يونس جنوحي
حتى أسوأ المخرجين السينمائيين في فرنسا، وأفقرهم خيالا، لم يكن ليتصور المشاهد التي وُثقت هذه الأيام للمواطنين الفرنسيين وهم يسرقون محلات «الماركات» العالمية.
ما خطب الفرنسيين؟
طيلة قرن من الزمن، وربما أكثر، لم نستطع بصفتنا شعوبا سبق لفرنسا احتلالها، أن نُجيب عن هذا السؤال.
الفرنسيون شعب بتركيبة عصية على الفهم. يتهمون مواطني «العالم الثالث» بأنهم وراء كل مشاكل فرنسا، الاقتصادية على وجه الخصوص، ويُحملونهم مسؤولية كل ما وقع وما سوف يقع في البلاد، من تجاوزات.
حتى رؤساء الجمهورية المتعاقبون، عندما تُريد الصحافة الفرنسية الانتقام منهم بعد انتهاء ولايتهم، يكفي أن تقدم هذه الصحف للرأي العام أي شيء يتعلق بزيارة الرئيس إلى بلد إفريقي ولقاءه بشخصيات «ديكتاتورية»، أو حصول هذا الرئيس على أموال من «القذافي» مثلا، تماما مثل ما وقع مع «ساركوزي».
إذ إن الصحافة الفرنسية لم تر في البداية أي مانع من حصول ساركوزي على أموال من القذافي، لكن عندما سقط النظام في ليبيا، وانتهى ساركوزي سياسيا بسنوات طويلة، فجأة أخرجت الصحافة الفرنسية هذا الملف من الرف لتربط بين القذافي وساركوزي. علما أن هذا الأخير لم يكن السياسي الفرنسي الوحيد الذي ربط علاقة شخصية مع القذافي، بل سبقه رؤساء فرنسيون آخرون.
بل إن محللين فرنسيين أكدوا أن رؤساء سابقين لفرنسا حصلوا على أموال مهمة من زعماء أفارقة، وصلوا إلى الحكم بانقلابات عسكرية وتصفيات دموية لمنافسيهم على الحكم.
مشكلة الفرنسيين أنهم لا يرون الحدبة التي توجد وراء ظهورهم، وحتى الذين حاولوا تنبيههم إليها كان مصيرهم الموت.
عندما تأسست جماعة اليد الحمراء في المغرب وفتحت فرعا لها في الدار البيضاء، كما لو أن الأمر يتعلق بفتح فرع لبنك فرنسي في مدينة مغربية، باشرت أولى عمليات الاغتيال التي ركزت على تنحية شخصيات مغربية أشارت بوضوح، في الكتابات الصحافية والتجمعات الخطابية، إلى عيوب فرنسا.
كانت اليد الحمراء وراء اغتيال وطنيين مغاربة لم يكونوا من حملة السلاح، بل من حملة القلم. ودافع صحافيون فرنسيون عن هذه الجماعة الإرهابية، التي أسست فرعا لها في المغرب، بهدف تنفيذ اغتيالات مست مغاربة وفرنسيين شرفاء كانوا في صف القضية المغربية وقتها.
في فرنسا، دائما تُنسب كل أعمال الشغب إلى المهاجرين، لكن الصور التي انتشرت في كل أنحاء العالم، تؤكد كلها أن أغلب المتورطين في أعمال الشغب هم فرنسيون أبا عن جد، يحملون تلك الجينات التي طالما قال عنها الفرنسيون إنها «نقية».
بشرة شاحبة شديدة البياض، وعيون زُرق وخصلات شعر صفراء. ماذا تحتاجون أكثر لكي تتأكدوا أن الذين سرقوا محلات «زارا» ونهبوا عُلب هواتف «الآيفون» ليسوا مهاجرين، وإنما فرنسيون يحملون جوازات سفر فرنسية عليها شعار الجمهورية الخالد الذي ينادي بالمساواة؟
مشكلة فرنسا اليوم ليست شغبا أو تمردا ضد النظام الفرنسي، لمجرد أن الشرطة أطلقت الرصاص على شاب في مقتبل العمر من أصول مغاربية.
مشكلة فرنسا أنها تواجه أزمة اقتصادية خانقة، سببها الأساس استحالة الاستمرار في نهب خيرات القارة الإفريقية بالطريقة نفسها التي نهبت بها كل موارد هذه القارة، قبل قرن من الزمن.
لم يعد ممكنا اغتيال سكان منطقة بأكملها وحفر المناجم وتصدير المعادن بحرا من إفريقيا إلى «مارسيليا»، دون أن يعلم أحد.
هناك اليوم ملايين الغاضبين في إفريقيا، وفي فرنسا أيضا، ينتقمون من أنفسهم أولا، ومن نظام الجمهورية القائم أساسا على «المساواة» والأخوة، يا حسرة.
حتى أن الشعار الفرنسي الخالد هذه الأيام، هو محاولة النجاة من نظام «السيبة» الجديد الذي انتشر في فرنسا حاليا، وطالما عايرت به المغاربة خلال فترة الحماية.