الشبيبات الحزبية ومطالب الإدماج
زكرياء بن الحسين
قرار وضع لوائح للنساء والشباب في الانتخابات، خلص الأحزاب وزعماءها من صداع الرأس الذي كانت تسببه مطالب إدماج عنصري المرأة والشباب في لوائح الترشيح. وسبب صداع الرأس ذاك، أن اللوائح لم تكن تكفي حتى لضم الراغبين في الترشح داخل كل حزب، في ظل إغراقها بالمدفوعين من طرف القيادات، فكيف يمكن ضم امرأة وشاب إلى لائحة مشبعة، خصوصا وأن الاعتبارات التي تؤخذ أثناء وضع اللوائح اعتبارات غير مفهومة سياسيا؟
قرار وضع لوائح للشباب والنساء أثار أيضا كثيرا من النقاش حول الجانب الدستوري للقضية، ومدى وجاهة التمييز، والذي سماه البعض تمييزا إيجابيا لصالح النساء والشباب. لكن، بعيدا عن الكلام الدائر حول شباب الأحزاب والريع السياسي ولا دستورية لائحة الشباب، التي توصل أصحابها إلى البرلمان، وطرق اختيار القيادات الشبابية الحزبية الموازية لأحزابها الأم، يبقى السؤال: ماذا ينتظر الحزب السياسي من شبيبته، وماذا ينتظر المواطن منها؟
يدخل تأسيس الشبيبات وباقي الأذرع الحزبية ضمن سياسة التمدد التي تنهجها الأحزاب كعنوان للحضور السياسي، لكن من الصعب القول إن تلك الشبيبات رافد ديمقراطي داخلي، يكرس الديمقراطية في صفوف الأحزاب السياسية ويحميها من الانحراف، ويضمن التجديد والتجدد الفكري والسياسي. فأغلب تلك الشبيبات، إن لم تكن كلها، لم تنشأ استجابة لضرورة سياسية، مثلا لتلبية حاجة لم تلبها الأحزاب الأم، أو استجابة لشباب حزبي يبحث عن أرضية لتنزيل فكره السياسي، بعد أن ضاقت به التنظيمات التقليدية الموجودة. وهذا تؤكده أيضا بنية الشبيبات السياسية والتنظيمية وخطابها، والأسلوب الذي تدار به شؤونها، والعلاقة بينها وبين الأجهزة الحزبية.
حين نرى كيف تتكون الشبيبات فجأة وتظهر على الساحة وقد حُدد في الكواليس مسؤولوها ونوابهم وباقي القياديين داخلها، وكيف يكون على رأسها في أحيان كثيرة أبناء وأقارب رؤساء الأحزاب وغيرهم من كبار الأعضاء النافذين، ندرك أن الشبيبة لا تمثل صوتا تجديديا أو إصلاحيا أو ثوريا، ولا صوتا للشباب الحزبي داخل التنظيمات، بل تمثل ضمانة لاستمرار الحزب، ليس فقط كتنظيم، بل أيضا كفكر وتصور. فالشبيبة هي التي تحمل فكر الحزب بين الشباب وتنشره وتدافع عنه، وتعلن استعدادها للسير على طريقه حين تتاح لها الفرصة. وهذا يمكن لمسه في خطاب القيادات الشبابية التي تدور دائما في فلك قائد من القيادات وتتماهى معه وتنطق باسمه. والعنصر الضابط هنا هو استحالة المغامرة بحاضر الحزب ومستقبله وعلاقاته وتسليمها إلى شباب غير واضحي الولاء. وعدم المغامرة يعني تحكم كبار الحزب في الشبيبات من حيث النشأة، ومن حيث العقيدة الحزبية.
النتيجة إذاً أن الشباب الحزبي يتوزع بين شباب موال تابع للقيادات، وبين شباب موال تابع لحساسيات أخرى داخل الأحزاب نفسها. وبالنظر إلى غياب الديمقراطية والاختلاف، فلا يمكن توقع إلا استمرار نفس نمط التفكير والسلوك السياسي.
والحالة هاته، تمثل الشبيبات الحزبية وريثا يرث الحزب في الشكل الذي يراد له، وضامنا لاستمراره كما هو لأنه جزء من خريطة سياسية لا يمكن التلاعب بعناصرها، تماما كرقعة الشطرنج.