تتنوع المشكلات في البلدان العربية التي وقع فيها الاضطراب بعد عام 2010، بيد أن أخطر أنواع الاضطراب هو الذي حدث ويحدث نتيجة انقسام الجيش، أو نتيجة وجود تنظيمات مسلحة موازية للجيش بالداخل الوطني.
وقد حدث النوع الأول (انقسام الجيش) بليبيا واليمن، فيما حدث النوع الثاني بالعراق وسوريا ولبنان… وفي اليمن أيضا! وبمقتضى «الاتفاق الإطاري»، الذي يقتضي عودة الجيش في السودان إلى ثكناته، وتسليم السلطة إلى المدنيين، كان المفروض أن يجري الاندماج بين الجيش وقوات الدعم السريع. وهذه القوات الخاصة كان نظام البشير قد أطرها وشرعنها عام 2013، بعدما شاركت إلى جانب الجيش في أحداث دارفور، وقد اكتمل تأطيرها عام 2017 باعتبارها بمثابة الحرس الوطني المساند للجيش والمتمتع باستقلالية.
المهم أن قيادة قوات الدعم السريع أعلنت عام 2019 انضمامها إلى الجيش في انقلابه على نظام البشير، واحتل زعيمها دقلو موقعا متقدما باعتباره نائب رئيس مجلس السيادة، وفي شراكة كاملة مع الجيش تجاه القوى السياسية المدنية. بل واستمرت الشراكة عندما قرر الجيش عام 2020 الارتداد على الاتفاق السياسي للمرحلة الانتقالية.
إن الذي يمكن قوله، في عودة للكلام عن الاتفاق الإطاري، إن ارتداد الجيش على المدنيين والذي استمر عاما ونيفا لم ينجح بسبب الضغوط الداخلية بالتظاهرات الصاخبة، وبسبب الضغوط العربية والإفريقية والدولية. ولذلك، وبمساعي اللجنة الرباعية التي سهلت التفاوض بين العسكريين والمدنيين، جرى التوصل إلى الاتفاق الإطاري الذي يعود لتنظيم المرحلة الانتقالية التي تسبق الانتخابات وتنتهي بها. وكما سبق القول، فقد كان من آثار الاتفاق الإطاري وعندما تكون عملية تسليم السلطة إلى المدنيين جارية، فإن دمج قوات الدعم السريع (البالغ عددها بين 60 و100 ألف) بالجيش ينبغي أن يحصل.
وهنا بدأ الخلاف حول الفترة اللازمة للاندماج. دقلو يريدها عشر سنوات، والجيش يريدها سنتين. ثم هل يترأس مجلس القيادة في مراحل الدمج عسكري من الجيش، أم رئيس الحكومة المدنية؟ وكان هناك من الوسطاء من اقترح تأخير الدمج لما بعد تشكيل الحكومة، أو حتى ما بعد الانتخابات، تجنبا لمخاطر الصدام. وما وافق الجيش، فاندلعت الاشتباكات التي يبدو أن كلا الطرفين كان يستعد لها، وإن قيل إن دقلو هو الذي بدأها بالخرطوم ومروي.
إن المخاطر المترتبة على هذا الصدام كبيرة على السودان ودولته وأمنه. ففضلا عن الخسائر بصفوف المدنيين، والمرافق الصحية، ومؤسسات الدولة، والمطارات.. فقد تعطل الاتفاق الإطاري وتم الانقلاب على العملية السياسية للمرة الثانية، وإن قال الجيش إنه سيحافظ على بنود الاتفاق ومقتضياته. وإلى ذلك هناك «اتفاق جوبا» مع التنظيمات المسلحة، وهو مهدد بالانفراط وعودة كل تنظيم إلى سلاحه ومناطقه، مما يهدد وحدة أراضي السودان.
وفي كل أحداث الاضطراب العربي، ما عاد هناك طرف معتبر للتدخل من أجل الوساطة ورأب الصدع غير السعودية والإمارات. إنما في أحداث كل من السودان وليبيا، هناك أيضا آليات وممثليات دولية وإفريقية. ثم هناك اهتمامات أمريكية وبريطانية وروسية بارزة.
وكل هذه الجهات مصرة الآن على وقف النار لأسباب إنسانية، ومن أجل العودة إلى التفاوض. لكن حتى لو نجحت الهدنة الإنسانية، فإن الوصول إلى حل بالتفاوض يبقى صعبا. لأن كل الحلول تسير باتجاه إلغاء وجود قوات الدعم السريع، وهؤلاء يحتاجون إلى «ضمانات» للمستقبل، أو ينسحبون من مختلف أنحاء السودان إلى دارفور، وتعود المشكلة القديمة منذ عام 2003.. ومعظم النار من مستصغر الشرر!
رضوان السيد