الشبحية الراقية : سياسيون ونقابيون موظفون أشباح درجة أولى
هل انتهى عهد التفرغ النقابي والسياسي؟
كشفت غيثة مزور، الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أن الإجراءات التي تم اتخاذها لمحاربة الموظفين الأشباح في الإدارات العمومية، أسفرت عن تحريك مسطرة العزل في حق أزيد من 4160 موظفا بسبب التغيب غير المشروع عن العمل خلال 8 سنوات.
لكن الوزيرة قللت من هول الظاهرة، حين أوضحت في جواب عن سؤال أحد البرلمانيين، أن ظاهرة الموظفين الأشباح عرفت تراجعا، حيث انتقل العدد من 674 موظفا سنة 2014، إلى 326 سنة 2020، مشيرة إلى أن هذا العدد يمثل 0.06 في المائة من مجموع الموظفين في مختلف القطاعات البالغ عددهم أزيد من 570 ألفا.
لكن ما تفادته الوزيرة في مداخلاتها، هي فئة الأشباح من الصنف الكبير، أو ما بات يعرف بأشباح درجة أولى، وهم في الغالب من كبار السياسيين والموظفين السامين الذين يناضلون من أجل التمسك بالحق في الأجر حضوريا أوغيابيا.
وتحت ذريعة التفرغ النقابي وصعوبة الجمع بين المسؤوليات النقابية والحزبية الوطنية والإقليمية والعضوية في المجالس الترابية، يجد «المناضلون» فرصتهم لربط علاقة جديدة مع الإدارة أساسها الراتب الشهري. وهو مظهر آخر من مظاهر التردي الأخلاقي وعدم التبني الصادق لشعارات تردد في المؤتمرات الحزبية والتجمعات النقابية، والإصرار على استغلال التفرغ النقابي لقضاء الأغراض الخاصة والاستمتاع بنعمة هذا الامتياز الذي يضرب في العمق مبدأ الأجر مقابل الجهد.
يرى البعض أن المشكل يكمن في الوزراء أنفسهم الذين يقبلون لعب دور الوزير الشبح، الذي نادرا ما تطاله أسئلة البرلمانيين وانتقادات الصحافيين وحراك النقابيين، خاصة حين يتعلق الأمر بأسماء وازنة في عالم السياسة قبلت بحقيبة فارغة وراتب دسم.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار» رصد لأشباح «هاي كلاس».
نبيلة منيب.. مناضلة في صفوف الأشباح
انتشر في الآونة الأخيرة شريط فيديو يكشف عن انتماء نبيلة منيب، زعيمة الحزب الاشتراكي الموحد، لفصيلة الموظفين الأشباح. وكشف التسجيل الذي تم تداوله على نطاق واسع، عن استفادة المناضلة اليسارية من نعمة راتب بلا جهد لمدة تزيد عن 18 سنة، باعتبارها أستاذة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. وقام فصيل طلابي بالتنديد بانتماء نبيلة إلى جيش الأشباح بالنظر إلى مكانتها الاعتبارية كمناضلة يسارية، بل إن بعض الطلاب طالبوها بتبرير الغياب ولو بصورة تزيل اللبس وتظهر فيها نبيلة في مدرج الكلية.
وكانت نبيلة منيب قد عينت أستاذة جامعية واختار زوجها نفس محيط التعليم الجامعي، علما أنها حصلت على شهادة الباكلوريا شعبة العلوم التجريبية في وهران، بحكم أن والدها كان يشغل وظيفة ديبلوماسية في الجزائر. لتتابع دراستها الجامعية في فرنسا شعبة البيولوجيا في مونبوليي، وتعود إلى المغرب متأبطة شهادة خولت لها الحصول على وظيفة في التعليم العالي.
للرد على الاتهام، أصدر الحزب الاشتراكي الموحد بيانا اعتبر فيه ما جاء في الأشرطة المتداولة حول استمتاع نبيلة بنعمة الشبحية، مجرد «إلهاء وتهجم يراد منه الإساءة لسمعة الحزب، وأمينته العامة»، معتبرا حتى الاتهام مجرد بث «إشاعات» بكون نبيلة منيب، من بين الموظفين الأشباح في المؤسسات والإدارات المغربية.
من جهتها، حاولت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، تعزيز موقفها وأكدت على أنها درست حضوريا، حتى في عز «كوفيد 19»، وليس لها ما تبرره، وهو الرد الذي اعتبره أحد الطلاب عذرا أشد من الزلة، على اعتبار أن فترة «كوفيد» تميزت بالتعليم عن بعد، وساءلها عن سر اختراق نظام الحجر الصحي. علما أنها رفضت التلقيح ووجودها في الجامعة حضوريا فيه خطر على الموظفين، إن وجدوا طبعا في هذه الفترة.
وأضافت نبيلة منيب «هذه السنة، سأدرس خلال الأسدس الثاني، وطيلة اشتغالي بكلية العلوم عين الشق بالبيضاء، لم أكتف بالتدريس، بل شاركت في البحث البيداغوجي، والبحث العلمي، ومثلت الأساتذة لسنوات داخل مجلس الكلية، ومجلس الجامعة، وداخل النقابة الوطنية للتعليم العالي، محليا، ووطنيا»، بمعنى أنها مستفيدة ضمنيا من التفرغ النقابي، على اعتبار أنها عضو بالمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي، والأمينة الجهوية له في الدار البيضاء.
تعترف نبيلة في أحد حواراتها السابقة بأنها كانت تنفق كثيرا من أجل نمط العيش الذي كان مختلفا نوعا ما، إذ لم تكن أسرتها توفر الدرهم الأبيض لليوم الأسود، «ترعرعت في بيت والدتي رحمها الله لما كانت ترتدي في البيت أجمل ما لديها لتجالسنا نحن الأبناء، وكانت الأكثر أناقة، وأنا مدينة لها بتلقيني تلك التفاصيل وفلسفتها في الحياة وحب العيش، ومازلت أتذكر ترديدها للمثل المغربي الذي يقول: «لهلا يخلي لبومارت ما يورث»، كما ورد في إحدى لقاءاتها الصحفية، التي تحاول من خلالها التمرد على نظرية تجعل اليسار مرادفا للفقر.
شباط.. استفاد من راتب البرلمان وهو في المهجر
حين غادر حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، المغرب في رحلة طويلة قادته إلى ألمانيا وتركيا، ظل كرسي القيادي السياسي والنقابي شاغرا في البرلمان، وكشفت الجريدة الرسمية للمؤسسة التشريعية في أحد أعدادها تفاصيل الغياب غير المبرر، إلا أنه ظل يتقاضى شهريا ثلاث ملايين ونصف سنتيم دون أن يقوم بمهامه البرلمانية، أو يقوم بها «عن بعد».
ظلت المصالح المالية للبرلمان تضخ الراتب الشهري في الحساب البنكي لشباط، إلى حين عودة الأمين العام السابق لحزب الاستقلال والنائب البرلماني إلى المغرب، بعد غياب دام لأكثر من سنتين عن الساحة المغربية سياسيا وإعلاميا.
تصدر الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، قائمة البرلمانيين الأشباح، لغياباته المتكررة عن الجلسات العامة بمجلس النواب، دون أن يمتد مقص الاقتطاع للتحويلات البنكية، في الوقت الذي أعلن فيه قرار لمجلس النواب عن اقتطاع مبلغ مالي من التعويضات الشهرية للمتغيبين حسب الأيام التي تغيبوا فيها، وهو القرار الذي استثنى حميد لأنه يملك لوائح الأشباح الذين لا يكلفون أنفسهم عناء ولوج البرلمان، ويجعلها ورقة للضغط.
وحسب الجريدة الرسمية عدد 103-12، التي أورد بها مجلس النواب أسماء المتغيبين للمرة الثالثة عشرة، فقد تغيب شباط عن جلسات كثيرة عام 2019، حيث تبين أن العمدة السابق لفاس ظل يتغيب باستمرار ولم يسجل حضوره إلا في جلسة الافتتاح.
بالرغم من كل هذا ظل مكتب المجلس عاجزا عن اتخاذ قرار في حق شباط بسبب ضغوطات حزب الاستقلال، حين كان زعيما للتنظيم الحزبي في تلك الفترة، حيث ضغط الفريق النيابي بقوة كي لا يتم مس الامتيازات المالية للرجل.
لكن المثير في ظاهرة البرلمانيين الأشباح هو وجود فئة تنتمي لليسار وتصر في خرجاتها الإعلامية ووقفاتها في الحراك على ترديد شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة، بل إن الجريدة الرسمية التي حملت أسماء ممثلي الأمة الأشباح، تضمنت اسم أحمد الغزوي التقدمي وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادي، والاتحادي محمد الزهراوي المتغيب المسؤول ضمن لجنة «مراقبة المالية العامة».
حين أنشأ شباط «التكتل من أجل الديمقراطية»، تحدث في المؤتمر التأسيسي عن هذا الإطار الجمعوي الذي لا علاقة له بحزب جبهة القوى الديمقراطية الذي انتقل إليه شباط على «سبيل الإعارة»، وقال: «إن زمن المحاسبة قد حان وأن ساعة الحكامة قد دقت».
حين أطلق الاتحاديون على اليازغي لقب مول «الصاكادو»
ظل المقر المركزي لحزب الاتحاد الاشتراكي بحي الرياض بالعاصمة الرباط يهتز احتجاجا على حصيلة الحزب من الحقائب التي ينالها حزب المهدي بن بركة، وظلت الاجتماعات تصب في محاكمة الكاتب العام على سوء تدبير المفاوضات مع رؤساء الحكومة، وهو ما حصل أيضا مع الكاتب العام إدريس لشكر.
لكن أصعب المحاكمات طالت محمد اليازغي، بعد مفاوضاته مع عباس الفاسي، حين كان يختار تشكيلة وزراء حكومته، حيث حصل على حقيبة دون مهام وأصبح في عهده «وزير دولة». لم يتردد الاتحاديون في وصفها بـ «الصاكادو»، في إشارة إلى أنها حقيبة فارغة، لأنها بدون مهام ولا مسؤولية، لكنها براتب دسم.
يعترف الاتحاديون في قرارات أنفسهم بأنهم خسروا القوات الشعبية حينما قبلوا بالمشاركة في حكومات إدريس جطو، التي لم تحترم المنهجية الديمقراطية عندما بوأت صناديق الاقتراع حزب المهدي وعمر الصف الأول، وهو خارج من تجربة التناوب التي قادها كاتبهم الأول عبد الرحمان اليوسفي، وخسروا أكثر حينما شاركوا في حكومة عباس الفاسي، لكن الخسارة الكبرى حدثت لأن الكاتب الأول للحزب وقتها محمد اليازغي، قبل أن يكون وزيرا بدون حقيبة.
لقد قبل اليازغي، الكاتب الأول للاتحاد، أن يعين في منصب للترضية السياسية ويصبح وزير دولة في حكومة عباس الفاسي، مما يعني أنه اقتنع بأن يكون وزيرا بدون حقيبة. لذلك طالبت القواعد بإبعاده من مهامه على رأس حزب القوات الشعبية، بعد أن دفع لتقديم استقالته، ليفسح المجال لعبد الواحد الراضي، ما دفع الحزب إلى العيش على إيقاع التصدع والخلاف، لينتهي في عهدة لشكر.
هناك شبه إجماع على الصيغة التي ظلت توظف لاستقطاب زعيم سياسي لكسر شوكته، أو لإشراكه في تدبير الشأن العام والعمل على إخراجه من صفوف المعارضة، وتليين مواقفه ولسانه. فمنذ أول حكومة قادها امبارك البكاي، نكتشف كيف أن تجربة وزراء الدولة، أو وزراء بدون حقيبة، كانت حاضرة مع مطلع الاستقلال.
ففي أول حكومة ما بعد الاستقلال، التي قادها امبارك البكاي، انتهت التوافقات لكي تضم أربعة وزراء دولة دفعة واحدة، وهم الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، قبل أن يتولى في حكومة عبد الله إبراهيم بعد ذلك، حقيبة الاقتصاد والمالية، وإدريس المحمدي، ومحمد الشرقاوي، وأحمد رضا اكديرة.
وعلى الرغم من كل هذه السلط الرمزية التي تعطى لوزير الدولة، إلا أنه يعيش بدون فريق عمل، ولا مقر للاشتغال، ولا ميزانية قارة توضع تحت تصرفه. لذلك كثيرا ما ظل تحت رحمة الوزير الأول في التجارب السابقة، واليوم هو تحت رحمة رئيس الوزراء.
زوجة وزير تعفي نفسها من القسم وتتمسك بالراتب
باسم الالتزام النقابي، تمكنت زوجة الوزير السابق عبد السلام الصديقي، التي كانت تعمل كأستاذة للتعليم الابتدائي بمدينة مكناس من الحصول على صفة التفرغ النقابي، بنقابة الاتحاد المغربي للشغل، رغم كونها حديثة الانضمام للنقابة المذكورة ولا تتولى أية مهام نقابية قيادية تتيح لها «حق» التفرغ.
وتناقلت الصحف الخبر، استنادا إلى مصادرها النقابية بأن زوجة عبد السلام الصديقي وزير التشغيل سابقا حصلت على تفرغ نقابي باسم نفس نقابة مخاريق من وزارة التربية الوطنية، وهو ما أثار غضب قيادات نقابية بنفس التنظيم، بل إن قيادات بالنقابة، أكملوا عقودا من الزمن بالنقابة ولم يتمكنوا من الحصول على امتياز التفرغ النقابي، مؤكدين أن المدرسة المعنية قد حصلت عليه، فقط لكون زوجها كان وزير التشغيل، واستغلت فرصة قرب نهاية الولاية الحكومية، للهروب مما أصبح يسمى «كشف لائحة الموظفين الأشباح» حيث يتوالى غيابها عن مركز عملها بمكناس وهي التي تقطن خارج المدينة وتحديدا في القنيطرة وتتوصل براتبها الشهري دون أن تؤدي أي وظيفة.
حصل هذا في عهد حكومة بن كيران، ما أدخلها في نفق الإحراج من جديد، لاسيما وأن الوزير يساري اللون، ويشغل منصبا يجمع بين التشغيل والشؤون الاجتماعية.
واستغربت المصادر ذاتها لهذا الريع المتمثل في التفرغ، في وقت يوجد فيه كتاب عامون لجامعات وطنية لم يحصلوا على التفرغ النقابي منذ سنين، فضلا عن وجود أعضاء قياديين بالنقابة مند 20 سنة ولهم صفات تمثيلية داخل المكاتب الوطنية للقطاعات النقابية المنضوية تحت لواء المركزية النقابية، لكنهم لم يحصلوا على هذا الامتياز الذي حظيت به حرم الصديقي.
وكان الصديقي قد دخل دائرة القرار السياسي في الحزب متأخرا، إذ لم يصبح عضوا في الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إلا في شهر ماي 2010، وفي 2011 عين كمنسق للجنة التحضير للبرنامج الانتخابي لحزب التقدم والاشتراكية. دون أن يتمكن من الظفر بمقعد انتخابي في مسقط رأسه، وهو ما دفعه إلى تغيير خطة البحث عن صفة برلماني، كما عمل متعاونا مع صحيفة البيان لسان حال حزب التقدم والاشتراكية.
المالكي يصنف عمدة الرباط السابق في خانة الأشباح
في فترة ولايته، تحول محمد الصديقي، النائب عن حزب العدالة والتنمية وعمدة الرباط سابقا، إلى برلماني شبح. وكان الحبيب المالكي، رئيس الغرفة الأولى، قد فجر هذه القضية حين راسل إدريس الأزمي، رئيس فريق «المصباح»، سابقا بشأن الغياب المتكرر للعمدة عن جلسات البرلمان، قبل أن يلجأ إلى التشهير به وتلاوة اسمه خلال الجلسات العامة، كما ينص على ذلك النظام الداخلي لمجلس النواب.
نشر المالكي اسم البرلماني الصديقي على صدر صفحات الجريدة الرسمية للبرلمان، بسبب الغياب غير المبرر للعمدة الذي يعاقب موظفيه عن الغياب. كما لجأ المالكي إلى تحريك مسطرة الاقتطاع من تعويضات عمدة العاصمة، الذي تحول إلى برلماني شبح، خصوصا داخل أنشطة اللجان.
تعددت أشباح العدالة والتنمية، إذ أشارت «الأخبار» إلى أن قياديا وبرلمانيا سابقا بحزب العدالة والتنمية تحول إلى موظف شبح بوزارة المرأة والأسرة والتضامن الاجتماعي، بعدما طلب انتقاله من منصبه بالمجلس الإقليمي للقنيطرة إلى وزارة بسيمة الحقاوي، (حين كانت وزيرة للقطاع الاجتماعي)، بعدما ثارت حوله ضجة لكونه موظفا شبحا مما دفعه إلى طلب مساعدة عضو بالمجلس الإقليمي الذي كان خصما سياسيا له، وأيضا كان يحرض ضده كونه موظفا شبحا بجماعة الحدادة.
وأكدت أخبار من الوزارة أن موظفين بديوان الحقاوي كانوا قد عبروا عن امتعاضهم من إلحاق الموظف بوزارتها بسبب عدم قيامه بواجبه وغيابه المتتالي، ونادرا ما يلتحق بعمله.
وأفادت مصادر الجريدة بأن الموظف المقرب من مسؤولين بقسم الشؤون الداخلية بالقنيطرة بحكم منصبه في العمالة، عمد إلى الالتحاق بوزارة الحقاوي للابتعاد عن الأنظار والتغطية على وظيفته الشبح، حتى يتفرغ للعمل السياسي في خرق لمبادئ وشعارات الحزب والحصول على أجر بدون عمل.
وكشفت مصادر من البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية، أن الموظف الشبح بعدما فقد موقعه التنظيمي ومنصبه البرلماني، حاول تحسين صورته وسمعته داخل الحزب من أجل استرداد منصبه على حساب التفرغ الوظيفي.
وتساءل أعضاء بحزب «البيجيدي» عن الجدوى من مغادرة البرلماني السابق لمنصبه الوظيفي والتحاقه بالوزارة بالرباط، رغم أن عمله يوجد بالقرب من مسكنه، فيما أن الوظيفة بوزارة بسيمة الحقاوي لها انعكاسات سلبية نظرا لمصاريف التنقل وغيرها.
وفي زمن رئيس مجلس المستشارين السابق حكيم بنشماش، توصل هذا الأخير بطلب من وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المصطفى الرميد، يلتمس قبول وضع موظف شبح رهن إشارة وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان لكي يشتغل بها خبيرا في مجال حقوق الإنسان.
واستغرب أعضاء مكتب مجلس المستشارين، في اجتماعهم، لهذا الطلب كون المعني بالأمر موظفا كثير التغيب بالغرفة الثانية، ولم يسبق له خلال العقد الأخير أن مارس أية مهام باستثناء تكليفه من طرف الكاتب العام للغرفة الثانية بتقديم العون في إعداد بعض الندوات. وسبق لرئيس المجلس مراسلته بسبب التغيب غير المشروع، وتقرر التشطيب على اسمه من لوائح المنح مع مجموعة من الموظفين الأشباح من الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والاستقلال.
التفرغ النقابي.. الممر الآمن للأشباح «المناضلين»
يعتبر التفرغ النقابي واحدة من هذه الظواهر والتي أصبحت مألوفة في الوظيفة العمومية والقطاع الخاص، وتحظى بهالة من المصداقية والتشريف وتتعالى عن أي محاسبة، بل هي ريع يمنحه زعماء العمل النقابي لمن يلمسون فيهم القدرة على النضال وراء القيادي وصيانة استمراره على رأس النقابة.
يقول الباحث فؤاد أجحا، إن المتفرغ النقابي موظف شبح، «ينتمي إلى عالم الموظفين الأشباح الذين يثقلون كاهل موازنة بنك المغرب دون أن يستفيد منهم الوطن. عادة نتحدث عن الموظفين الأشباح وكأنهم فقط أُناس ينتمون إلى الوظيفة العمومية ولا يباشرون وظائفهم بسبب كسلهم أو استهتارهم بمسؤولياتهم أو لأن لهم روابط عائلية أو ولاءات داخل الإدارة العمومية تجنبهم المتابعة والاستفسار. والحال أن الحكاية أبعد مما نظن، فكثير من المحاولات الحكومية فشلت في الحد من هذا الشبح ومحاصرته لأنها اصطدمت بالحائط العالي، لاسيما إذا كان الشبح خياط «يفصل» مكاتب الفروع النقابية بالشكل الذي يثلج صدر الديناصورات النقابية، لينال بدوره ثقتهم ومباركتهم حتى يظل ويستمر في تفرغه لخدمة النقابة».
ويعتبر التفرغ النقابي جزءا من منظومة الريع التي يعاني منها المغرب، فهذه الوظيفة تمول من المال العام ومن أموال دافعي الضرائب، وليس من خزينة النقابات التي يشتغل لحسابها المتفرغون النقابيون. بينما يرى بعض المحللين للشأن العمالي، أن التفرغ النقابي يندرج ضمن لائحة رخص الامتياز شأنه في ذلك شأن رخص النقل والمقالع والتسويق «أما الجانب الآخر فيتمثل في كون المتفرغ النقابي يتحول إلى بارون القطاع النقابي وتتحول النقابة التي ينتمي إليها، والتي هي ملك عام، إلى ضيعة يتصرف فيها كما يحلو له وبلا لجام يلجمه، وكم من متفرغ نقابي انتقل من موظف بسيط إلى مليونير صاحب أملاك ومشاريع ونفوذ»، يضيف نفس الباحث.
من جانبها ترى الأسرة النقابية في التفرغ النقابي إحدى مكتسبات الحركة النقابية المغربية، وهو ذات الرأي الذي يقتنع به المتفرغون النقابيون ويمثل لديهم مصدر المشروعية لممارسة هذا النشاط بكامل الاطمئنان، والأغرب في الأمر أن يكون أشباح ضمن جلسات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية.
لذلك يكون لزاما على الأحزاب السياسية المنادية بتخليق الحياة العامة مراجعة موقفها من مسألة التفرغ النقابي وأن تتحلى بالجرأة لتطهير أروقتها من المتفرغين النقابيين ودعوتهم إلى العودة إلى مواقعهم الأصلية، فالعمل النقابي مجهود نضالي صرف من ملحقات المهنة وليس مهنة يزاولها المناضل من أجل قوت يومه. العيب ليس في المتفرغين النقابيين بل العيب في الهيئات السياسية التي تتبنى ظاهرة التفرغ النقابي في الوقت الذي لا تكل فيه من توجيه جميع سهام النقد إلى منظومة الريـع والفساد السياسي وهدر المال العام ونسيت الحكمة التي تقول : إن من يسكن دارا من زجاج لا ينبغي له قذف الناس بالحجارة.
و ليس المقصود من توجيه النقد إلى التفرغ النقابي هو رفض هذا الشكل من الأنشطة بإطلاق، لكن المرفوض هو استعمال الواجهة النضالية لشرعنة الفساد والمساهمة في ترسيم وتعميم منظومة الـرِّيـع مِنْ جهة مَنْ يُنْتَظَرُ منه أن يكون في مقدمة المناهضين لاستغلال الملك العام في الصراع الاجتماعي وعلى رأس المحاربين لظاهرة الموظفين الأشباح، بل إنني أُثمن كل مبادرة من طرف النقابات والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية للمساهمة في امتصاص البطالة بتشغيل الشباب في الاحتراف النقابي والسياسي والجمعوي على حساب ميزانيتها الخاصة وليس من خلال الميزانية العامة للدولة، بهذا الشكل تتوفر إمكانية المتابعة والمحاسبة في حق هؤلاء الاحترافيين وفي المقابل يتحسن آداء تلك الإطارات المُشغِلة و تُعَمَّمُ الفائدة، وبهذا الشكل أيضا تصون استقلالية قراراتها ومواقفها وكرامة مناضليها.