شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الشباب الذين صاروا شيوخا

 

مقالات ذات صلة

 

يونس جنوحي

كلما أعلنت دولة تخليها عن الاعتراف بأطروحة الانفصال، إلا وضاق الخناق على المروجين لأسطورة دولة الوهم، ليس لتخلي المجتمع الدولي عن دعم الانفصال بالضرورة، ولكن لأن الذين أسسوا لهذه الفكرة، رحلوا جميعا دون أن يضعوا لبنة واحدة يمكن استثمارها من طرف الذين يمثلون هذا الطرح.

في أمريكا اللاتينية، معقل الثورات والأنظمة الداعمة للانفصال، لا توجد دولة مؤثرة تدعم الانفصاليين. وبعد أن كانت رحلاتهم إلى هناك لا تتوقف قبل أربعين عاما، ليس هناك حكومة واحدة في أمريكا الجنوبية تؤيد الانفصاليين.

حتى أن بعض التقارير تناولت واقعة إحراج غالي الذي باعه زملاؤه رخيصا، ورُفض طلب استقباله في زيارات غير رسمية. الخلاصة، لم يعد هناك وزير واحد في العالم قد يستقبل إبراهيم غالي ومن معه.

والدولة الوحيدة التي قد تستقبله وتنظم له حفل عشاء في “الشيراتون” هي الجزائر، شريطة عدم استدعاء الصحافة، حتى لا يكبر الموضوع، خصوصا وأن الدول العربية لا تعترف بالبوليساريو، والتقارير الأمنية الصادرة منذ 2017 تؤكد وجود أنشطة إرهابية استغلت بعض المعابر في الصحراء لتهريب السلاح والجماعات المسلحة من جنوب الصحراء لكي يشاركوا في القتال بسوريا نظام الأسد.

في كوبا، حيث كان الانفصاليون يذهبون للتزود بجرعات من الأمل في إقامة دولة يوما ما في الصحراء، لم يعد أحد يرغب في استقبال غالي أو من يمثله. وحتى لو ذهب إلى هناك لن يستقبله حتى رئيس جمعية لتعليم الأطفال رياضة “الكاراتيه”، فما بالك بمسؤول منتخب يمثل المواطنين أو الحكومة.

جزيرة الشباب الكوبية، التي تحدثت عنها الصحافة الأمريكية أخيرا، لفتت الانتباه إلى الاستثمار الذي سيعُمّها خصوصا بعد عودة الدفء في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا. وكُتبت مقالات منذ 2015 تتحدث عن حُلم بعث جزيرة الشباب أو “خوفينتود”، وجعلها وجهة سياحية دولية.

ما تخفيه هذه الجزيرة أكثر مما تُبديه لزوارها. منذ بداية السبعينيات، كان زعيم البوليساريو السابق، محمد عبد العزيز المراكشي، قد اتفق مع مسؤولي كوبا، لكي ينقلوا أطفالا من الصحراء لكي يتم تكوينهم في كوبا على أسس النظام الثوري المعادي للغرب، ويلقنهم مبادئ الثورة.

لكن ما وقع أن أولئك الأطفال صاروا شبابا، ولم يتعلموا هناك سوى الإسبانية، دون حتى أن يتمكن أغلبهم من الرحيل إلى إسبانيا، بحثا عن مستقبل ما على الأقل. الطريقة التي نُقل بها هؤلاء المغاربة الصحراويون إلى الجزيرة إياها، تخرق كل الاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الانسان.

وبينهم أطفال كانوا يلعبون في الشارع بالقرب من منازلهم في مدن صحراوية مغربية وليس في مخيم تندوف مثلا، وجرى اختطافهم في وضح النهار ولم تبلغ عائلاتهم حتى بالوجهة التي أخذوا إليها، وشُحنوا مثل البضائع في طائرة كوبية، ونُقلوا إلى جزيرة الشباب.

شاخت الجزيرة، وبات الحُلم اليوم غير حُلم ثورة السبعينيات. شاخ رموز الجيش وجاء محلهم آخرون، وتغيرت العقليات في كوبا، وبات الفقر العدو الأول للمواطنين وليس أمريكا كما كان يُلقنهم زعماؤهم في الخطابات الثورية الحالمة.

عندما عاد الدفء في العلاقات بين كوبا وواشنطن قبل عشر سنوات من الآن، عقد الكثيرون الأمل على أن تصبح جزيرة الشباب مكانا جغرافيا بملامح جديدة، بعيدا تماما عن مصير “غوانتانامو” التي حصلت عليها أمريكا وبنت فوق ترابها السجن الشهير الذي نُقل إليه معتقلو اجتياح العراق.

جزيرة الشباب مكان سياحي لا يصلح سوى لإقامة المنتجعات السياحية. لكن واقع الأمر يؤكد أن الثقل التاريخي الذي ألقى ظله على الجزيرة منذ عقود خلت، لا يزال يخيم عليها إلى اليوم. حتى أن الشباب الذين سُميت الجزيرة باسمهم، صاروا شيوخا يترددون على الأطباء المحليين للعلاج من البرد وآلام المفاصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى