السوريون دفعوا لـ«كارلوس» الذي أعجب بقصة إعدام الجاسوس الإسرائيلي كوهين
الحاجة إلى المال كانت هي المحرك الأكبر لتحركات «كارلوس» في سبعينيات القرن الماضي. ورغم أنه ينفي عن نفسه هذه التهمة من زنزانته في باريس، إلا أن الوثيقة التي نشرناها بالأمس، تقدم دليلا قويا على أن كارلوس رغم اعتقاله إلا أنه لا يزال يسعى وراء المال بنفس الطريقة القديمة: المعلومة تساوي المال.
مُعجب بنهاية إيلي كوهين
لم يكن من جيله. إلا أن كارلوس كان معجبا كبيرا بالنهاية التراجيدية التي تعرض لها الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي قدم نفسه للمسؤولين في سوريا خلال بداية ستينيات القرن الماضي على أنه رجل أعمال ومستثمر باسم «كامل» ينوي مساعدة السوريين، بحكم أن أصوله سورية، ويدعم النظام في سوريا. وثقوا به، وأصبح في ظرف وجيز صديقا لكبار رجال النظام في سوريا من وزراء وعسكريين وحتى في المخابرات. وغطى بنشاط للاستثمار في الشركات على نشاطه الرئيسي الذي كان هو إرسال معلومات شديدة الحساسية عن تهيئ الجيش السوري في الحدود وفي منطقة الجولان وإرسالها بشفرات سرية إلى الموساد.
وصل الأمر إلى درجة أن بعض رجال الأعمال في سوريا كانوا يحلمون بأن يخطب «كامل»، رجل الأعمال المقرب من الوزراء والجيش، إحدى بناتهم. وعندما انكشف أمره بعد يقظة أجهزة المخابرات السورية، تم إعدامه في ساحة عامة وعرض الإعدام على التلفزيون بعد اعتراف الجاسوس باسمه ورتبته والمهمة التي جاء من أجلها إلى دمشق.
كان كارلوس يعيد هذه القصة على أسماع أصدقائه في الأردن، ويتمنى لو أنه كان جاهزا للفكر الثوري في تلك الفترة، أي في بداية الستينيات، لكي يستطيع الدفاع عن جبهة التحرير ضد الضربات الإسرائيلية. وبالطبع فإن هذه التحركات كانت وراءها ملايين الدولارات بحكم أن بعض الأنظمة العربية كانت تمول بسخاء العمليات التي تجرى على الحدود.
كارلوس يترك باريس
كانت باريس في عيني كارلوس كعش للدبابير. تلاحقه أجهزة المخابرات لأكثر من دولة، لأن اسمه كان على رأس قائمة المتورطين في حادث اختطاف وزراء أوبك منتصف السبعينيات، بالإضافة إلى أن أجهزة فرنسا كانت تبحث عنه لأنه تورط في مقتل ضابطي مخابرات فرنسيين في سنة 1972 وبقي متخفيا في باريس. لقد كان أمر اختفائه إهانة لكل أجهزة فرنسا الأمنية ولوزير داخليتها شخصيا. حتى أن الصحافيين الفرنسيين كانوا يُحرجون مسؤولي الدولة الأمنيين في كل الندوات والحوارات الصحفية، بإثارة اسم «كارلوس» أمامهم ومساءلتهم عن مصيره وعن الجهود للإيقاع به، وحتى عن الأخبار التي كانت تروج وتؤكد بقاءه في التراب الفرنسي.
لكن سيتأكد للمخابرات الفرنسية أن «كارلوس» استطاع الخروج من فرنسا، ورصده عملاؤها وجواسيسها في الأردن ثم في اليمن. ماذا كان «كارلوس» يفعل بعيدا عن محور ترويج أموال تسليح الجماعات الصغيرة؟ لقد كان في الحقيقة يقترب من مراكز التمويل.
بعد أن التقى كارلوس بعض المسؤولين الأمنيين في باريس، وكانوا من جنسية جزائرية، اتجه بتوصية منهم إلى الجزائر للقاء مقربين من الهواري بومدين. نحن الآن في سنة 1975. وعرضوا عليه جوازا جزائريا لتسهيل تنقلاته، دون أن يخبروه بالمطلوب منه.
كان كارلوس قد طرح عليهم في باريس فكرة التدريب في الأردن، والإشراف على مجموعة يدربها هناك بنفسه، مقابل تعويض سخي يخبرهم لاحقا أين سيضخونه. لكن «كارلوس» فاجأ الجميع وطلب منهم أن يُمهلوه قليلا. لماذا؟ لأنه تلقى عرضا آخر، أكثر سخاء ووضوحا، في سوريا، لكي ينفذ عمليات اغتيال لصالح البعثيين ويغتال شخصيات حكومية وأخرى في الوزارات.
ولأن كارلوس كان يحب المال، فقد طلب من الجزائريين أن يُمهلوه قليلا، دون أن يخطر في باله أن الهواري بومدين يريد منه أن يتسلل إلى المغرب سرا ويغتال الملك الحسن الثاني.