شوف تشوف

شوف تشوف

السوسة

كل من يتذرع بأن سبب الأزمة في المغرب هو أن “الفلوس مكايناش” لا بد أن يعرف أنه “مقاشع حتى حاجة فالمغرب”.
الحقيقة أن “الفلوس موجودة فالبلاد” لكن أصحابها متوجسون من صرفها أو إيداعها بالبنوك أو استثمارها، والسبب هو أن الجميع يعيش على انتظار ما سيحدث، هل سيكون هناك انفراج سياسي وإقلاع اقتصادي وإصلاح ضريبي أم أن الأمور ستسير كما كانت وبالتالي “اللي عندو شي فرنك غادي يدير ليه الجليجة”.
والدليل على أن “الفلوس موجودة فالبلاد” هو تلك القوافل من المغاربة بالآلاف الذين ذهبوا للسياحة الداخلية في مدن الشمال، والذين “هجره لهم” التعامل الجشع لبعض المؤسسات الفندقية والمطاعم وأصحاب البيوت التي يكرونها للسياح، بحيث استغلوا فرصة حج إخوانهم المغاربة لمدنهم لإفراغ جيوبهم بأسعار خيالية للخدمات.
وهذا بالضبط ما دفع مليون مغربي هذه السنة إلى قضاء عطلته في الخارج بإسبانيا وتركيا حيث الخدمات في المستوى وبأسعار معقولة.
وليس بعض مدن الشمال وحدها ما يعاني فيها السائح المغربي، فحتى مدن الداخل تعاني من نفس المشكلة.
وشخصيا لم يفاجئني حلول الدار البيضاء في المرتبة ما قبل الأخيرة ضمن قائمة “المدن الودية”، بحيث حلت في الرتبة 49 ضمن ترتيب 50 مدينة تصدرتها فانكوفر الكندية كأحسن مدينة بشوشة يرحب سكانها بالزوار والسياح ويبتسمون في وجوههم.
إن أعطاب السياحة المغربية واضحة، لمن أراد معالجتها فعلا، فقد وصلنا إلى مستوى من تدني المنتوج السياحي بحيث أصبح لا يأتي عندنا إلا السياح «المكحطين» الذين يريدون قضاء أسبوع في المغرب «بيليكي»، والعروض التي تقدم في الخارج للسفر بالطائرة وقضاء عطلة أسبوع في الفندق مع الأكل بثلاثمائة أورو تتزاحم في مواقع وكالات السفر.
وحتى السياح الذين يختارون القدوم إلى المغرب برا، عبر سياراتهم الكبيرة التي يركنونها في مواقف السيارات، يجلبون معهم طعامهم وشرابهم من بيتوهم ولا يستهلكون أي منتوج محلي آخر غير الماء والبرتقال.
لماذا إذن هرب السياح من المغرب؟
السياح لم يهربوا من المغرب، بل إننا نحن من هربناهم بسبب جشع أصحاب الفنادق واحتيال تجار المحلات التجارية، وعفونة المقاهي، واتساخ الشوارع والساحات والمآثر التاريخية، والتحرش بالسائحات في الشوارع، ومظاهر العنف المجاني والدموي المنتشرة في الفضاء العام، دون أن نتحدث عن احتلال المغرب لرتبة مخيفة في عدد قتلى حوادث السير عبر العالم.
ما يحدث في القطاع السياحي من غش واحتيال مثير للأسف فعلا، خصوصا في بعض المحلات التي يأخذون إليها الوفود السياحية لاقتناء التذكارات المغربية.
فهذا يقنع السياح بأنه يملك سيف سيدنا علي، والآخر يقنعهم بأنه يملك «رزة» سيدنا موسى، وثالث يقنعهم بأنه يملك خاتم سيدنا سليمان بأسعار تنافسية. فهؤلاء السياح الأجانب في نظر كثيرين «غير نية مساكن» ويجوز «تجعيبهم»، ولذلك لا يشعر هؤلاء التجار بالحرج من الكذب عليهم وبيعهم الأوهام باسم المغرب.
وما ينطبق على هؤلاء التجار ينطبق على بعض أصحاب الفنادق والمطاعم، إلى درجة أن السياح أصبحوا يفضلون النزول عند أبناء عمومتهم من النصارى الذين يستثمرون في المغرب أموالهم في بيوت الضيافة، وهي بيوت لا تخضع في غالبيتها للضرائب.
أي سائح سيأتي إلى المغرب ويمر من صراط مطار محمد الخامس ويفقد حقائبه بسبب إضراب عمال الأمتعة للشهر الخامس على التوالي سيقرر نسيان المغرب نهائيا، ففي الوقت الذي يقضي المسافر بضع دقائق أمام كل شباك في مطار «باراخاس» بمدريد، يضطر المسافر في مطار محمد الخامس إلى أن «يعرق وينشف» أمام كل حاجز.
والغريب أن المغاربة فقدوا حتى قدرتهم على الابتسام في وجه الضيوف، أما في وجه بعضهم البعض فحدث ولا حرج، بنادم ما بينك وبينو والو وكايدير فيك شي شوفات بحال إلى قاتل ليه باه”.
وعندما تتعمق في أصل المشكل، تجد أن المغاربة لا يبتسمون في وجوه بعضهم البعض أو في وجوه السياح، ليس لأنهم متكبرون أو متعجرفون أو لأنهم يعشقون ربط «الغوباشة»، ولكن أحيانا فقط لأن أسنان أغلبهم لا تصلح لعرضها أمام الآخرين في «تفرنيسة» واسعة كلما التقت نظراتهم ببعضهم البعض.
ولذلك تجد أغلبهم يربي «موسطاشا» بحجم مقود دراجة هوائية لكي يغطي به على الواجهة الأمامية الخربة لأسنانه «المهرمشة». وحسب دراسة لوزارة الصحة، فإن أسنان الفئة العمرية المتراوحة ما بين 35 و44 عاما من المغاربة تصل نسبة التسوس فيها إلى 97.7 في المائة بمعدل 12.72 في المائة من الأسنان المسوسة لكل فرد.
وهكذا فإذا كان المغاربة متساوين في شيء، ففي السوسة تحديدا، ولا غرابة إذن أن تصل «السوسة» إلى عظام السياحة وتحولها إلى هيكل منخور يقف أمامه مهنيو القطاع وهم يلطمون خدودهم ندما على تفريطهم في زبائنهم.
إن المصيبة العظمى ليست هي أن السياح الأجانب لم يعد يغريهم المغرب كوجهة، بل إن السياحة الوطنية نفسها بدأت تتجه نحو وجهات خارجية كإسبانيا والبرتغال وتركيا، بعدما ملت من قبول عرض سياحي مكلف وغير مرضي.
ولعل ما يثير السياح المغاربة، عندما ينزلون في فنادق بلدهم، هو رداءة الخدمات، وارتفاع الأسعار.. «كاين شي بلاد فيها قرعة ديال الما بثلاثين درهم»؟
والمصيبة هي أنك عندما تنزل من غرفتك لكي تفطر في الفندق، بمجرد ما تسأل عن طعام حتى يقولون لك «تقاضا»، «كاين البيض؟ لا تقاضا لينا، كاين العصير؟ لا تقاضا لينا»، وهذا يحدث في فنادق مصنفة يا حسرة شعارها هو «اللي بغا يفطر يفيق بكري»، وكأن الأمر يتعلق بجائزة وليس بإفطار دفعت ثمنه من جيبك. والسبب هو أن جشع أصحاب هذه الفنادق يدفعهم إلى الاقتصاد في استهلاك الطعام والشراب على حساب الزبائن.
ولو أن المهنيين في قطاع السياحة نسوا السياح الأجانب قليلا وانتبهوا إلى السياحة الداخلية لأغناهم إخوانهم المغاربة عن التمسح بأعتاب وكالات الأسفار الأجنبية لجلب السياح الأجانب.
فالسائح المغربي يبحث عن الجودة والخدمة اللائقة والنظافة، وهذا بالضبط ما يفتقده في فنادق المغرب ويذهب للبحث عنه في فنادق إسبانيا وتركيا والبرتغال وغيرها من الوجهات السياحية التي أصبح يقصدها مليون مغربي كل سنة.
وهكذا عوض أن تساهم السياحة في جلب العملة الصعبة أصبحت، بسبب بؤس خدماتها ورداءة عروضها، تتسبب في نزيف العملة نحو الخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى