السيد «فاعل خير»
أمر ما، يصعب تحديده في الحقيقة، يجعلك غير قادر على استيعاب كيف أن رجل أعمال، أو بدون أعمال، يهتم كثيرا بالتنظير في السياسة والتعليق على ما يقع في البلاد من أحداث. لا يمكن أن تُجاوز بين الاثنين هكذا في سبيل الله.
منذ اليوم الذي بدأت فيه السياسة الرسمية في المغرب، أي في إطار «الحزب»، والسياسيون يولدون بعيدا عن المال والسلطة أيضا، ويصعدون من واقع الوعي السياسي نحو الرغبة في الممارسة أو التكريس لواقع سياسي جديد في المغرب.
كان هذا، بطبيعة الحال، قبل أن يوجد شيء اسمه البرلمان والتعويضات عن التنقل، وقبل أن توجد الوزارة وشيء اسمه التعويض عن الأواني المعدنية أو الزجاجية.
لحد الآن، لم أفهم العلاقة بين خزانة الأواني المنزلية والمهام الوزارية، وكيف يتلقى الوزراء تعويضات عنها دون أن يرف لهم جفن، وفي الأخير يخبطون الطاولات أمام الصحافة وهم يتحدثون عن الأزمات التي تهدد البلاد وارتفاع المديونية، وكل المواضيع التي يمكن الحديث فيها دون التوفر على معطيات.
من السهل جدا أن تتحدث في كل شيء. لا تحتاج في الأخير إلا لأدوات الربط والقليل من اللغة والثقة التي تسمو لدرجة الوقاحة.
نعود إلى السياسيين، ما دمنا قد بدأنا الحديث بهم. منذ اليوم الذي دخل فيه أصحاب المال إلى السياسة، وهي تتدحرج إلى الوراء تاركة المجال للذين لا يهمهم من دخول عالم السياسة إلا الوصول إلى الامتيازات ونسج العلاقات لتطوير أرقام حساباتهم البنكية.
هناك قصص كثيرة للنجاح المالي في المغرب، لكنها ليست سليمة، وبعضها غير شريف أيضا. «الحلم المغربي»، على غرار «الحلم الأمريكي»، يشتركان في التسمية فقط. ففي أمريكا ينجح الناس إما بضربة حظ أو جرعة زائدة من الذكاء، يغتنون بسبب ابتكار أو فكرة جديدة. في المغرب، يكون اغتناء الكثيرين مباشرة بعد المغادرة الطوعية لمكاتبهم في الإدارات العمومية، وبعد ذلك تحوم حولهم الشبهات بسبب الصفقات المشبوهة، والعلاقات غير البريئة بمسؤولين سابقين في الدولة. يفتحون حسابات بنكية كثيرة ويُقبلون على كل شيء ولا يتهربون إلا من أداء الضرائب. عندما يصلون قمة مجدهم المالي، يشرعون في التماس النقص الوحيد المتمثل في الجمجمة التي يحملونها بين أكتافهم. وهكذا يمولون الجرائد ويشترون المقالات ويوقعونها بأسمائهم رغم أن آخر شيء كتبوه، كان شهادة طبية من تلك التي يدمن عدد كبير من الموظفين المغاربة، في القطاعات العمومية، بطبيعة الحال، وضعها فوق مكتب مدير الموارد البشرية لتبرير ساعات الغياب التي تفوق ساعات عملهم الرسمية بكثير، ورغم ذلك يحصلون على أجورهم من الدولة. في تلك المقالات يدعون دائما لمحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة والنهوض بالقطاع القروي، وقد يقرؤون في مكان ما عن يوم بدون سيارات حفاظا على البيئة، فيركبون سياراتهم إلى البرلمان، ويطالبون في مداخلة بيوم بدون سيارات، ويحدث أن يكون أحدهم يملك مصنعا لتذويب «الميكا» في عين السبع مثلا، ينفث يوميا لوحده ما تصدره مليون سيارة من الدخان إلى السماء.
يصعب جدا أن تتبين واقع السياسة في المغرب إذا بقيت هكذا، مخترقة من قِبل أصحاب النيات السيئة الذين تجاوزوا الآن مرحلة «الشفوي»، وأصبحوا بكل وقاحة يعلنون عن رغبتهم في اقتحام عالم الأفكار أيضا. هكذا تكون النتيجة مضحكة.. عالم جديد من المقالات المكتوبة بلغة إنشائية رديئة، يطالب فيها أصحابها، أو الذين كتبوها لهم في الحقيقة، بالقطع مع الأساليب القديمة، رغم أنها هي التي أوصلتهم إلى السياسة، والتأسيس لما يسمونه «دمقرطة» الحياة السياسية. بقي فقط أن يمتلكوا الجرأة لتوقيع مقالاتهم باسم «فاعل خير»، وليس بأسمائهم، ما دامت قد كُتبت لهم في الخفاء.