكاية الزواج المصادر، فاشتغلا في مجال الفن الشعبي، قبل أن يتسلل الوهن إلى الرجل فلم يعد قادرا على العزف، حيث اكتفى بدور وكيل أعمال الفرقة والحضور معها والغناء من حين لآخر.

كمين يعيد خربوشة إلى سجن قائد عبدة

ماتت الشيخة خربوشة، أو حادة «لكردة»، وقيل إنه قد تم قطع لسانها لأنها كشفت عن جرأة فنية، وهي تهزم جبروت سلطة قائد عبدة سي عيسى بن عمر، بكلماتها التي حملت تحريضا لقبيلتها أولاد زايد، من أجل التمرد ضد القائد..

تقول الروايات التاريخية إن القائد علم بهروب الشيخة «حويدة» عند أخوالها، بمنطقة أولاد سعيد بالشاوية، فأرسل في طلبها، «لكن قائد أولاد سعيد، أبو بكر بن بوزيد، رفض تسليمها له وأعلم السلطان المولى عبد العزيز بها، فأمر بنقلها إلى دار المخزن، وصادف يوم تنفيذ الأمر السلطاني وجود جماعة من أصحاب القائد عيسى بمجلس ابن بوزيد، جاؤوا لتجديد طلب تسليمها، وحين خرجت رفقة مخزني قاصدة دار المخزن، نصبوا لها كمينا وأعادوها إلى قصر القائد سي عيسى».

زج بها القائد في سجن قصبته، ليبدأ مسلسل تعذيب شديد وطويل، عبرت عنه في قصيدة لها تقول فيها: «الليلة العذاب أبابا ونقاسي.. الدنيا تفوت أبابا نقاسي.. آخرها موت أبابا ونقاسي».

«اختلفت الروايات الشفوية ونصوص المؤرخين حول ظروف مقتل الشيخة، منها أن القائد عيسى بن عمر حبسها لمدة طويلة، وتفنن في تعذيبها وإهانتها رفقة حاشيته، أركبها ناقة وأمرها أن تغني ما كانت تنشده لمقاتلي أولاد زايد، وبعد أن أشفى غليله منها قتلها. لكن الرواية الأقرب إلى الواقع هي تصفيتها من طرف السجان، المدعو «الشايب»«، كما يقول الباحث مصطفى لطفي.

 

حرب الرمال ونفي محمد الخامس في «العيطة» الحريزية

بصم الثلاثي الغنائي «علي وعلي والحطاب»، الذي أطرب أبناء ولاد حريز في زمن مضى، على حضور قوي في الساحة السياسية، فقد تغنى بالمعارك ضد الجارة الشرقية من خلال قصيدة «على الحدود»، التي رصدت شجاعة الجنرال المغربي إدريس بنعمر، وكشفت عن تفاصيل حرب الرمال. كما أدانت النغمة الحريزية نفي محمد الخامس إلى مدغشقر.

ووقف الباحث التهامي حبشي عند مجموعة من الأعمال الغنائية المحشوة بالوطنية خاصة في الغناء الحريزي، كقصيدة «رفود الخامس» وتعني نفيه، وقال إنها «ذات بعد وطني وتتغنى باستقلال المغرب ومطلعها يقول: «خوتنا في الإسلام/هزو بنا لعلام/ زيدو بنا لكدام/ إلى خيابت/ دابا تزيان».

تليها قطعة «الحدود» التي توقفت عند حرب الرمال سنة 1963 بين المغرب والجزائر، حيث يقول إن هذه الرائعة الحماسية قد «أديت على إيقاع مهزوز مباشرة بعد المعركة ومما جاء فيها: «الحدود هي بلادنا/ تم يعيشوا ولادنا…المليك وجيشنا/ عوينا.. وحنا كاع تابعينو/ كلشي من إله/ لا غالب سواه… إدريس بنعمر كال كليمة/ حلف حتى نشربو أتاي تما…عاد الحدود ياه». وصولا إلى الختم بسوسية أو سدة مصرفة، ولها قفل من «عيطة» الحداويات المرساوية دابا ربي يعفو على عبادو والناس الحاضرين».

ويضيف الباحث بأن هاتين القصيدتين دليل واضح على ارتباط الغناء الحريزي بأحداث الوطن والوطنيين في فترات سياسية عصيبة من تاريخ المغرب الحديث، وهو ما يبرز أن «العيطة» قد لعبت دورا تحريضيا مهما في مقاومة المستعمر والمحتل، فكانت أخطر الخطابات التي تصل بسهولة إلى الآذان والوجدان فتشعل في النفوس جذوة المقاومة والنضال من أجل حرية الناس والأوطان.

Women dance during a berber group wedding ceremony in the high Atlas Mountain Berber village of Imilchil on September 23, 2010. Once a year, in September, a wedding festival is held in which the young are permitted to choose a spouse for themselves. AFP PHOTO / ABDELHAK SENNA (Photo by ABDELHAK SENNA / AFP)

باشا خنيفرة.. عاشق «العيطة» الذي قص شعر شيختين

رغم أن واقعة تعذيب شيخة خنيفرة من طرف باشا المدينة والتي هزت زيان، تتحدث عن شيخة واحدة، إلا أن بعض الكتابات ذهبت إلى أن التعذيب شمل شيختين. وفي هذا الصدد قال عبد الرفيع الجواهري في مقال ساخر على جريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان «تخنفر»، خص فيه بالذكر المغنيتين الشعبيتين اللتين جز باشا المدينة شعرهما وأحرقه في ساحة الباشوية، سرعان ما تفاعلت معه السلطات وأوقفت الباشا المذكور لكن لاحقا سيتم تعيينه واليا.

هي حكاية من الزمن القديم، تلك التي هزت مدينة خنيفرة في بداية التسعينيات، حينما كانت المدينة، كغيرها من مدن المملكة، تستعد للاحتفال بذكرى عيد العرش، الذي كان يتزامن مع ثالث مارس.

ولأن مدينة خنيفرة مشهورة بأغاني الأطلس المتوسط ورقصات شيخاته الشعبية، فقد ارتأى باشا المدينة أن يوجه الدعوة إلى مجموعة من الشيخات الأكثر شهرة في المنطقة لكي تحيي حفلة ثالث مارس داخل قاعة عمالة الإقليم.

وصلت دعوة الباشا إلى شيخة خنيفرة، والحال أن الأمر يتعلق بشيختين، لكن الشيخة «الطباعة» ستفاجئ رجل السلطة حينما اعتذرت عن الحضور ليس لأنها ضد الاحتفال بعيد العرش، ولكن لأنها ملتزمة رفقة فرقتها الشعبية بحفل آخر وتقاضت عنه مقدم أجر.

لم يعجبِ الباشا تبرير شيخة خنيفرة، فأمر بأن تعتقل المجموعة داخل أحد المكاتب لساعات، قبل أن يهتدي رجل السلطة إلى حيلة سيَمنع بها ضيفته من إقامة هذه الحفلات الخاصة، بعد أن رفضتْ إحياء حفلة الباشا.. أمر الأخير بأن يقص شعرها من جذوره، بعد أن أشبعها سبا وركلا، وهو يردد «أوامر باشا خنيفرة لا ترد».

غادرت الشيخة، ومعها أفراد فرقتها، مقر الباشوية وهي في حالة نفسية رهيبة، ولم يعد في إمكانها أن تحضر لإحياء حفلات العيد، وهي على هذه الصورة المشوهة.

كان لا بد لوزير الداخلية، إدريس البصري، أن يتدخل لفهم ما جرى، قبل أن يقرر إعفاء هذا الباشا من مهامه، وتصبح شيخة خنيفرة رمزا من رموز المنطقة، وعنوانا من عناوين الشطط في استعمال السلطة. لكنها ستقرر، بعد ذلك، أن تعتزل الغناء والرقص، وهي التي كانت تفيض حيوية ونشاطا، وكانت من أشهر شيخات الأطلس المتوسط.

الشيخة شامة الزاز تنشط مخيمات المسيرة الخضراء

تفضل شامة الزاز لقب «نجمة الجبل»، لكن الصحافيين يفضلون لقب «أيقونة الطقطوقة الجبلية»، وبين اللقبين توجد مساحة كبيرة من الإبداع. ولدت شامة في بداية الستينات، في وسط متواضع جدا في دوار روف التابع لجماعة سيدي المخفي بإقليم تاونات في قمة جبل يلفها خضرة وجمالا. دخلت المسيد والتحقت بالمدرسة لكنها غادرت الفصل مبكرا بعدما تعرضت لضرب مبرح من أحد المعلمين.

كانت هي وحيدة أسرتها من البنات، قبل أن يتوفى الوالدان، ويتركان شامة في عهدة الزمن، لكن الوالدة أصرت في نهاية حياتها على وضع ابنتها في أحضان آمنة، ووافقت على زواجها من رجل مسن يدعى محمد جعل من شامة زوجته الثانية.

مباشرة بعد فقدان زوجها، قررت شامة المشاركة في المسيرة الخضراء، وتركت ابنيها في عهدة والدتها، التي كانت تود بدورها المشاركة في الحدث، ومع متطوعي المسيرة كشفت عن مواهبها الدفينة حيث نشطت مخيم طرفاية ولفتت انتباه المنظمين لوجود شابة تاوناتية تملك صوتا رخيما وقدرة على استمالة مشاعر المستمعين.

تتذكر الفنانة الشعبية هذه المحطة الهامة في مسارها وتقول: «خلال هذا الحدث الرائع، وفي مدينة طرفاية بالضبط، كنت أشرف على تأطير النساء المتطوعات المنتميات إلى منطقتي نهارا، وأحيي أنشطة ترفيهية لصالحهن مساء. هناك تسرب الحس الموسيقي إلى أعماقي». وتعد مشاركتها في المسيرة الخضراء أعز ذكرى في حياتها.

تعرفت شامة على الفنان محمد العروسي، الذي طور أداءها وأصبح شريك حياتها فنيا، وتعلمت منه مبادئ المهنة، على الرغم من الحصار الذي كان مضروبا على الطاقات النسائية، ومع فرقة العروسي جابت «نجمة الجبل» عشرات الدول وفاقت شهرتها تاونات. لكن وفاة العروسي أثرت سلبا على شامة التي أصبحت تعيش وضعا مزريا ولجأت للغناء في الأعراس لضمان لقمة العيش لأسرتها، خاصة وأن مصاريف إعالة ابنين تجاوزا الثلاثين من العمر ليس بالأمر الهين.

في خريف سنة 2020، توفيت شامة تاركة وراءها رصيدا فنيا تغمره الوطنية.

النيرية.. حاملة لواء الشجعان وسند المقاومين في تادلة وبني ملال

اسمها امباركة بنت حمو البهيشية، وهي شيخة «عدادة» عرفت بأشعارها الحماسية، وهي ناظمة قصيدة الشجعان، التي حولتها إلى نشيد حماسي للمقاتلين المغاربة في مناطق تادلة وبني ملال. عرفت بـ «النيرية» وهذه الكلمة تعني الخشب المحوري المستعمل في النسج اليدوي أو «المنجج» وذلك لصلابتها ودورها المحوري.

يقول الباحث محمد بوخار، في رصده لظاهرة «النيرية»، إنها صاحبة قصيدة «الشجعان» التي تعتبر قمة التراث الغنائي الشعبي البدوي. رددت كلماتها في شتى المناسبات، وفي مختلف القبائل، خصوصا تادلة، وبني ملال، «ولا وجود لتاريخ ميلادها ووفاتها».

أما الرواية الشفوية لأحمد شعيلة الملالي، فتقول بأنها «كانت في بداية التدخل الأجنبي، تركب الحصان، وتحمل إناء مملوءا بماء الحناء. تتبع المقاومين، وتحثهم على مواجهة الجيش الفرنسي المستعمر، ومن تأخر منهم عن الصف الأول، كانت ترش عليه ماء الحناء ليعرف عند القبيلة بأنه تخلى عن موقعه. ولذلك كان الفرسان لا يستطيعون ترك مواقعهم. وكانوا يفضلون أن يلقوا حتفهم في القتال، على أن يرجعوا إلى ذويهم مصبوغين بماء الحناء».

«هذه الوقائع والأحداث أيقظت الشعور السياسي عند عامة الناس، ودفعتهم للتعبير عن موقفهم الشعبي الرافض لهيمنة وقوة المحتل، باستنهاض قيم البطولة والشهامة والفداء، في جو ملحمي، يذكر الأمجاد، والأماكن والأسماء. فكانت قصيدة «الشجعان» أو «النيرية»، أحسن معبر عن هذا الغناء البدوي الشعبي الجديد، الذي اكتسب هويته، واستقل بذاته عن الأغراض الغنائية التقليدية لـ «العيطة» التي كانت سائدة في فترة ما قبل الحماية»، يضيف محمد بوخار.

دعمت «العيطة» الملالية الحركة الوطنية، من خلال مقاطع ترفع المعنويات: «تحزموا كونوا رجالا، ياودي كونوا عوالين، راه الجماعة طلعت للدير، راه المحلة حطت الرحال»، إلى نهاية قطعة «الشجعان»، التي صاغت كلماتها وغنتها امباركة البهيشية، وفي رواية أخرى فالقطعة من أداء فاطمة كوباس نسبة لتسريحة شعرها. وفي الحالتين، فإن المستعمر أدانها بسبب أشعار أغانيها المناهضة له، ولأنها كانت «تجيش» المغاربة ضده، ولم تنل بطاقة مقاومة.

يقول الباحثون في تاريخ المقاومة بتادلة إن المستعمر الفرنسي تنبه لدور الشيخات في حشد عزائم المحاربين، ودعا أتباعه من الخونة إلى التبليغ عن كل من جادت قريحته بشعر الحماسة، حتى لا يسمع في الغزوات إلا صوت البارود.

 

الكلاوي يخصص سجنا للشيخات الخارجات عن نص الولاء

يقول حسن نجمي، الباحث في فن «العيطة»، إنها تعبير عن «وعي فطري حاول مجابهة أهوال السياسة، وهو الذي أدى إلى ميلاد شعر شفوي ظل يخرج من الجراح الفردية والجماعية». ويجمع باقي الباحثين في هذا النوع الطربي على ارتباط «العيطة» بالظاهرة القايدية، خصوصا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من خلال سير مجموعة من القياد في علاقتهم بالشيخات خصوصا.

ويذهب حسن نجمي إلى أن القايد عيسى بن عمر، رغم شخصيته الدموية، فإنه كان شغوفا بفن «العيطة» وأسهم في انتشارها وتطويرها، ويضيف الباحث أن القايد التهامي الكلاوي المزواري «كانت له فرقته من شيخات «العيطة» وأشياخها والتي كانت تؤدي، فضلا عن غناء ذلك، قصائد الملحون».

وأبرز الباحث حسن بحراوي أنه «في سياق تنظيم سلطات الحماية للمهن، عمد الباشا التهامي الكلاوي في مراكش إلى جمع الشيخات وممتهنات البغاء في موقع واحد كان هو ماخور «عرصة الحوتة». كان لهذه المبادرة دور أساسي في الخلط الذي حصل بين الشيخات وممتهنات البغاء».

ومن هنا اقترن اسم الشيخة بالبغاء، على الأقل في محيط الكلاوي، وتحولت نظرة المجتمع إليها من فنانة تلقي الدفء على السهرات بشعرها ورقصها إلى امرأة تبيع جسدها للحصول على لقمة العيش.

لكن النبش في علاقة الكلاوي بالموسيقى، يكشف عن حالة التيه التي عاشها، فهو عاشق بالنهار للموسيقى العربية الفرنسية الكلاسيكية، ومتيم ليلا بالزهو والفرجة مع «ربعات» الشيخات في غناء الحوزي تارة والملحون تارة أخرى.

ومن تجليات هذا التناقض أنه في غضون سنة 1950، قام الباشا التهامي الكلاوي حاكم مدينة مراكش، بالتوقف في العاصمة المصرية القاهرة وهو في طريقه لأداء فريضة الحج ، وذكرت المصادر أنه التقى بسيدة الطرب العربي أم كلثوم في بيت قوت القلوب الدمردشية في القاهرة، ويحتمل أن يكون قد دعاها إلى زيارة مراكش وهو الذي استضاف في نفس المدينة، شارلي شابلن ومغنية الأوبرا إرين شنتال والمغني الفرنسي موريس رافيل وفريد الأطرش وسامية جمال وإسماعيل ياسين ويوسف وهبي، غير أن أم كلثوم لم تلب هذا الطلب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى