السكوري في مواجهة النقابات
إخراج قانون الإضراب مقابل إقبار قانون النقابات
رفض وزير الإدماج الاقتصادي والتشغيل، يونس السكوري، الخضوع للضغوطات التي تمارسها المركزيات النقابية بخصوص عرقلة تمرير القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب. وفي هذا الصدد، قررت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب تقديم التعديلات على المشروع، على أن يتم التصويت على المشروع في أقرب وقت. وبعد المصادقة على قانون الإضراب، سيتم إخراج قانون النقابات الذي سيتم بموجبه تحديد ولايات زعماء المركزيات النقابية وتحديد مواعد تنظيم مؤتمراتها الوطنية، وكذلك التنصيص على آليات الافتحاص المالي للنقابات من طرف المجلس الأعلى للحسابات على غرار الأحزاب السياسية، وهذا ما يرفضه قادة بعض النقابات ويستعملون قانون الإضراب للضغط على الوزير فقط.
إعداد: محمد اليوبي
شرعت لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب في تلقي التعديلات بخصوص مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الذي ظل محتجزا داخل اللجنة منذ سنة 2016، عندما أحالته حكومة بنكيران، في آخر عمر ولايتها، وسيتم تقديم التعديلات على القانون بعد انتهاء مجلس النواب من مناقشة مشروع قانون المالية.
مواجهة ساخنة بالبرلمان
شهد اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب نقاشات ساخنة وتباينا في الآراء والمواقف، حيث طالب برلمانيون بسحب المشروع وإعادة صياغته باتفاق مع النقابات عبر آلية الحوار الاجتماعي، فيما طالب برلمانيون من الأغلبية والمعارضة بالإسراع في دراسة القانون والتصويت عليه، ووجهوا اتهامات إلى المركزيات النقابية بعرقلة إخراج هذا النص القانوني، ووجهوا لها اتهامات بممارسة ازدواجية الخطاب، حيث وافقت على جل مواد القانون في إطار جلسات الحوار الاجتماعي، وصادقت بالإجماع على رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ثم تخرج ببيانات وبلاغات تعبر من خلالها عن رفضها للمشروع.
وأكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، انفتاح الوزارة على التعديلات التي ستتقدم بها مختلف الفرق البرلمانية، أغلبية ومعارضة. وأفاد السكوري، خلال اجتماع اللجنة، بحضور هشام صابري، كاتب الدولة المكلف بالشغل، بأنه سيراسل النقابات الممثلة في البرلمان، بما في ذلك التي لا تشارك في الحوار الاجتماعي على المستوى المركزي، لطلب تعديلاتها على مشروع القانون التنظيمي.
وكشف السكوري أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يضم في تركيبته تمثيلية المركزيات النقابية، وهذا المجلس صادق بالإجماع على رأيه بخصوص مشروع قانون الإضراب، وأعلن أن الحكومة تتفق مع ما ورد في رأيي كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول هذا المشروع، واللذان تضمنا عدة انتقادات وملاحظات على مواده. وعبر الوزير عن استغرابه لازدواجية خطاب النقابات التي صوتت على رأي المجلس، ثم تخرج لإصدار بلاغات، مشيرا إلى أن موضوع القانون التنظيمي للإضراب أكبر من أن تقدم فيه رسائل أو بلاغات، وإن كان ذلك من حق النقابات، معتبرا أنه ينبغي أن تتم مناقشته مؤسساتيا.
السعي نحو التوافق
نفى السكوري وجود خلافات في العمق حول مقتضيات القانون، وقال إن الحكومة ستحاول الوصول إلى توافق بشأنه، حتى إذا لم يكن بشكل كامل، أن يكون ثمة توافق بنسبة 80 أو 90 في المئة. وأفاد الوزير بأن الحكومة عقدت 65 اجتماعا مع النقابات للتوافق حول مواد المشروع، وهو ما حصل في آخر جلسة للحوار الاجتماعي، حيث تم الاتفاق، ضمن مخرجات الحوار، على الشروع في دراسة القانون والتصويت عليه في الدورة الربيعية للبرلمان، لكن فرق المعارضة طلبت تأجيل ذلك إلى حين التوصل برأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وأضاف السكوري: «اليوم وصلنا إلى مرحلة الحسم ولي عندو شي رأي واضح يقدمو». وأعلن الوزير أنه سيوجه مراسلات كتابية إلى النقابات، بما فيها غير المشاركة في الحوار الاجتماعي، من أجل تقديم مقترحاتها بشكل رسمي، سواء في ما يتعلق بالديباجة أو العقوبات أو غيرها.
وفي ما يتعلق بتعريف الإضراب، أكد الوزير أنه سيحظى بالأولوية، مشيرا إلى أهمية التفكير في الفئات المعنية بالإضراب. وبعدما شدد على أن مشروع القانون التنظيمي «لا ينبغي أن يكبل تنفيذ الإضراب»، أبرز السكوري أن الحكومة تسعى إلى التوافق بشأن عدد من الإشكالات، مضيفا أنه «لا يمكن الاختلاف بشأن كل ما يتعلق بالصالح العام». وأكد الوزير، في هذا السياق، أنه ستتم إعادة النظر في الآجال ومساطر الإضراب والتدقيق في الأسباب الداعية إليه التي لم يتم التفصيل فيها بشكل دقيق في النسخة الحالية من مشروع القانون، بالإضافة إلى التنصيص على ضرورة التزام المشغلين بالجلوس إلى طاولة الحوار. وأشار الوزير إلى أن ملاحظات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بخصوص هذا النص التنظيمي، ستؤخذ بعين الاعتبار.
من جهتهم، دعا النواب البرلمانيون المشاركون في هذا الاجتماع إلى إعادة النظر في تعريف عدد من المصطلحات على رأسها مفهوم الإضراب، وطالبوا بتدقيقه ومنحه بعدا حقوقيا، بالإضافة إلى تحديد دور المشغل والجهة الداعية إلى الإضراب، وكذا مفهوم النقابة الأكثر تمثيلا، مشددين على ضرورة تخصيص مادة واحدة تضم مختلف التعاريف، وطالبوا، أيضا، بتوسيع الفئات المعنية بالإضراب باعتباره حقا دستوريا، ومراجعة تعريف الحد الأدنى للخدمة لأن مدلولها يتغير من قطاع إلى آخر.
وفي رده، أكد السكوري أنه سيتم إخراج القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية. وأشار الوزير إلى انه سيتم العمل على إدراج هذه المبادئ في صيغة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، التي سبق إيداعها بالبرلمان، بعد استكمال مناقشة تفاصيل بنوده مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين باعتماد منهجية الحوار مع السعي إلى التوافق.
تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب مازال يراوح مكانه بمجلس النواب منذ سنة 2016، في انتظار المصادقة بلجنة القطاعات الاجتماعية. وسبق لهذه اللجنة أن عقدت اجتماعا خصص لتقديم المشروع، خلال الولاية الحكومية السابقة، ما أثار جدلا كبيرا بين الحكومة والنقابات، حيث رفضت هذه الأخيرة الشروع في مسطرة المصادقة على القانون، وطالبت بسحب المشروع من البرلمان، وفتح مشاورات جديدة بشأنه، قبل إعادة برمجته على أجندة أعمال البرلمان، وهو ما أدى إلى تأجيل دراسته بطلب من الحكومة.
ويعتبر مشروع القانون من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها، لكن يظل الهدف الأساسي واضحا يتمثل في تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.
الإضراب بين الحق والباطل
ينص الدستور، في فصله التاسع والعشرين، على أن «حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات: حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته»، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة نظرا لكون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.
ويتكون مشروع قانون الإضراب من خمسة أبواب ومن 49 مادة، ونص في المادة الخامسة على أن «كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا». ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب، حيث يوجب مشروع القانون، حسب المادة السابعة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمّال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول متوافق عليها، ولهذه الغاية يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين وسيط، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين، وتنص هذه المادة على أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب.
وينص المشروع، كذلك، على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة للإضراب، ولابد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.
ويعتبر مشروع القانون المشاركين في الإضراب بالمادة 14 من المشروع في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة. ويلزم النص الجهة الداعية للإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام في حال كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم.
وتنص المادة 15 من القانون على أنه يمكن أن يتخذ قرار الإضراب على الصعيد الوطني في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في عدة أنشطة معينة داخل القطاع نفسه أو في قطاعات مختلفة، من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا أو ذات تمثيلية على الصعيد الوطني، وذلك طبقا لأنظمتها الأساسية.
ويمنع حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل، أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها. وحسب المادة 26 يمكن لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة. ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة. وفي ما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسلة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات التأديبية.
قانون الإضراب بين رفض النقابات ورأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي
وجه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي انتقادات واضحة لمشروع القانون التنظيمي للإضراب، منبها في رأيه بشأن مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، أن المشروع قدد غلب البعد الزجري والمقاربة التقييدية لممارسة هذا الحق وهيمنة اللاتوازن على هيكلة مقتضيات هذا النص التشريعي المهم، داعيا إلى تجنب مشروع القانون التنظيمي إدراج عقوبات سالبة للحرية، مشيرا إلى المشروع التشريعي “الغاية منه أساسا هي تنظيم حق الإضراب وإحاطته بالضمانات القانونية الضرورية لممارسته، غير أنه 12 مادة من أصل 49 للزجر، مما يرجح المقاربة التقييدية، ويخلق انطباعا غير إيجابي وتوجسي تجاه المبادرة التشريعية برمتها”، مبرزا أن “هيكلة مشروع القانون التنظيمي يطبعها اللاتوازن”، مسجلا أنه “خصص 22 مادة من أصل 49 تتعلق بممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص، في حين لم يخصص المشروع سوى 4 مواد لممارسة نفس الحق في القطاع العام والمؤسسات العمومية”.
من جانب آخر، أوصى المجلس بـ”إعادة النظر في تعريف الإضراب مما سيستلزم مراجعة المشروع برمته ليجيب عن كل الإشكالات المذكورة سابقا، وعلى رأسها تدارك ضم جميع الفئات المهنية التي تتمتع بحرية الانتماء النقابي طبقا لأحكام الدستور والمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل كالعاملات والعمال المنزليين التجار المهن الحرة”، مشددا على ضرورة “التنصيص، سدا للفراغ التشريعي، على أن لكل المنظمات النقابية والجمعيات المهنية المؤسسة والمعترف بها قانونيا الحق في الدعوة إلى الإضراب متى توفرت لها التمثيلية”، داعيا إلى “مراجعة كل الإشكالات المتعلقة بالتمثيلية ومعاييرها في القطاعين العام والخاص، بما يسمح برفع القيود عن ممارسة حق الإضراب والحق في التنظيم ويعكس التمثيلية الحقيقية على مستوى الشرعية والمشروعية”.
وعلى مستوى العقوبات في القانون التنظيمي للإضراب، دعا المجلس إلى “تجنب مشروع القانون التنظيمي إدراج عقوبات سالبة للحرية، مع مراجعة كل مقتضيات القوانين التي تتنافى مع الحق في ممارسة الإضراب وخاصة الفصل 288 من القانون الجنائي وذلك بإلغاء المقتضى الذي يفيد أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه “، كما أوجب “تحديد نصاب الجمع العام للأجراء وكيفية عقده وشروط اقتراعه، والتي يمكن أن تحال على اتفاقات واتفاقيات جماعية تعقد بين الأطراف وتأخذ بعين الاعتبار حجم وهيكلة كل مؤسسة على حدة”، مشيرا إلى أنه “في حال تعذر ذلك، يحدد القانون حدودا دنيا للنصاب المطلوب لتجنب النزاع في هذا الموضوع”.
وعلى مستوى تعريف “المرافق الحيوية” و”الحد الأدنى من الخدمة” في المشروع نفسه، لفتت المؤسسة الدستورية ذاتها إلى ضرورة “إحالة مقتضيات المادة 34 على نص قانون متوافق حوله لتحديد المرافق الحيوية بوضوح ودقة، ما من شأنه أن يحقق المرونة المنشودة في التعديل والتحيين في ظل تسارع تطور البنيات الصناعية والأنماط المهنية الجديدة”، كما شدد المجلس على “تحديد الجهة المسؤولة عن إخطار المرتفقين والمواطنين داخل آجال معقولة بتاريخ ومدة الإضراب وبأي جدولة عملية لتنظيم الحد الأدنى من الخدمة، وذلك تحقيقا للصالح العام”، منبها إلى ضرورة تحديد النص التشريعي بوضوح وإلى أضيق حد ممكن فئات الموظفين العموميين الذين يتم تقييد حقهم في الإضراب، مؤكداً أنه لا بد من “التوافق مع توجهات منظمة العمل الدولية والتجارب الدولية التي تقيد هذا الحق عادة بالنسبة لحملة السلاح والفئات التي تمنع أنظمتها الخاصة صراحة ممارسة حق الإضراب”.
وطالبت نقابة الاتحاد المغربي للشغل الحكومة بإعادة هيكلة لغة مشروع قانون الإضراب بكيفية واضحة ودقيقة، تستعمل مفاهيما “تنسجم وتتطابق ومضمون وموضوع القانون”، مشددة على أن الصيغة الحالية ترمي إلى “الإجهاز على مجموعة من المكتسبات التي راكمتها الطبقة العاملة والحركة النقابية عبر مسارها التاريخي وكرستها عمليا لعقود من الزمن مثل عدم المساس بأجور المضربين”، وأوضح الاتحاد المغربي للشغل، في مذكرة جوابية أن “من مظاهر عدم التوازن التي تطبع هذا المشروع، الميز وعدم التكافؤ بين الفئات المشمولة بحق الإضراب من أجراء ومهنيين، كما أنه يخصص أكثر من سدس مواده للعقوبات الزجرية والحبسية والغرامات تجاه النقابيين والمضربين والمنظمات النقابية”.
واقترحت المذكرة تحديدا دقيقا للإضراب ونطاق تطبيقه والفئات المشمولة بممارسة هذا الحق يعرف بموجبه بأنه “توقف عن العمل من أجل الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية للأجراء. وهو آلية وأداة للاحتجاج السلمي دفاعا عن المطالب المادية والمعنوية للأفراد والجماعات في كل المجالات، والأنشطة، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والسياسية والبيئية”، ويشمل الإضراب، بالإضافة إلى أصناف الأجراء الذين يخضعون لقانون الشغل أو لقانون الوظيفة العمومية أو للأنظمة الأساسية الخاصة، كل الفئات المهنية وكل مواطن أو مواطنة أفرادا أو جماعات، المنتمون منهم أو غير المنتمين لهيئات أو منظمات نقابية تنشط وتشتغل في إطار القوانين والتشريعات الجاري بها العمل”، تضيف المذكرة ذاتها.
من جانبها انتقدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في مجلسها الوطني الحكومة متهمة إياها بـ”التملص من التزاماتها تجاه الحركة النقابية”، وأكدت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في اجتماع مجلسها الوطني، أن “الحكومة تتملص من التزاماتها وتتعامل بمنطق لا ديمقراطي مع الحقوق الدستورية، وعلى رأسها حق الإضراب”، وسجل خليل هوير العلمي، نائب الكاتب العام للنقابة ذاتها، في كلمة ألقاها نيابة عن الكاتب العام عبد القادر الزاير، الذي ترأس أشغال المجلس، وجود “تملص آخر للحكومة من التزاماتها بعد إحالتها مشروع القانون التنظيمي للإضراب على البرلمان دون استكمال مسار التفاوض، ودون الوصول إلى توافق حول مضامينه بعد رفض المقتضيات التكبيلية التي تجهز على الحق في الإضراب وتضرب الحرية النقابية”.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي أوصى بإبعاد المتقاعدين عن تسيير النقابات
بعد الجدل الذي أثاره مشروع القانون المتعلق بالمنظمات النقابية المعروض على أنظار البرلمان، بين الحكومة والنقابات، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيه بخصوص هذا القانون، الذي مازال محتجزا داخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب منذ سنة 2016.
وأوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن مشروع القانون 24.19 المتعلق بالمنظمات النقابية، يهدف إلى تدارك بعض أوجه النقص في التشريعات الوطنية، وقدم بعض المقتضيات الجديدة تتعلق بضبط وتنظيم الجوانب المرتبطة بالعمل النقابي للعمال والتمثيل المهني للمشغلين، لاسيما عبر تحديد معايير ومستويات التمثيلية – وطنيا وقطاعيا وجهويا – المتعلقة بالمنظمات النقابية بالقطاعين العام والخاص، كما سعى إلى تطوير حكامة المنظمات النقابية، وإضفاء شفافية على تدبيرها.
غير أن قراءة مشروع القانون، حسب رأي المجلس، تثير كذلك بعض الملاحظات وتفضي إلى بعض الخلاصات الجوهرية التي تسائل مدى كفايته على الإحاطة ورفع التحديات التي يطرحها الحقل النقابي، ولاحظ المجلس في مشروع القانون، أنه لا يعتمد دائما قواعد الصياغة القانونية الصارمة التي تتوخى الدقة والتناسق والانسجام، ويتجلى ذلك في الديباجة وفي عدد من مواد النص المقترح، في ما يتعلق بالأسلوب، وبتوظيف مصطلحات ومفاهيم دون تعريفها أحيانا، مما قد يخلق التباسا في إدراك المراد من النص.
وأضاف المجلس، أن مشروع القانون، طرح على أنه يرمي إلى تنزيل أحكام الدستور، غير أن مضمون النص المقترح يكاد يحصر الأمر في تفعيل ما جاء في الفصل الثامن من الدستور بشأن إصدار إطار قانوني ينظم “تأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها”، والفصل التاسع الذي ينص على أنه “لا يمكن حل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أوتوقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي”، بينما أغفل مشروع القانون تنزيل أحكام الدستور التي ترمي إلى النهوض بأدوار المنظمات النقابية والمنظمات المهنية وتشجيع المفاوضة الجماعية وتكريس الديمقراطية التشاركية، كما تم تقديم مشروع القانون كنص قانوني “شامل” لتجاوز ازدواجية التشريعات بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال النقابي، بينما ازدواجية القوانين لا تبرر في المطلق الحاجة لإصدار نص تشريعي جديد. علاوة على ذلك، فإن مشروع القانون لم يعالج ازدواجية راسخة في التشريعات الوطنية بين الإطار النقابي والإطار الجمعوي، مع العلم أن المعاهدات الدولية لا تميز بينهما، فكلاهما يستند إلى الحق في التنظيم.
وبخصوص الدعم المالي للمنظمات النقابية ومراقبة صرفه، سجل المجلس وجود تمييز في الدعم المالي العمومي، حيث يوجه الدعم المالي للدولة، بمقتضى المادة 113 من مشروع القانون، حصريا للمنظمات النقابية للعمال الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني، بينما تحرم من ذلك باقي المنظمات النقابية للعمال والمنظمات المهنية للمشغلين ونقابات الفئات الأخرى غير العمال والمشغلين، وأكد رأي المجلس أنه “لايفهم الداعي لهذا الاختيار في ظل وجود قوانين وطنية تشرع وتؤطر تقديم الدعم العمومي للجمعيات على اختلاف أشكالها، بينما تقصى أغلب النقابات من دعم الدولة المالي. مع العلم أن الانتماء إلى جمعية والانتماء إلى نقابة يمثلان نفس الحق، ألا وهو الحق في التنظيم المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وذلك انسجاما مع الإرادة في إصلاح الحقل النقابي ودعم أدوار المنظمات النقابية، يتعين إتاحة الدعم المالي للدولة مع إخضاعه لمعايير موضوعية، مثل حجم التمثيلية وتنوعها وتحقيق أهداف ملموسة.
أما بخصوص ترسيخ الديمقراطية الداخلية للنقابات والهيئات المهنية، يسجل رأي المجلس، أنه رغم التنصيص على بعض الإجراءات في مشروع القانون، كانعقاد المؤتمرات الوطنية في آجالها، وشفافية التدبير الإداري والمالي، إلا أنه لم يكن حاسما في مسألة المناصفة، وظلت بعض المقتضيات عامة (المادة 8) في ما يتعلق بتحقيقها، كتقلد مهام التدبير والتسيير، وأشار المجلس إلى أن حصر مدة الانتدابات الخاصة بالمسؤوليات في أربع سنوات دون تحديد عددها لا ينسجم مع مبادئ الحكامة، ولا يساعد على إمكانية التداول وفتح الطريق أمام الشباب، وفضلا عن ذلك، فإن المادة 15، وإن أعطت إمكانية استمرار العامل المحال على التقاعد في الاحتفاظ بعضويته في نقابته الأصلية أو الانخراط في أي نقابة أخرى من اختياره، فإنها لم تحسم بطريقة صريحة في أمر تحمله المسؤولية من عدمها، أو استمرار تحمل المسؤولية إلى ما بعد نهاية فترة الانتداب، وهو ما يطبع عمل المشرع بالتردد في الأمور التي تعتبر مفتاحا لتفعيل آليات الديمقراطية.
وأوصى المجلس بضرورة تقوية صياغة مقتضيات المادتين 8 و15، واعتبار المشرع للمعايير والممارسات الجيدة ذات الصلة، والحسم في عدد من القضايا التي من شأنها تكريس نهج الحكامة والديموقراطية في تسيير هياكل المنظمات النقابية والهيئات المهنية، ولا سيما في ما يتعلق بالدعم المالي المشروط بالمناصفة، وحصر عدد الانتدابات الخاصة بالمسؤوليات، وفتح المجال أمام الشباب في الولوج إلى الأجهزة التداولية لتجديد النخب، والحسم في تحمل المسؤوليات بالنسبة للمتقاعدين.
تمرير قانون الإضراب مقابل إقبار قانون المنظمات النقابية
بعد الاتفاق على إخراج القانون التنظيمي للإضراب، تواجه الحكومة مهمة صعبة في إخراج القانون التنظيمي للنقابات، الذي سيضبط الحقل النقابي، وذلك بعدما عجزت الحكومتان السابقتان عن تمرير هذا القانون. ويرفض الكتاب العامون للمركزيات النقابية إدراج هذه النقطة في جدول أعمال الحوار الاجتماعي، بعدما تقدموا سابقا بطلب لمنحهم مهلة لتقديم ملاحظاتهم ومقترحاتهم بخصوص هذا القانون، وذلك من أجل ربح المزيد من الوقت إلى حين نهاية الولاية الحكومية الحالية.
وينص الفصل 8 من الدستور على وضع القانون المتعلق بالنقابات، على غرار قانون الأحزاب، يحدد القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة، وكيفيات مراقبة تمويلها. ويوضح أن هذا الفصل بالإضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة، ومراقبة هذه النقابات. ومن ثم فإن دستور 2011 حدد الخطوط العريضة لهذا القانون، وبالتالي فالحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود. إضافة إلى ذلك فإن الدستور تضمن مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، وهذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، كما أن الفصل 29 من الدستور أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
وفشلت الحكومتان السابقتان في إخراج قانون يهم تنظيم الحياة النقابية، وتعزيز الحكامة التنظيمية داخل الجسم النقابي المغربي، وكذلك تعزيز الرقابة المالية من خلال فتح المجال أمام آليات الافتحاص المالي للمركزيات النقابية من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات على غرار الأحزاب السياسية التي تقدم حساباتها السنوية إلى المجلس، وما زال مشروع القانون محتجزا بمجلس النواب منذ حوالي ست سنوات، دون المصادقة عليه.
ويحدد مشروع القانون المعروض على البرلمان مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم على الخصوص «كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة»، و«مدة ولاية الأعضاء المكلفين بالإدارة والتسيير داخل الأجهزة»، و«شروط الانخراط وإقالة واستقالة الأعضاء» وكذا «أحكام تكفل ضمان تمثيلية النساء والشباب في الأجهزة المكلفة بإدارة وتسيير النقابة»، و«الجهاز المكلف بمراقبة مالية النقابة أو المنظمة». كما أكد على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن «لا تتجاوز أربع سنوات»، ليردف أن «الفترة الفاصلة بين المؤتمرات العادية لنقابات العمال أو للمنظمات المهنية للمشغلين لا يجب أن لا تتجاوز المدة المنصوص عليها في النظام الأساسي في ما يتعلق بولاية الأعضاء المكلفين بإدارة وتسيير هيكل النقابة، أو المنظمة على جميع المستويات»، كما أن النقابات أو المنظمات المهنية مطالبة بـ«احترام تجديد هياكلها داخل الآجال المقررة في أنظمتها الأساسية، تحت طائلة اعتبارها في وضعية غير قانونية وانعدام الأثر القانوني لأي تصرف صادر عنها، قبل تسوية وضعيتها».
ووضع القانون معيارين أمام المنظمة النقابية للعمال من أجل الحصول على صفة «الأكثر تمثيلية»، يرتبط المعيار الأول بحصول النقابة المعنية على «نسبة 6 في المائة على الأقل من مجموع عدد ممثلي موظفي الدولة والجماعات الترابية ومستخدمي المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري في انتخابات اللجان الإدارية متساوية الأعضاء بالقطاع العام، ومن عدد مندوبي الأجراء في الانتخابات المهنية بالقطاع الخاص، على المستوى الوطني»، فيما ينص المعيار الثاني على أن «تكون ممثلة بمجلس المستشارين»، وحدد مشروع القانون أربعة معايير لحصول المنظمة المهنية للمشغلين على صفة «الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني»، وهي «الرقم الإجمالي للمعاملات الذي حققه منخرطوها على المستوى الوطني، وعدد مناصب الشغل المصرح بها والتي وفرتها أنشطة منخرطي المنظمة، وحجم وجودها على مستوى مختلف القطاعات الاقتصادية، وتمثيليتها بمجلس المستشارين».
وينص مشروع القانون في المادة 100 على أن تمسك «المنظمات النقابية والمهنية للمشغلين، نظاما محاسبيا سنويا»، وبأن «تحتفظ بجميع الوثائق المثبتة لمحاسبة المنظمة لمدة عشر سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله هذه الوثائق»، ويلزم القانون النقابات والمنظمات المهنية للمشغلين، بصرف الدعم المالي السنوي الممنوح لها «في الأغراض التي منح لأجلها»، معتبرا أن «كل استخدام كلي أو جزئي للدعم المالي الممنوح من طرف الدولة لأغراض غير التي منح لأجلها يعد اختلاسا للمال العام يعاقب عليه طبقا للقانون»، وأكد المشروع أن المجلس الأعلى للحسابات، هو المؤسسة المخول لها «مراقبة صرف الدعم السنوي الذي تستفيد منه المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني»، لينص في هذا الصدد على أن توجه هذه المنظمات إلى هذه المؤسسة الدستورية ، «داخل أجل أقصاه 31 مارس من السنة الموالية للسنة المالية المنصرمة، تقريرا مفصلا عن أوجه استعمال هذا الدعم عن السنة المعينة»، وهذا التقرير «يجب أن يكون مصادقا عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة للخبراء المحاسبين، ومرفقا بالمستندات التي تثبت النفقات المنجزة برسم السنة المالية المعنية».
وأوضح مشروع القانون أنه «في حال عدم توجيه التقرير السنوي داخل الأجل المحدد، أو إذا كانت المستندات التي تم الإدلاء بها غير كافية، أو لا تبرر جزئيا أو كليا استعمال الدعم المحصل عليه في الغايات التي منح من أجلها، يوجه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إنذارا إلى رئيس النقابة من أجل تسوية وضعيتها داخل أجل أقصاه 30 يوما، أو ارجاع مبلغ الدعم إلى الخزينة العامة للمملكة».
وأضاف أنه «في حال عدم استجابة النقابة المعنية لإنذار الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، فإنها تفقد حقها في الاستفادة من الدعم السنوي، كما تفقد حقها في الدعم، في حال عدم عقد مؤتمرها الوطني العادي وفق الآجال المنصوص عليها في نظامها الأساسي، وذلك بعد انصرام أجل أٌقصاه ستة أشهر من التاريخ المحدد لانعقاد المؤتمر»، على أن «تسترجع المنظمة هذا الحق، ابتداء من تاريخ تسوية وضعيتها بهذا الخصوص».