شوف تشوف

الرأي

السلوم الخشبي

صب فصيل «الإلتراس» المساند للوداد البيضاوي غضبه على الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ووصف العقوبات الصادرة في حق النادي بالقاسية، بل وأصدر بلاغا ناريا اعتبر منع الفريق من خوض ثلاث مباريات بدون حضور جماهيري، «مؤامرة» يراد بها تفويت اللقب لفريق رباطي.
لم تصدر ولاية أمن الدار البيضاء أي بلاغ حول حقيقة «السلوم» الذي تسبب في مواجهات دامية بين عناصر من «إلتراس الوينيرز» وفرقة أمنية كانت مرابطة في الحدود بين «فريميجة» والمنصة المغطاة، وظلت الروايات تتحدث عن معركة فوق سطح المنصة الرسمية التي كان يجلس فيها ثلاثة وزراء للعدل والشباب والرياضة والداخلية، وكل من ثقلت موازينه في سلك السلطة. لكن القضية تتجاوز حكاية «السلوم» الخشبي إلى عقلية خشبية تريد أن تجعل ملاعب الكرة تحت سيطرة النواة الصلبة لـ«الإلتراس» دون باقي مكونات المنظومة التنظيمية.
قبل ثلاثة أسابيع احتفل فصيل «الوينيرز» بذكرى تأسيسه، وأصرت القيادة العليا لأركان التنظيم الجماهيري الأحمر، على تكريم مجموعة من القيادات الأمنية لمدينة الدار البيضاء، وخلال «الديربي» نال المحتفى بهم كرما من نوع آخر، حين تعرضت عناصر أمنية لجلد أمام أنظار العالم، وتناسى الجميع الود الذي كان ينساب من كلمات منشط الحفل يوم تكريم البوليس.
لكن الحرب بين الغريمين لم تنته، فقد قرر محمد بودريقة، رئيس الرجاء البيضاوي، تسجيل هدف في مرمى الوداد، واختار زيارة الشاب كمال، أحد أفراد «الوينيرز» الذي بترت ساقه، وأعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي مساعدته في محنته، في التفاتة ظاهرها إحسان وباطنها انتقام، وقال العارفون ببواطن الأمور إن هدف بودريقة جاء من حالة تسلل، بينما قال حواريوه إنه هدف مشروع رغم تسجيله في الوقت الضائع.
نصح أحد الوداديين رئيس فريقهم سعيد الناصري بالرد على الصدقة الجارية لرئيس الرجاء، والقيام بمبادرة مماثلة لفائدة لاعب رجاوي سابق يعاني من ضيق الحال، ونشر الحسنة على مواقع التواصل الاجتماعي كرد فعل على مبادرة رئيس الرجاء المشبعة بسبق الإصرار والترصد. لكن ذوي النيات الحسنة دعوه إلى صرف النظر عن الحكاية وذكروه بسطور مذكرة تفاهم تعيش في غيبوبة منذ توقيعها قبل عام.
لن يجدي تشميع المدرجات في نزع فتيل الشغب من ملاعب الكرة، ولن تنفع العقوبات السالبة لحرية الفرجة في وقف المعارك التي تعيشها الدار البيضاء سواء في يوم «الديربي» أو في باقي المباريات، مادامت الناشئة قد استبدلت أناشيد «مدرستي حلوة» بموشحات المدرجات، وأصبح الأطفال واليافعون يجدون في «كابو» الملعب، قائد أوركسترا الجماهير مثلا يحتذى به في الفتوة والزعامة، رغم أنها لا تتعدى نبض المباراة.
سيظل الحال على ما هو عليه، مادام كبار المسؤولين الأمنيين يتعاملون مع المد الجماهيري، بنفس المقاربة الأمنية التي يتعاملون بها مع الحركات الاحتجاجية، حيث يمنحونهم ساعتين لتفريغ ما في جعبتهم من أشعار وشتائم ويقومون بخفرهم كي يصلوا إلى بيوتهم سالمين.
واهم من يعتقد اليوم أن الفرجة لا تدر مالا، ومخطئ من يظن أن مهنة «كابو» لا تمنح صاحبها المال والوجاهة، فكثير من قادة «الإلتراس» أصبحوا يدخلون مخافر الشرطة لقضاء حوائجهم بيسر، لأن قربهم من الأجهزة الأمنية مكنهم من وضع اعتباري خاص لا يحظى به متفرجو باقي المدرجات حتى الشرفية، ألا تستحق هذه المهنة تأهيلا حتى يتخرج من مراكز التكوين «كابوات» لهم دراية واسعة بجغرافيا وتاريخ المدرجات، ومعرفة واسعة بسوسيولوجيا الازدحام؟
أما آن الأوان لفك لغز محير لملعب يتسع لـ47 ألف متفرج، لكنه يصبح في المباريات الحارقة قادرا على نفخ بطنه ليحمل ضعف طاقته الاستيعابية؟ كيف يدخل آلاف المتفرجين إلى مركب محمد الخامس دون الحاجة إلى تذكرة لأن تذكرتهم على وجوههم؟
انتهى «ديربي» الأحزان، لكن المعارك مستمرة بين الرجاويين والوداديين، وستأخذ منحى آخر مع افتتاح أبواب التسوق للاعبين، أو ما يعرف في اصطلاح الكرة بـ«الميركاتو الشتوي»، سنعيش أبشع أصناف الضرب تحت الحزام، وسينشط الوسطاء وتجار الحروب في تهريب اللاعبين بين الوداد والرجاء. لذا نلتمس من رئيس جامعة الكرة إلغاء «الميركاتو الشتوي» إلى أن يحل الشتاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى