شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

السيادة الطاقية.. رهان استراتيجي للمغرب

مرشح بقوة لدخول نادي الدول المنتجة للهيدروجين

يواجه المغرب تحديات جديدة للأمن الطاقي في ظل الأزمة الطاقية الحالية، إذ يعاني، بصفته مستورداً لجل حاجياته من المنتجات البترولية المكررة، وبشكل كبير، من آثار هذه الأزمة الطاقية العالمية. ولهذا سارع المغرب إلى اتخاذ عدة تدابير لتعزيز الأمن الطاقي للبلد وتحسين مناعته وتنافسيته الطاقية، من بينها تسريع تطوير الطاقات المتجددة وتعزيز حصتها في المزيج الطاقي، الحل الأمثل للمغرب لمواجهة هذه التحديات المختلفة في إطار استراتيجية الانتقال الطاقي التي سجلت بالفعل، منذ إطلاقها سنة 2009، تقدما كبيرا. وأصبح تطوير الغاز الطبيعي خيارا استراتيجيا للمساهمة في تنويع مصادر الطاقة، على أن المغرب يعمل على تطوير الهيدروجين الأخضر كمشروع واعد لتوليد الطاقة النظيفة. ووفقا لمجلس الطاقة العالمي بألمانيا، تم تصنيف المغرب كواحد من خمسة بلدان تتوفر على أكبر إمكانات لإنتاج وتصدير الجزيئات الخضراء، ويمكن أن يستحوذ على ما يناهز 4 في المائة من سوق الهيدروجين العالمي.

 

إعداد: محمد اليوبي -النعمان اليعلاوي

المغرب مرشح لدخول نادي الدول المنتجة والمصدرة للبترول الأخضر

 

 

أكد التقرير المالي والاقتصادي الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية والمرفق لمشروع قانون المالية، وجود تحديات جديدة للأمن الطاقي في المغرب في ظل الأزمة الطاقية الحالية، مشيرا إلى أن المغرب يعاني بصفته مستوردا لجل حاجياته من المنتجات البترولية المكررة، وبشكل كبير من آثار هذه الأزمة الطاقية العالمية.

وأفاد التقرير بأنه وبالنظر إلى توقعات استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الطاقية على المستوى العالمي، سيما المنتجات المكررة، فإن المغرب مدعو أيضا إلى وضع مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتأمين ولوج اقتصاده إلى تزويد مستمر بموارد الطاقة الأساسية، خاصة المنتجات البترولية المكررة والغاز الطبيعي. وفي هذا الإطار، ومن أجل تأمين احتياجاته من الغاز الطبيعي، تم إبرام اتفاقية ثنائية بين المغرب وإسبانيا والتي تم بدأ العمل بها متم شهر يونيو، وتتعلق بنقل الغاز الطبيعي من إسبانيا إلى المغرب عبر أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، وذلك في إطار علاقات التعاون بين البلدين الجارين.

وأشار التقرير إلى أن المغرب اتخذ عدة تدابير لتعزيز الأمن الطاقي للبلاد وتحسين مناعته وتنافسيته الطاقية، من بينها تسريع تطوير الطاقات المتجددة وتعزيز حصتها في المزيج الطاقي وهو الحل الأمثل للمغرب لمواجهة هذه التحديات المختلفة في إطار استراتيجية الانتقال الطاقي التي سجلت بالفعل منذ إطلاقها سنة 2009 تقدما كبيرا، مبرزا أن تطوير الغاز الطبيعي أصبح خيارا استراتيجيا للمساهمة في تنويع مصادر الطاقة والحد من مشاكل الانقطاعات الناجمة عن الاعتماد المكثف على الكهرباء المتجددة، وكذلك لضمان سلامة تزويد محطات الطاقة الكهربائية المعتمدة على الغاز الطبيعي في تشغيلها.

وفي هذا الإطار، تم في غشت 2021 وضع خارطة طريق وطنية لتطوير الغاز الطبيعي 2021-2050، وتتمحور أهداف هذه الخارطة حول إنشاء سوق منظم للغاز الطبيعي من خلال تحفيز التطور التدريجي للطلب، وتطوير مشروع للبنية التحتية للغاز، وولوج المصنعين وباقي المستهلكين إلى طاقة تنافسية، وكذا تحسين تنافسية المصدرين الصناعيين المغاربة، وتطوير أنشطة إضافية أخرى حول سلسلة الغاز الطبيعي.

وبالإضافة إلى ما سبق، ومن أجل تأمين احتياجاته من الغاز الطبيعي، تم اعتماد مجموعة من التدابير الطموحة، بما في ذلك إنشاء وحدة تخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى غاز، بهدف تأمين تزويد مستمر ومتنوع من الغاز الطبيعي. وعلى المدى الطويل، يتم تنفيذ مشروع ذي أهمية كبيرة يتعلق ببناء خط أنابيب غاز بين المغرب ونيجيريا يقارب طوله 6000 كيلومتر ويمر عبر عشر دول لربطها بالسوق الأوروبية.

ويعمل المغرب، حسب التقرير، على تطوير الهيدروجين الأخضر كمشروع واعد لتوليد الطاقة النظيفة، مؤكدا أن سلاسل الإنتاج المتعلقة بالهيدروجين تفتح آفاقا كبيرة، وأشار التقرير إلى تصنيف المغرب، وفقا لمجلس الطاقة العالمي بألمانيا، كواحد من خمسة بلدان تتوفر على أكبر إمكانات لإنتاج وتصدير الجزيئات الخضراء (الأمونيا والميثانول…). ويمكن أن يستحوذ على ما يناهز 4 في المائة من سوق الهيدروجين العالمي، وفقا لوزارة الطاقة، أو ما يقارب 3 مليارات دولار.

وأوضح التقرير أن هذه التكنولوجيا تتميز بمستقبل واعد، خاصة في مجال التنقل والصناعة. ولا تقتصر مميزاتها على تكلفتها فقط، وإنما تشمل أيضا تأثيرها المنخفض جدا على البيئة مقارنة بالطاقات الأحفورية، ويتطلب تطوير الهيدروجين باعتباره «بترولا أخضر»، مجهودا وطنيا كبيرا للإسراع في دعم المهارات والكفاءات اللازمة لتطوير التقنيات، بالموازاة مع تعزيز التقارب مع الفاعلين المتميزين على المستوى الدولي، وسيمكن تطوير هذا المورد المغرب، على مدى السنوات القليلة المقبلة، من توفير الهيدروجين الأخضر والجزيئات الخضراء لسوقه المحلي وكذلك للخارج، سيما أوروبا.

وفي هذا الإطار، تم إطلاق خارطة طريق للهيدروجين الأخضر في يناير 2021 والتي تفتح آفاقا كبيرة للتصنيع تهم مختلف مراحل سلسلة القيمة، بما فيها تحلية المياه، والطاقات المتجددة (الكهروضوئية والريحية)، والتحليل الكهربائي والكيمياء الخضراء، وستتكلف «اللجنة الوطنية للهيدروجين»، برئاسة وزارة الطاقة والتي تضم جميع الجهات المعنية، بالتنسيق وكذا تنفيذ هذه الخارطة من خلال التطوير التكنولوجي والاستثمارات والبنيات التحتية والأسواق.

ومن بين التدابير المتخذة، تعزيز قدرات التخزين والمخزون الاستراتيجي من المنتجات البترولية على المستوى الوطني، وأكد التقرير  أن المغرب مدعو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتأمين التزويد المستمر لاقتصاده بموارد الطاقة الضرورية، خاصة المنتجات البترولية المكررة. وفي هذا السياق، أصبح من الضروري إنشاء قدرات تخزين جديدة والامتثال للقواعد التنظيمية للمخزون الاستراتيجي، مع التنفيذ التدريجي لاحتياطيات المنتجات الاستراتيجية بطريقة لامركزية، سيما على مستوى مراكز الطلب الرئيسية. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر تنويع مصادر التزويد بالمنتجات الطاقية أمرا ضروريا لمواجهة مختلف المخاطر المحتملة لانقطاع هذه الإمدادات خلال فترات الأزمات.

مجلس الحسابات يوصي ببلورة استراتيجية وطنية للنجاعة الطاقية

حددت الاستراتيجية الطاقية الوطنية 2009-2030 أهدافا رئيسية تمثلت في تأمين الإمدادات وتوفير الطاقة، مع تعميم الولوج إليها بأسعار تنافسية، إضافة إلى ضبط الطلب الطاقي والحفاظ على البيئة. ومن هذا المنطلق، ارتكزت توجهاتها الاستراتيجية بالأساس على الحصول على مزيج طاقي مثالي يقوم علــى خيارات تكنولوجية موثوقة وتنافسية، وتعبئة الموارد الوطنية مــن خلال زيادة حصة الطاقات المتجددة، وجعل النجاعة الطاقية أولوية وطنية، علاوة على تعزيز الاندماج الإقليمي.

ولمواجهة حالة الاستعجال الناتجة عن نقص في القدرات الكهربائية خلال العقد الأول من الألفية الثانية، اعتمدت الاستراتيجية على المدى القصير المخطط الوطني للإجراءات ذات الأولوية (2009- 2013)، الذي كان من بين أهدافه ضمان التوازن بين العرض والطلب على الطاقة الكهربائية، وذلك عن طريق تعزيز القدرات الإنتاجية ببناء محطات كهربائية جديدة وتحسين التدابير المتعلقة بالنجاعة الطاقية، بالإضافة إلى المخطط المذكور آنفا، تضمنت الاستراتيجية مجموعة من المكونات شملت كلا من قطاعات الكهرباء والطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والوقود والمحروقات والطاقة النووية والتنقيب عن الهيدروكاربورات والصخور الزيتية والطاقة الحيوية.

وأبرزت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، الحاجة إلى إرساء رؤية شمولية في مجال التخطيط في قطاع الطاقة، وذكرت خلال جلسة عمومية مشتركة لمجلسي النواب والمستشارين خصصت لتقديم عرض عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم الفترة 2023-2024، أن الاستراتيجية الطاقية الوطنية 2009-2030 تضمنت مجموعة من المكونات الهامة كقطاعات الكهرباء والطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والوقود والمحروقات والطاقة النووية والتنقيب عن الهيدروكربورات والصخور الزيتية والطاقة الحيوية، مشيرة إلى أنه تم تحقيق إنجازات مهمة مكنت من تعزيز مكانة المغرب في مجال الانتقال الطاقي، حيث يحتل الرتبة الرابعة إفريقيا والثالثة عربيا من حيث القدرة المثبتة لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة.

غير أن العدوي سجلت في المقابل، أن بعض الجوانب في هذه الاستراتيجية  «ما زالت في حاجة إلى تحسين، وترتبط أساسا بحكامة القطاع الطاقي وبمدى تحقيق الأهداف المحددة لمختلف مكونات هذه الاستراتيجية»، ولاحظت في هذا الصدد، أن التخطيط الطاقي ركز بشكل أساسي على قطاع الكهرباء، حيث تمت بلورة مخططات التجهيز المرتبطة بتوليد ونقل الطاقة الكهربائية، «في حين لا تشمل هذه العملية جوانب أخرى مهمة كتأمين الإمدادات والنجاعة الطاقية وتنويع مصادر الطاقة، مما يبرز الحاجة إلى إرساء رؤية شمولية في مجال التخطيط في هذا القطاع».

كما أن اللجوء إلى آلية التعاقد بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية لقطاع الطاقة، تضيف الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، «ظل محدودا، وذلك رغم القيام بعدة مبادرات في هذا الاتجاه»، مسجلة أنه منذ سنة 2008، أي قبيل إطلاق الاستراتيجية، تم إبرام عقدي برامج فقط، مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، غطى الأول الفترة 2008-2011، وشمل الثاني الفترة 2014-2017.

وفي ما يتعلق بالإنجازات على مستوى مختلف مكونات الاستراتيجية، أفادت المعطيات المتضمنة في عرض العدوي بأن حصة الطاقات المتجددة في القدرة المثبتة انتقلت من 32 في المائة سنة 2009 إلى 40 في المائة نهاية سنة 2023، وبلغت نسبة 44,3 في المائة في غشت 2024، وقصد بلوغ حصة 52 في المائة كهدف في أفق 2030، اعتبرت العدوي أنه يتعين تسريع وتيرة إنجاز عدد من المشاريع المتعلقة بإنتاج هذه الطاقات، مشيرة على سبيل المثال إلى أنه لم يتم بعد الترخيص لعدد من المشاريع التي تقدم بها القطاع الخاص في إطار القانون رقم 13.09، وذلك نظرا إلى نقص القدرة الاستيعابية لشبكة نقل الكهرباء.

وأكدت في هذا السياق أن بلورة استراتيجية وطنية للنجاعة الطاقية والمصادقة عليها وأجرأتها أضحى ضرورة ملحة، وكذا وضع إطار تحفيزي بهدف تشجيع تدابير النجاعة الطاقية، وأوضحت العدوي أنه على الرغم من أن الاستراتيجية الطاقية الوطنية جعلت من النجاعة الطاقية أولوية وطنية، «فلم يتم اعتماد أي استراتيجية تخص هذا المجال، حيث اتسمت التدابير التي تم تنفيذها بعدم فعاليتها ومحدوديتها. وهكذا لم تتجاوز نسبة اقتصاد الطاقة 5,8 في المائة، وهي نسبة تظل بعيدة عن الهدف المتوخى المتمثل في 20 في المائة في أفق سنة 2030».

وقد ساهم في ذلك أيضا، تضيف العدوي، ضعف الموارد المالية وتأخر إصدار عدد من النصوص التطبيقية المتعلقة بالقانون رقم 47.09 المتعلق بالنجاعة الطاقية، إضافة إلى عدم وجود إطار تحفيزي قادر على إرساء ثقافة النجاعة الطاقية لدى القطاعات المعنية. وعلاقة بقطاع المحروقات، قالت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إنه يعرف وضعية تستدعي وضع آليات لتدبير ومراقبة مخزونه الاحتياطي، بهدف التخفيف من أثر تقلبات الأسعار في السوق الدولية وانعكاساتها على الأسعار في السوق الوطنية.

ولاحظت أنه منذ اعتماد الاستراتيجية سنة 2009، ظلت المخزونات الاحتياطية لمختلف المنتجات البترولية دون المستوى المحدد في 60 يوما، مشيرة إلى أنه خلال سنة 2023، «لم تتعد مخزونات كل من الغازوال والبنزين وغاز البوتان على التوالي 32 و37 و31 يوما. كما أن تنويع نقاط دخول المنتجات البترولية المستوردة بقي محدودا، حيث أضيفت نقطة دخول فريدة بميناء طنجة- المتوسط، منذ إطلاق الاستراتيجية الطاقية الوطنية 2009-2030».

وفي ما يخص قطاع الغاز الطبيعي، سجلت العدوي أنه لم يتم استكمال المبادرات المتخذة لتطويره منذ سنة 2011، «مما يؤثر على الجهود الرامية إلى التخلي التدريجي عن الفحم في إنتاج الكهرباء»، وخلصت إلى أن هذه الوضعية تستدعي «بلورة هذه المبادرات من خلال استراتيجية رسمية وفي إطار قانوني مناسب للقطاع، وذلك بتنسيق مع الأطراف المعنية، قصد تطوير سوق للغاز الطبيعي محفز وجاذب للاستثمارات».

وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بمراجعة أدوار الفاعلين العموميين في القطاع الطاقي وإعادة النظر في نماذجهم الاقتصادية، بما يجعلها أكثر نجاعة وفاعلية، مع الأخذ في الاعتبار التوجهات الاستراتيجية للقطاع والإصلاح قيد التنزيل للمؤسسات والمقاولات العمومية، والعمل على بلورة استراتيجية وطنية للنجاعة الطاقية والمصادقة عليها وأجرأتها، خاصة عبر وضع مساطر مؤسساتية للتنسيق بين القطاع المكلف بالطاقة والقطاعات الأكثر استهلاكا للطاقة، وكذا وضع إطار تحفيزي بهدف تشجيع تدابير النجاعة الطاقية.

كما أوصى المجلس الوزارة المكلفة بالانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بوضع إطار تدبيري للقطاع الطاقي يعتمد على برامج عقود بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية في القطاع، مع الحرص على التنفيذ الأمثل لبنودها، وكذا اعتماد نظام ممنهج لرفع التقارير من لدن هذه المؤسسات والمقاولات إلى الوزارة، وتسريع إصلاح قطاع الكهرباء من خلال الفصل بين أنشطة الإنتاج والنقل والتوزيع، واستكمال إصدار النصوص القانونية المتعلقة بضبط القطاع، سيما ما يتعلق بإحداث جهة مسيرة لشبكة نقل الكهرباء وتنظيم عملها؛

– إتمام عملية نقل منشآت الطاقات المتجددة من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى وكالة «مازن».

وأوصى بوضع آليات لتدبير ومراقبة المخزون الاحتياطي للمحروقات، بهدف التخفيف من أثر تقلبات الأسعار في السوق الدولية وانعكاساتها على الأسعار في السوق الوطنية، ووضع استراتيجية وإطار قانوني مناسب للقطاع الغازي، وذلك بتنسيق مع الأطراف المعنية، قصد تطوير سوق للغاز الطبيعي شفاف وجاذب للاستثمارات.

صلاحيات جديدة لهيئة ضبط الطاقات المتعددة وتعزيز السيادة الوطنية

 

 

أصدر الملك محمد السادس، في اجتماع للمجلس الوزاري بالقصر الملكي بالرباط، توجيهاته السامية قصد الانكباب على إجراء إصلاح عميق لهيئة ضبط الطاقات المتعددة، وتحويلها إلى هيئة وطنية لضبط قطاع الطاقة، عبر مراجعة القانون المتعلق بها، وتوسيع اختصاصاتها لتشمل كل مكونات قطاع الطاقة، لتشمل، فضلا عن الكهرباء، الغاز الطبيعي والطاقات الجديدة، على غرار الهيدروجين ومشتقاته، وكذا مجالات الإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع، وذلك بما يساير مستوى النضج الذي بلغه قطاع الطاقة بالمغرب، وطبقا للممارسات الدولية الفضلى في هذا المجال.

وأفادت مصادر مطلعة بأن المغرب، بفضل الرؤية المستنيرة للملك محمد السادس، بصدد إعادة تحديد معايير الحكامة الطاقية العالمية، وهذا الإصلاح للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، إلى جانب استراتيجية وطنية طموحة، يجعل المملكة فاعلا لا محيد عنه للانتقال الطاقي ونموذجا للاستدامة، حيث انخرط المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، في انتقال كبير في قطاعه الطاقي. وترتكز هذه الرؤية على مطمح جعل المغرب فاعلا رئيسيا في الانتقال الطاقي على الصعيد العالمي، مع التركيز على الاستقلالية الطاقية والاستدامة.

ويأتي تعيين زهير شرفي رئيسا للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء ليشكل خطوة محورية في هذا المسار، وفي هذا الصدد، أصدر الملك محمد السادس توجيهاته السامية بإجراء إصلاح طموح لتحويل الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء إلى هيئة تغطي قطاع الطاقة بأكمله (الكهرباء والغاز الطبيعي، والهيدروجين والطاقات المتجددة)، مع دمج الممارسات الدولية الفضلى. ومن خلال هذه المهام الجديدة، فإن الهيئة مدعوة للاضطلاع بدور الضابط الرئيسي لقطاع طاقي في أوج ازدهاره.

وتتجلى رهانات إصلاح الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، الدركي المستقبلي لقطاع الطاقة بالمغرب، في نضج القطاع، بتسجيل 45 في المائة من مزيج الكهرباء الذي يأتي بالفعل من الطاقات المتجددة في عام 2024، فإن المغرب تجاوز توقعات عام 2030 (تم تعديل هذا الهدف إلى 56 في المائة بحلول عام 2027)، بالإضافة إلى تنويع مصادر الطاقة، وذلك بدمج الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر بشكل يستجيب لاستراتيجية السيادة والقدرة التنافسية. ومن خلال التوافق مع المعايير المتقدمة، يؤكد المغرب جاذبيته بالنسبة للمستثمرين العالميين.

وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن المغرب يستفيد من إمكانات استثنائية في مجال الموارد المتجددة، سيما الطاقة الشمسية والريحية، وتسمح هذه الإمكانيات للمملكة بإنتاج طاقات نظيفة بأسعار تنافسية. وبالإضافة إلى ذلك، تلعب المملكة دوراً أساسيا في إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، لأنها تمثل الممر الطاقي والتجاري الوحيد الذي يربط أوروبا وإفريقيا وحوض المحيط الأطلسي.

وحسب المصادر ذاتها، بلغت قدرة مشاريع الطاقات المتجددة، التي توجد في طور الاستغلال، في متم سنة 2023، 4600 ميغاواط (1771) ميغاواط في الطاقة الكهرومائية، 1430 ريحية و830 شمسية، مع قدرة إنتاج 3000 ميغاواط إضافية منتظرة بحلول عام 2030، وخفض الاعتماد على الطاقة من 98 بالمائة سنة 2008 إلى 89 بالمائة سنة 2024.

وتم تسجيل زيادة الاستثمارات السنوية في مجال الطاقة بمقدار 4 أضعاف لتصل إلى 15 مليار درهم سنوياً بين عامي 2024 و2027. (مشروع قانون المالية لسنة 2025)، وبذلك أصبح المغرب بمثابة ممر طاقي، باعتباره البلد الإفريقي الوحيد الذي يرتبط بأوروبا عبر الكهرباء والغاز، ويعد المغرب، كذلك، مركزا استراتيجيا للصفقة الأوروبية الخضراء وخط أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب.

ويولي المغرب اهتماما خاصا بالهيدروجين أخضر، من خلال إطلاق «عرض المغرب» المحفز للتنمية المستدامة، وأصبح الهيدروجين الأخضر يمثل أولوية وطنية، مدعومة بالتوجيهات الملكية السامية التي تهدف إلى جعل المغرب قطبا تنافسيا في هذا المجال. ووفقا للمنظمات الدولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، يعتبر المغرب من بين أولى ثلاث دول في العالم من حيث إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة منخفضة.

ووضع المغرب رهانات استراتيجية لتطوير قطاع الطاقة، من خلال تعزيز قدراته التنافسية في الإنتاج بفضل بنية تحتية طاقية متطورة، والموقع الجيوستراتيجي الفريد الذي يربط بين إفريقيا وأوروبا والأطلسي، فضلا عن إطلاق عرض متكامل ومتوافق مع المعايير البيئية، ما يعزز شراكات دولية متينة.

وبذلك، يعتبر المغرب فاعلا رئيسيا في الاقتصاد الأخضر العالمي بفضل دوره كرابط طاقي، عبر مشاريع الربط الكهربائي مع أوروبا، ومشاريع خطوط أنابيب الغاز وممرات تصدير الهيدروجين الأخضر، التي تعزز هذا الوضع، وبذلك أصبح المغرب يحتل المرتبة الأولى في استقطاب الاستثمارات في الطاقات المتجددة في إفريقيا، حسب مؤشر جاذبية الدولة للطاقة المتجددة، وتم اختياره من طرف «بلومبيرغ» كواحد من بين أهم خمسة روابط عالمية.

الهيدروجين الأخضر ركيزة أساسية للأمن الطاقي بالمغرب

 

يعد تطوير استراتيجية الهيدروجين الأخضر في المغرب خطوة محورية في مسيرة المملكة نحو تعزيز تحولها الطاقي، حيث تسعى إلى تحقيق التكامل بين إمكانياتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي واستثماراتها في الطاقات المتجددة. ويرتكز هذا الطموح على رؤية شاملة تجعل من الهيدروجين الأخضر ليس فقط خياراً بيئياً، بل أداة اقتصادية واستراتيجية تساهم في تعزيز التنمية المستدامة.

فالمغرب، الذي يمتلك موارد طبيعية وافرة، مثل الإشعاع الشمسي العالي وسرعة الرياح القوية والمستقرة على مدار العام، يتمتع بقدرة مميزة لإنتاج الكهرباء النظيفة بكلفة منخفضة. هذا التميز في إنتاج الطاقة المتجددة يضع المغرب في مقدمة الدول المؤهلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يُصنع من الماء عبر عملية التحليل الكهربائي باستخدام كهرباء مستمدة بالكامل من مصادر متجددة.

وتهدف الاستراتيجية المغربية للهيدروجين الأخضر إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المتكاملة. على الصعيد البيئي، تسعى إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، تماشياً مع التزامات المغرب الدولية في إطار اتفاق باريس للمناخ. وعلى الصعيد الاقتصادي، يُتوقع أن يُصبح الهيدروجين الأخضر قطاعاً واعداً يفتح الباب أمام استثمارات ضخمة، سواء من القطاع الخاص المحلي أو من الشركاء الدوليين.

وتمثل هذه الاستراتيجية، كذلك، فرصة لتطوير الصناعات المرتبطة بالهيدروجين، مثل تصنيع المعدات التقنية اللازمة للإنتاج والنقل والتخزين. ويعمل المغرب أيضاً على تعزيز البحث العلمي والابتكار في هذا المجال، من خلال التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية الوطنية والدولية لتطوير تقنيات أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

وتسعى المملكة، من خلال هذه الاستراتيجية، إلى لعب دور محوري في السوق العالمية للهيدروجين الأخضر. وبدأ المغرب بالفعل في توقيع شراكات مع عدد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا، التي تعد من أبرز المستهلكين المحتملين للهيدروجين الأخضر في المستقبل، ويسعى إلى تلبية الطلب العالمي المتزايد على الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مثل الأمونيا الخضراء، التي يمكن استخدامها في الصناعات الثقيلة والنقل البحري والجوي.

وتتضمن الاستراتيجية، أيضاً، إنشاء بنية تحتية متطورة، تشمل محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر، وشبكات لنقل الطاقة وموانئ مجهزة لتصدير المنتجات إلى الأسواق الدولية. وتم العمل، كذلك، على وضع إطار قانوني وتنظيمي يدعم الشفافية ويضمن جذب المستثمرين وتشجيعهم على المشاركة في هذا القطاع.

يمثل إدماج الطاقات المحلية والكفاءات البشرية في مشاريع الهيدروجين الأخضر أولوية ضمن هذه الاستراتيجية، إذ يُتوقع أن تسهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل جديدة وتنمية مهارات متقدمة في مجالات متعددة، مثل الهندسة والطاقة والصناعات التحويلية.

على المدى الطويل، يمكن أن يُصبح الهيدروجين الأخضر إحدى الركائز الأساسية لأمن الطاقة في المغرب، ما يقلل من اعتماده على استيراد الوقود الأحفوري، ويسهم في تعزيز مكانة المملكة كمزود رئيسي للطاقة النظيفة، ما يرفع من تنافسيتها العالمية ويدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

باختصار، تمثل استراتيجية المغرب للهيدروجين الأخضر رؤية طموحة وعملية تسعى إلى تحويل التحديات البيئية والطاقية إلى فرص اقتصادية وتنموية، واضعة المملكة في مصاف الدول الرائدة في مجال الطاقات المتجددة على مستوى العالم.

وتنفيذا للتوجيهات الملكية، أصدر رئيس الحكومة عزيز أخنوش، منشور تفعيل «عرض المغرب» من أجل تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، الذي يعد عرضا عمليا وتحفيزيا يشمل مجموع سلسلة القيمة للقطاع، ويتماشى مع احتياجات المستثمرين بهدف جعل المملكة فاعلا تنافسيا في هذا القطاع ذي الآفاق الواعدة. ويقوم عرض المغرب، وفق المنشور الموجه للوزراء والوزراء المنتدبين ومسؤولي المؤسسات والمقاولات العمومية، على تنفيذ مقاربة شاملة وشفافة وعملية كفيلة بمنح المستثمرين رؤية واضحة، حيث يتألف من ستة أجزاء متمثلة في مجال تطبيق عرض المغرب، وتعبئة العقار لتنفيذ عرض المغرب، والبنيات التحتية الضرورية لتطوير قطاع الهدروجين الأخضر والإجراءات والتدابير التحفيزية الواردة في عرض المغرب، بالإضافة إلى عملية انتقاء المستثمرين وإبرام عقود مع الدولة وكذا حكامة قطاع الهدروجين الأخضر.

ويستهدف عرض المغرب المستثمرين أو تجمعات المستثمرين الراغبين في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته على نطاق صناعي بالمملكة، سواء كان موجها للسوق الداخلية أو للتصدير أو لكليهما معا. وينطبق هذا العرض على المشاريع المندمجة بدءا من توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة والتحليل الكهربائي إلى تحويل الهيدروجين الأخضر إلى الأمونياك والميثانول والوقود الاصطناعي إلى غير ذلك، فضلا عن الخدمات اللوجستية ذات الصلة.

وحسب منشور رئيس الحكومة، فإنه بإمكان المستثمرين المتخصصين في حلقة واحدة فقط أو في حلقات معينة من سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر، الترشح للاستفادة من البرامج الوطنية التي وضعتها الدولة لتطوير الاقتصاد وجذب الاستثمارات بالمغرب، سيما ميثاق الاستثمار الجديد، شريطة الالتزام بالشروط القانونية والتنظيمية المحددة لهذه الغاية، إذ يمكن لهؤلاء المستثمرين الاتصال مباشرة بالمركز الجهوي للاستثمار الموجود في الجهة المعنية بمشروعهم أو بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات إذا لم يحددوا بعد الجهة التي يعتزمون الاستثمار فيها.

وبالنظر إلى ما يشكله الوعاء العقاري من رهان أساسي في تنمية قطاع الهيدروجين الأخضر، قامت الدولة بتحديد عقارات عمومية مهمة تناهز مساحتها مليون هكتار، وهي أوعية عقارية سهلة الولوج ذات مؤهلات عالية في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر.  وأشار منشور رئيس الحكومة إلى أن هذه الأراضي مشمولة بالقرارات سارية المفعول للسلطة الحكومية المكلفة بالطاقة والتي تحدد مناطق استقبال مواقع تطوير مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام مصادر الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، وسيتم خلال المرحلة الأولى، كذلك، توفير 300 ألف هكتار موزعة على قطع أرضية تتراوح مساحتها بين 10 آلاف و30 ألف هكتار.

ولكون الهيدروجين الأخضر قطاعا ناشئا، قررت الدولة اعتماد نهج تدريجي في تعبئة الوعاء العقاري اللازم، وذلك بغية الحفاظ على المرونة اللازمة للتأقلم مع التطورات التي سيشهدها هذا القطاع، سيما التطورات التكنولوجية، والتشريعية والتنظيمية وتطورات السوق.

وفي ما يخص المستثمرين الذين وقع الاختيار عليهم، وأبدوا اهتمامهم للحصول على مساحة أكبر بالنظر إلى حجم مشاريعهم، فسيخصص لهم وعاء عقاري لا يقل عن 30 ألف هكتار في مرحلة أولى، مع بيان الوعاء العقاري الإجمالي الذي قد يخصص لهم في ما بعد، والذي سيمنح لهم تدريجيا وبشروط، طبقا لمقتضيات عرض المغرب وضوابطه، وستتولى السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية والاقتصاد والمالية مسؤولية تعبئة الأوعية العقارية المخصصة لعرض المغرب.

وأكد منشور رئيس الحكومة أن المشاريع المندمجة للهيدروجين الأخضر تتطلب، بحكم طبيعتها وحجمها، توفير بنية تحتية إضافية. وفي هذا الإطار، فإن عرض المغرب يرتكز أيضا على بنية تحتية تنافسية يتم تخطيطها وتعميمها وتطويرها وصيانتها، وفقا لأفضل المعايير الدولية، ولاحتياجات وتطورات صناعة الهيدروجين الأخضر، وعند الاقتضاء، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص بمعية مستثمرين وطنيين أو أجانب.

المغرب مرشح لدخول نادي الدول المنتجة والمصدرة للبترول الأخضر

 

 

أكد التقرير المالي والاقتصادي الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية والمرفق لمشروع قانون المالية، وجود تحديات جديدة للأمن الطاقي في المغرب في ظل الأزمة الطاقية الحالية، مشيرا إلى أن المغرب يعاني بصفته مستوردا لجل حاجياته من المنتجات البترولية المكررة، وبشكل كبير من آثار هذه الأزمة الطاقية العالمية.

وأفاد التقرير بأنه وبالنظر إلى توقعات استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الطاقية على المستوى العالمي، سيما المنتجات المكررة، فإن المغرب مدعو أيضا إلى وضع مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتأمين ولوج اقتصاده إلى تزويد مستمر بموارد الطاقة الأساسية، خاصة المنتجات البترولية المكررة والغاز الطبيعي. وفي هذا الإطار، ومن أجل تأمين احتياجاته من الغاز الطبيعي، تم إبرام اتفاقية ثنائية بين المغرب وإسبانيا والتي تم بدأ العمل بها متم شهر يونيو، وتتعلق بنقل الغاز الطبيعي من إسبانيا إلى المغرب عبر أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، وذلك في إطار علاقات التعاون بين البلدين الجارين.

وأشار التقرير إلى أن المغرب اتخذ عدة تدابير لتعزيز الأمن الطاقي للبلاد وتحسين مناعته وتنافسيته الطاقية، من بينها تسريع تطوير الطاقات المتجددة وتعزيز حصتها في المزيج الطاقي وهو الحل الأمثل للمغرب لمواجهة هذه التحديات المختلفة في إطار استراتيجية الانتقال الطاقي التي سجلت بالفعل منذ إطلاقها سنة 2009 تقدما كبيرا، مبرزا أن تطوير الغاز الطبيعي أصبح خيارا استراتيجيا للمساهمة في تنويع مصادر الطاقة والحد من مشاكل الانقطاعات الناجمة عن الاعتماد المكثف على الكهرباء المتجددة، وكذلك لضمان سلامة تزويد محطات الطاقة الكهربائية المعتمدة على الغاز الطبيعي في تشغيلها.

وفي هذا الإطار، تم في غشت 2021 وضع خارطة طريق وطنية لتطوير الغاز الطبيعي 2021-2050، وتتمحور أهداف هذه الخارطة حول إنشاء سوق منظم للغاز الطبيعي من خلال تحفيز التطور التدريجي للطلب، وتطوير مشروع للبنية التحتية للغاز، وولوج المصنعين وباقي المستهلكين إلى طاقة تنافسية، وكذا تحسين تنافسية المصدرين الصناعيين المغاربة، وتطوير أنشطة إضافية أخرى حول سلسلة الغاز الطبيعي.

وبالإضافة إلى ما سبق، ومن أجل تأمين احتياجاته من الغاز الطبيعي، تم اعتماد مجموعة من التدابير الطموحة، بما في ذلك إنشاء وحدة تخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى غاز، بهدف تأمين تزويد مستمر ومتنوع من الغاز الطبيعي. وعلى المدى الطويل، يتم تنفيذ مشروع ذي أهمية كبيرة يتعلق ببناء خط أنابيب غاز بين المغرب ونيجيريا يقارب طوله 6000 كيلومتر ويمر عبر عشر دول لربطها بالسوق الأوروبية.

ويعمل المغرب، حسب التقرير، على تطوير الهيدروجين الأخضر كمشروع واعد لتوليد الطاقة النظيفة، مؤكدا أن سلاسل الإنتاج المتعلقة بالهيدروجين تفتح آفاقا كبيرة، وأشار التقرير إلى تصنيف المغرب، وفقا لمجلس الطاقة العالمي بألمانيا، كواحد من خمسة بلدان تتوفر على أكبر إمكانات لإنتاج وتصدير الجزيئات الخضراء (الأمونيا والميثانول…). ويمكن أن يستحوذ على ما يناهز 4 في المائة من سوق الهيدروجين العالمي، وفقا لوزارة الطاقة، أو ما يقارب 3 مليارات دولار.

وأوضح التقرير أن هذه التكنولوجيا تتميز بمستقبل واعد، خاصة في مجال التنقل والصناعة. ولا تقتصر مميزاتها على تكلفتها فقط، وإنما تشمل أيضا تأثيرها المنخفض جدا على البيئة مقارنة بالطاقات الأحفورية، ويتطلب تطوير الهيدروجين باعتباره «بترولا أخضر»، مجهودا وطنيا كبيرا للإسراع في دعم المهارات والكفاءات اللازمة لتطوير التقنيات، بالموازاة مع تعزيز التقارب مع الفاعلين المتميزين على المستوى الدولي، وسيمكن تطوير هذا المورد المغرب، على مدى السنوات القليلة المقبلة، من توفير الهيدروجين الأخضر والجزيئات الخضراء لسوقه المحلي وكذلك للخارج، سيما أوروبا.

وفي هذا الإطار، تم إطلاق خارطة طريق للهيدروجين الأخضر في يناير 2021 والتي تفتح آفاقا كبيرة للتصنيع تهم مختلف مراحل سلسلة القيمة، بما فيها تحلية المياه، والطاقات المتجددة (الكهروضوئية والريحية)، والتحليل الكهربائي والكيمياء الخضراء، وستتكلف «اللجنة الوطنية للهيدروجين»، برئاسة وزارة الطاقة والتي تضم جميع الجهات المعنية، بالتنسيق وكذا تنفيذ هذه الخارطة من خلال التطوير التكنولوجي والاستثمارات والبنيات التحتية والأسواق.

ومن بين التدابير المتخذة، تعزيز قدرات التخزين والمخزون الاستراتيجي من المنتجات البترولية على المستوى الوطني، وأكد التقرير  أن المغرب مدعو إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتأمين التزويد المستمر لاقتصاده بموارد الطاقة الضرورية، خاصة المنتجات البترولية المكررة. وفي هذا السياق، أصبح من الضروري إنشاء قدرات تخزين جديدة والامتثال للقواعد التنظيمية للمخزون الاستراتيجي، مع التنفيذ التدريجي لاحتياطيات المنتجات الاستراتيجية بطريقة لامركزية، سيما على مستوى مراكز الطلب الرئيسية. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر تنويع مصادر التزويد بالمنتجات الطاقية أمرا ضروريا لمواجهة مختلف المخاطر المحتملة لانقطاع هذه الإمدادات خلال فترات الأزمات.

ثلاثة أسئلة

عبد الخالق التهامي*

أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد السادس متعددة الاختصاصات

 

«الاستراتيجية الطاقية مسألة حياة أو موت لعدة قطاعات اقتصادية»

 

  • ما هي الأسس التي تنبني عليها الاستراتيجية الطاقية التي تبناها المغرب؟

تجب الإشارة إلى أن المغرب تبنى استراتيجية طاقية طموحة تهدف إلى تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وتعزيز استخدام الطاقات المتجددة. هذه الاستراتيجية تأتي استجابة للتحديات العالمية المرتبطة بالتغير المناخي وضمان الأمن الطاقي والتنمية المستدامة، وهذه الاستراتيجية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية تتمثل في تقليص التبعية الطاقية، وهو الأمر الذي  يعتمد فيه المغرب بنسبة كبيرة على استيراد الطاقة، مما يجعل تنويع مصادرها ضرورة لتعزيز السيادة الوطنية، وأيضا زيادة مساهمة الطاقات المتجددة، حيث يهدف المغرب إلى رفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 52 في المائة من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وتقليل الانبعاثات الكربونية: تلتزم الاستراتيجية بخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، بما يتماشى مع التزامات المملكة في اتفاق باريس للمناخ.

وفي خضم الحديث عن استراتيجية المغرب الطاقي، وجب الوقوف عند مشاريع استراتيجية في مجال الطاقات المتجددة، ويتعلق الأمر بمشروع نور للطاقة الشمسية، حيث يُعد مجمع «نور ورزازات» للطاقة الشمسية أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، بطاقة إنتاجية تصل إلى 580 ميغاواط، يُمثل هذا المشروع خطوة بارزة نحو تحقيق الاستقلال الطاقي، كما استثمر المغرب في عدة مزارع للطاقة الريحية، أبرزها مزرعة طرفاية، التي تُعد من أكبر مزارع الرياح في إفريقيا، بطاقة إنتاجية تقارب 300 ميغاواط، ويعمل المغرب على توسيع استخدام السدود لتوليد الكهرباء، وهو ما يعزز قدرته على توفير طاقة نظيفة ومتجددة.

ويُعد الهيدروجين الأخضر مجالا واعدا ضمن الاستراتيجية المغربية، حيث يخطط لإنتاجه وتصديره إلى الأسواق الأوروبية. وتم توقيع شراكات دولية لتطوير هذا القطاع الذي يمثل مستقبل الطاقة النظيفة، وقد حظيت الاستراتيجية المغربية بدعم قوي من المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، بالإضافة إلى شراكات مع دول أوروبية. هذا التمويل ساهم في تسريع تنفيذ المشاريع الكبرى وضمان استدامتها.

 

 

  • هل من شأن الاستراتيجية الطاقية أن توفر الأمن الطاقي للمغرب؟

يُعد الأمن الطاقي قضية مركزية ضمن التحديات التي تواجه البلاد، حيث يعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة لتلبية احتياجاتها المتزايدة، هذا الاعتماد الكبير يجعل المملكة عرضة للتقلبات في أسعار الطاقة العالمية والاضطرابات الجيوسياسية، مما يبرز الحاجة إلى استراتيجية وطنية لتعزيز الأمن الطاقي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المستقبل.

تجب الإشارة إلى أن المغرب يشهد نموًا مضطردا في الطلب على الطاقة نتيجة التطور الاقتصادي، والزيادة السكانية، والتوسع العمراني. ويواجه هذا الوضع تحديات تتعلق بتوفير مصادر طاقة كافية ومستدامة، ما دفع الحكومة إلى اعتماد استراتيجية متكاملة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وفي إطار تعزيز الأمن الطاقي، ركز المغرب بشكل كبير على الاستثمار في الطاقات المتجددة. إلى جانب ذلك، تلعب مزارع الرياح، مثل تلك الموجودة في طرفاية وآسفي، دورا مهما في إنتاج طاقة نظيفة ومستدامة. الطاقة الكهرومائية أيضا تظل مكونا مهما في مزيج الطاقة الوطني، حيث تُستغل السدود لتوليد الكهرباء وتحسين إدارة الموارد المائية.

لم تقتصر جهود المغرب على الطاقات التقليدية المتجددة، بل يسعى أيضا إلى الانخراط في مجالات جديدة مثل الهيدروجين الأخضر، الذي يُتوقع أن يشكل أحد المصادر الواعدة للطاقة في المستقبل. كما يُدرس إدماج الطاقة النووية كخيار إضافي لتعزيز المزيج الطاقي الوطني.

رغم هذه الإنجازات، يواجه الأمن الطاقي في المغرب تحديات كبيرة، أبرزها التقلبات الجيوسياسية، وارتفاع تكاليف التحول إلى الطاقة النظيفة. كما يواجه المغرب تحديات بيئية مرتبطة بتغير المناخ وتأثيراته على الموارد المائية الضرورية لتوليد الطاقة الكهرومائية، ويبدو أن المغرب يمضي بثبات نحو تحقيق أمن طاقي مستدام من خلال استراتيجياته الطموحة، التي تجمع بين الاستثمار في الطاقات المتجددة وتعزيز التعاون الدولي. ومع استمرار هذه الجهود، يمكن للمملكة أن تصبح نموذجا إقليميا وعالميا في مجال تحول الطاقة والتنمية المستدامة.

 

  • ماذا بخصوص الملاحظات التي سجلها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي بخصوص تنزيل الاستراتيجية الطاقية؟

تجب الإشارة إلى أن هذه الاستراتيجية هي في طور التنزيل، وبالتالي فمن شأن أي ملاحظات وانتقادات لهذه الاستراتيجية أن تقوم من الاعوجاج ويتم إصلاح الاختلالات في إطار مواصلة التنزيل، خصوصا أن الحكومة تعتبر أن الحصيلة الأولية لتنزيل هذه الاستراتيجية إيجابية، ويمكن البناء عليها في القادم من الخطوات، وتبقى مراقبة المؤسسات الدستورية لعمل الحكومة في هذا الجانب أمرا أساسيا من أجل تصحيح المسار. وعموما يمكن القول إن الاستراتيجية الطاقية هي مسألة حياة أو موت للاقتصاد الوطني، وخصوصا لعدد من القطاعات الإنتاجية، والمغرب يعي هذا الأمر جيدا، لذلك تم الاعتماد على تنويع المصادر الطاقية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى