«الشريفة» التي خطفت قلب المهدي المنبهي وزير الدفاع وعاشت معه منفاه الاختياري
يمكن أن ننعته بنموذج مطابق لإدريس البصري، لكنه عاش أوج قوته في الفترة التي تلت وفاة الحسن الأول مباشرة. اسمه المهدي المنبهي، وبدأ مساره المهني مع «المخزن» كعامل بسيط، بالكاد يتم تكليفه بمهام السخرة في منزل أقرب رجال الحسن الأول إليه، ويتعلق الأمر بوزير الداخلية القوي «الصدر الأعظم» باحماد.
لم يكن المهدي المنبهي أبدا ليخرج من جلباب القصر الملكي، وكانت أول مرة وضع فيها قدمه بساحة القصر، عندما كان مشغله باحماد مريضا، فكلفه بنقل رسالة إلى القصر الملكي، وألا يضعها إلا في يد ابن الحسن الأول، الذي كان في أول أيامه في الحكم بعد وفاة الحسن الأول مباشرة. وهكذا أصبح المهدي المنبهي هو المراسل والضيف الوحيد الذي يدخل باب القصر الملكي دون أن يستجوبه أحد أو يسأله عن وجهته، ولا يتوقف إلا عند باب عبد العزيز بن الحسن الأول. وهكذا بعد وفاة باحماد مباشرة أصبح المهدي المنبهي وزيرا معنويا لكل الوزارات قبل أن يتم تكليفه بوزارة الدفاع.
زوجة المهدي، والتي كان قد تزوجها عندما أصبح نفوذه يتقوى بعد أن وضع باحماد ثقته الكاملة فيه، كانت هي الأخرى تعتبر سيدة من سيدات المجتمع الفاسي، رغم أن المنبهي، الذي يتحدر من منطقة مراكش، تزوجها بناء على اتفاق قبلي بينه وبعض رجال القبيلة. الطريف في أمر زوجة المهدي المنبهي أنه لم يكن يسمح لأحد بتداول اسمها، وكان يلحقها بحريم القصر بما أنه كان مقربا جدا من المولى عبد العزيز.
وتداولت بعض المصادر الأجنبية التي تناولت حياة المهدي المنبهي عندما تم تكليفه بمهمة دبلوماسية لتهنئة الملك البريطاني فيكتور السابع بمناسبة تنصيبه ملكا على بريطانيا، وهي المهام التي تولاها قرابة سنة 1901، أنه ربط علاقات جيدة مع موظفين في الخارجية، وكانت تلك الرحلة تمهيدا له لكي يربط في ما بعد علاقات قوية مع المفوضية البريطانية في مدينة طنجة، وهكذا أصبحت زوجته التي كانت تلقب بـ«الشريفة» تتمتع بشعبية كبيرة في الدوائر العليا وفي الجلسات الخاصة.
مما كُتب أيضا عن علاقة المهدي المنبهي بزوجته، أنه كان يحبها، لكنه لم يكن يتحدث عن الأمر أمام رجال الدولة من أصدقائه ولا حتى أمام أصدقائه البريطانيين، وكان أيضا يعارض أن يحضر زوجته إلى السهرات التي كان يعقدها البريطانيون، لكنه عرض عليهم أكثر من مرة أن يسمح لزوجته بأن تتعرف على زوجاتهم في حفلات نسائية لا وجود فيها للرجال، على أن تقام الحفلات في منزل المهدي المنبهي.
حازت «الشريفة» شعبية كبيرة في أوساط «الدوائر العليا» بالرغم من أن المنبهي كان يخفيها تماما عن الأنظار، وفي أوج قوته كانت زوجته تدخل في حكم الحريم، حيث الجناح المخصص لحريم القصر الملكي والمحرم دخوله على الرجال والأجانب.
كان الحديث أيضا عن زواج المهدي المنبهي من أخريات، عندما كان القياد والزعماء يخطبون وده قبل أن يسقط من مجده سنة 1903، واستمروا قبل ذلك التاريخ في تقديم الهدايا له، ومن بين الهدايا، كانت تعرض عليه إماء من بنات بعض القبائل ليتزوجهن، لكن السيدة الوحيدة التي استأثرت باهتمام زوجات أصدقائه الإنجليز كانت هي زوجته الأولى التي كانت تجتمع بالأجنبيات رغم أنها لم تكن تتحدث إلا العربية!
تروي بعض المراجع التاريخية أن المدعوات إلى الإقامة الفخمة التي كان يسكن بها المهدي المنبهي، سواء في فاس أو طنجة التي استقر بها في آخر أيام حياته، أصبن بالدهشة في المرة الأولى لجمال زوجة المهدي المنبهي، وكانت بعضهن قد روين لأزواجهن عن جمالها واهتمامها بالحلي والمجوهرات والأثواب النفيسة، ورجحوا أن يكون سبب إخفاء المهدي المنبهي لها عن الناس، غيرته الشديدة.
لكن ما لم تكن تعرفه ضيفات زوجة المنبهي أن الحياة ستكون قاسية عليها في ما بعد، خصوصا عندما خططت الحكومة لإبعاد المنبهي بعد عودته من بريطانيا من أولى مهمة دبلوماسية لتهنئة الملك فيكتور، حيث وجهوا له تهمة تهريب الأموال إلى بريطانيا باتفاق مع أصدقائه البريطانيين واتهموه أيضا بالخيانة، لكن القصر رأى أن يجدد فيه الثقة عندما تمسك ببراءته من التهم، لكنه لم ينجح في إقناع عبد العزيز بالإبقاء عليه وزيرا للدفاع عندما فشل في مواجهة الثورات التي اندلعت في المغرب، سيما ثورة «بوحمارة»، ليجد المهدي المنبهي نفسه مجبرا على مغادرة محيط القصر، رفقة زوجته التي كُتب عليها أن تعيش معه منفاه الاختياري إلى طنجة التي كانت منطقة دولية وقتها، ليستقر بها الاثنان إلى أن توفي المهدي المنبهي سنة 1941، وتعيش بعده «الشريفة» لفترة قصيرة فقط.