ماريا معلوف
يجمع المراقبون في العالم على أن الديمقراطية الأمريكية تمتلك كل مقومات النجاح والبقاء وأنها الديمقراطية الأمثل في العالم، لكن الإخفاقات التي واجهت السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنتين الماضيتين استدعت طرح التساؤل التالي: هل باتت سياسة أمريكا الخارجية مسلسلا من الإخفاقات، ربما ينتهي بالاضمحلال الكامل وعدم التأثير في قارات العالم؟
الرئيس بايدن وبعض المحيطين حوله يزعمون النجاح في جميع سياساتهم، باستثناء الخارجي منها ويعزون ذلك إلى أن سياستهم الخارجية هي في فترة (مخاض)، في انتظار كيفية معرفة هذا التغير الجذري الذي يواجهه العالم فلا (كورونا) كانت على (البال) ولا الحرب على أوكرانيا كانت في (الخاطر)، بالرغم من وجود تقارير مسبقة عن احتمال شن روسيا لها.. وهنا يرد السؤال.. لماذا أخفق الديمقراطيون في السياسة الخارجية؟ وهل استبدال الجيل الحالي بجيل من الشباب الديمقراطيين على شاكلة (أوباما) سيعيد للسياسة الخارجية الأمريكية بريقها ووهجها؟ في رأيي أن الإجابة بنعم هي الأقرب إلى الصواب.. ذلك أن نجاح الديمقراطيين إن تم في الانتخابات الرئاسية القادمة بوجه جديد يملك من الديناميكية ما يستطيع به مواجهة التحديات التي تمثلها دول، مثل كوريا الشمالية والصين وروسيا وحتى إيران، سيرى معه العالم أن الديمقراطية الأمريكية قادرة على أن تبقى نموذجا يستطيع أن يثبت أنه الديمقراطية المناسبة لكل شعوب الأرض.
هنا في واشنطن تعقد كثير من الندوات حول هذا الشأن، يمكن اختصارها في منطلق واحد.. وهو أن الولايات المتحدة لا يمكنها التدخل في أحداث العالم إلا من توجهات حزبية خالصة، ونلحظ ذلك بوضوح في الانقسام حول معارضة العدوان الروسي على دول أوروبية، فهناك مثلا حوالي 80 في المائة من الديمقراطيين يريدون إعلان الولايات المتحدة مساعدة أوكرانيا على استعادة اراضيها، حتى لو طالت الحرب لسنوات، بينما يرى نصف الجمهوريين أن إنهاء الصراع سريعا جدا، ولو عبر السماح لروسيا باقتطاع بعض الأراضي، أمر يمكن القبول به.
أما إذا نظرنا إلى السياسة الخارجية تجاه الناتو، فهناك أكثر من ثلثي النواب الديمقراطيين يوافقون على أدائه، بينما نرى نصف الجمهوريين فقط يشاركونهم هذا الرأي.
هنا بالقرب من الكابيتول ومنذ سنوات وخلال حوارات كثيرة أجريتها، لاحظت أن هناك عقدة لدى معظم الأمريكيين تتلخص في استغرابهم من عدم نجاحهم في التواصل مع شعوب العالم، وكثير منهم يعزو ذلك إلى تورط أمريكا في كثير من الحروب، وعندما تتم مناقشة هذه النقطة والتي هي (ضرورة التواصل مع العالم)، فإننا نلحظ أن معظم أعضاء الحزب الديمقراطي يفضلون أن يكون بلدهم نشيطا في التدخل في الشؤون العالمية، بخلاف الجمهوريين الذين يرى معظمهم ضرورة الانشغال بالداخل الأمريكي.
أخيرا.. ما هو تأثير ما ذكرناه سابقا على الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ لاشك أن معظم الشخصيات الفاعلة في الحزب الجمهوري باتت تعلن بصراحة تأييدها زيادة التواصل الخارجي مع العالم، ولكن (كل العالم) وليس القضية الأوكرانية فقط، فهم ضد دعم أوكرانيا، لكنهم مع الحرب الاقتصادية على الصين التي أصبحت المحور الأساس في كل الحملات الانتخابية لكل المرشحين من الحزبين، في إشارة لا تخفى دلالتها، وهي أننا نحن الأمريكيون قد أخطأنا كثيرا عندما أغفلنا الشأن الخارجي على حساب الشأن الداخلي، الذي يخص بالأساس كل ولاية على حدة، لكنه بالتأكيد يأخذ حيزا من اهتمامات خارجية قد تؤثر بالطبيعة في اقتصادنا الداخلي.