شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الشرق الأوسط الجديد

 

محمد إبراهيم الدسوقي

 

يبدو أن الولايات المتحدة أعيتها الحيلة، نظرا إلى فشلها حتى الآن في وقف دوامة العنف الإسرائيلية التي تدفع بالشرق الأوسط نحو سيناريوهات لا تبشر بأي خير، وتسخين جبهاته في وقت تشعر فيه بأن نفوذها يتراجع فيه، وتعتقد أنها لا تستطيع تحمل مزيد من الضغوط على قواتها بالعراق وسوريا التي تعرضت لما يزيد على 150 هجوما منذ تفجر أحداث السابع من أكتوبر. وبدأت تطفو على السطح مؤشرات يظهر من خلالها أنها بصدد إدخال تعديلات على سياساتها غير الموفقة والفاشلة بالشرق الأوسط، الذي تسعى إلى إعادة هندسته ورسم خريطته، وفقا لرؤية ملخصها: «إن ما أفسده الشرق الأوسط يصلحه أهل الشرق الأوسط».. وطبعا، دون التقليل من دعمها ورعايتها لإسرائيل ومصالحها، أو الانسحاب الكامل منها سياسيا وعسكريا، فهي تود من قيادات المنطقة الاضطلاع بالعبء الأكبر والأثقل لتهدئة الأجواء بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بغرض إسكات أصوات المدافع، تمهيدا لجلوسهم على مائدة التفاوض.

وبما أن الشكل النهائي لم يتبلور بعد، فإن إدارة «جو بايدن» تقوم حاليا بمحاولات جس نبض، عبر تسريب معلومات لبعض وسائل الإعلام الأمريكية عن تصورات للشرق الأوسط الجديد الذي سيتشكل فور انتهاء حرب غزة، وتتولى الترويج لها، انطلاقا من منصات تحظى بمتابعة واهتمام من الأوساط السياسية والبحثية، ومنها مجلة «فورين أفيرز» الفصلية الرصينة، التي خصصت جزءا كبيرا من أحدث أعدادها لشهر مارس المقبل لنشر عدة تحليلات ومقالات عن حرب غزة.

لفت نظري بهذا العدد مقال مطول بعنوان «الشرق الأوسط وحده يستطيع إصلاح الشرق الأوسط»، تناول بالتفصيل مظاهر الإحباط السائدة من إخفاق واشنطن في ممارسة نفوذها وضغطها على الحكومة الإسرائيلية لوقف آلة الحرب، وتبخر الثقة في قدرتها على فعل ذلك، ودلل المقال على أن كثرة زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين وجولاتهم الشرق أوسطية لم تسفر عن نتائج إيجابية يعتد بها وتؤكد بها جدارتها كقوة عظمى تقدر على فرض كلمتها وإرادتها على أطراف النزاع المعقد، وهذا ما يشي ويدعم أن نفوذها بات محدودا للغاية.

ومما ورد بهذا المقال أيضا أن أمريكا تحس بوطأة عمليات مَن وصفتهم بوكلاء إيران، وتقف عاجزة أمام هجماتهم المتتالية وإعاقتهم لحركة الملاحة في البحر الأحمر، وأن إطالة أمد الحرب ستؤدي إلى انشقاقات واهتزازات أوسع نطاقا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأنها تطمح إلى التخفف من الأعباء الأمنية المنوط بها تحملها بالمنطقة.

بناء عليه، ووفقا للتصور الوارد في «فورين أفيرز»، فإنه يجب على القوى الإقليمية دعم ما تسميه عملية سياسية ذات مغزى بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وتأسيس آليات دائمة لمنع الصراع وتحقيق الهدف الأساسي المتمثل في السلام بين الجانبين المتصارعين، وإعداد ترتيبات أمنية إقليمية جديدة وأقوى بإمكانها تحقيق الاستقرار في هذه البقعة المضطربة من العالم، سواء كانت القيادة الأمريكية حاضرة أو غائبة عن المشهد.

ومن بين اقتراحاتها للترتيبات الأمنية المرغوبة، إقامة «منتدى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الذي يتعين عليه أن يستهل أنشطته بالانخراط في قضايا موضع اتفاق وتوافق، مثل التغير المناخي والطاقة والاستجابة الطارئة للأزمات، وألا يتوسط مباشرة في النزاعات الناشبة في بداياته.. وبعد برهة، باستطاعته مناقشة إعادة إعمار غزة في سياق مسألة الاستجابة الطارئة للأزمات المشار إليها.

وصيغ الاقتراح السالف بحيث تتمتع فيه القوى الكبرى بأدوار محدودة عند تدشينه، لمنع تحول المنتدى إلى ساحة أخرى للتنافس وتصفية الحسابات، مع الإشارة والتأكيد على أن الولايات المتحدة ستظل لاعبا أساسيا بالشرق الأوسط الذي تحجم القوى الأخرى عن التورط الزائد على الحد في شؤونه ومصائبه التي لا تنتهي ولا تخمد نيرانها.

ما فهمته بعد قراءتي المقال هو أن واشنطن تريد شرق أوسط بمواصفات أمريكية خالصة، تمنحها شرطيا محليا يُعهد إليه بمهمة إطفاء الحرائق الناشبة قبل اتساعها، وأنها لا تفكر إلا في ما يعود بالنفع على إسرائيل، ومن ذلك اشتمال الترتيبات الجديدة على استعادة زخم جهود التطبيع بين الدول العربية وتل أبيب، دون أن يُطلب من الطرف الأخير استحقاقات أو التزامات تسهم في إحلال السلام والسكينة بالمنطقة، فإسرائيل متفرغة لإملاء شروطها وطلباتها المجحفة والظالمة ولا تضع حدا لاحتلالها للأراضي الفلسطينية، وقمعها للشعب الفلسطيني الذي يئن من الألم الناتج عن هذا الاحتلال وإطلاقها يد المستوطنين، لذا فإن الحذر واجب مما تخططه أمريكا للشرق الأوسط، ويتحتم إجهاض تدابيرها في مهدها.

 

نافذة:

ما فهمته هو أن واشنطن تريد شرق أوسط بمواصفات أمريكية خالصة تمنحها شرطيا محليا يُعهد إليه بمهمة إطفاء الحرائق الناشبة قبل اتساعها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى