السفير الصيني يكشف في حوار حصري مع «الأخبار» مستجدات وآفاق العلاقات بين المغرب والصين
قال إن المغرب يلعب دورا مهما في ربط جسور التعاون بين إفريقيا وباقي دول العالم
الصين ثالث شريك تجاري للمغرب والشراكة الاستراتيجية أعطت دفعة قوية للتعاون
مبادرة «الطريق والحزام» ستفتح الباب أمام تنمية الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والثقافي والسياحي
عرفت العلاقات المغربية- الصينية، خلال السنوات الأخيرة، تطورا متسارعا على كافة المستويات، سيما منذ الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى هذه الدولة سنة 2016، وتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وانضمام المغرب إلى مبادرة «الحزام والطريق» التي اقترحها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2013.
في هذا الحوار الذي أجرته معه «الأخبار»، يستعرض السفير الصيني المعتمد في الرباط، لي لي، مستجدات العلاقات المتميزة التي تربط المغرب والصين، وآفاق تطورها في المستقبل، تزامنا مع الذكرى الستين لإقامة العلاقات الديبلوماسية. ويكشف الفرص المتاحة أمام الشركات الصينية للاستثمار في المغرب، وتطور المبادلات التجارية بين البلدين، ودور الثقافة في تعزيز التقارب بين الشعوب، فضلا عن النتائج التي حققها قرار إلغاء التأشيرة عن المواطنين الصينيين لزيارة المغرب.
حاوره: محمد اليوبي
1- نبدأ من مبادرة «الحزام والطريق» التي اقترحها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2013، وانضم إليها المغرب، لتعزيز شراكته مع الصين، أين وصل تفعيل مضامين هذه المبادرة، وما مدى مساهمتها في تعزيز العلاقات بين البلدين؟
مبادرة «الحزام والطريق» تهدف إلى بناء شبكة للتجارة والبنية الأساسية تربط آسيا مع إفريقيا وأوروبا على طرق التجارة لطريق الحرير القديم. ووقع وزيرا خارجية المغرب والصين، في نونبر 2017، مذكرة تفاهم لتعزيز المبادرة، ليصبح المغرب بذلك أول دولة مغاربية توقع مثل هذه الوثيقة.
وفي الوقت الحالي، يعمل البلدان على ربط مبادرة «الحزام والطريق»، مع أهداف الاستراتيجية التنموية بالمغرب، لأنها ستمكن من فتح آفاق واسعة أمام تنمية الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والثقافي والسياحي. وهناك مجهود متواصل لتحويل هذه الإرادة المعلن عنها إلى أعمال ملموسة على أرض الواقع، من خلال تنزيل محاور المبادرة على كافة المستويات، وذلك عبر تعزيز التعاون الثنائي لتطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمارات، وتوفير الخدمات اللوجستيكية والنهوض بالقطاع السياحي، وتطوير الطاقات المتجددة، بما يعود بالنفع على الشعبين المغربي والصيني.
2- العلاقات بين المغرب والصين ليست حديثة العهد، وعرفت تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، ما هي آفاق هذه العلاقات؟ وكيف يمكن تعزيزها مستقبلا؟
فعلا، علاقات الصداقة بين المغرب والصين تعود إلى تاريخ قديم، لأن المغرب يعتبر ثاني بلد إفريقي وعربي ربط علاقات ديبلوماسية مع الصين. وفي السنوات الأخيرة، تطورت العلاقات بين البلدين بشكل متسارع، خاصة بعد الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى بكين في 2016، وتوجت بإقامة شراكة استراتيجية بين البلدين، ما جعل هذه العلاقات تدخل مرحلة جديدة من التطور.
ونحن الآن نخلد الذكرى الستين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين المغرب والصين، نلاحظ تطورا كبيرا في هذه العلاقات على كافة المستويات. فعلى المستوى الاقتصادي، هناك تطور مهم ونمو في المبادلات التجارية، وذلك بالموازاة مع المشاريع الرائدة والفرص الجديدة للاستثمار في مختلف المجالات. أما على المستوى الثقافي، تتوفر الصين على ثلاثة معاهد كونفوشيوسية لتعليم اللغة الصينية بالمغرب، وتعززت الآن بافتتاح المركز الثقافي الصيني الجديد بالعاصمة الرباط، كما نسجل بارتياح، تزايد عدد السياح الصينين الوافدين على المغرب، بفضل قرار جلالة الملك محمد السادس بإلغاء التأشيرة عن المواطنين الصينيين، كل هذا فتح آفاقا جديدة لتعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي والثقافي والسياحي بين البلدين.
3- تحدثت عن الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين، التي تم توقيعها سنة 2016، ما تقييمك لتفعيل هذه الشراكة بعد مرور ثلاث سنوات؟.
العلاقات المغربية- الصينية عرفت تطورا مهما منذ ستين سنة، وهي علاقات متفردة يسودها التعاون والاحترام والتفاهم المتبادل بين البلدين، ويدعم كل منهما الآخر في القضايا ذات الاهتمام المشترك أو التي تخدم مصالحهما، وكذلك التشاور والدعم في مختلف الملفات التي تهم البلدين على مستوى المحافل الدولية. ومنذ التوقيع على إقامة الشراكة الاستراتيجية، توطدت هذه العلاقات بشكل أفضل، ويتجلى ذلك في عقد اتصالات ولقاءات مهمة بين المسؤولين على كافة المستويات لتدارس مختلف القضايا والملفات المطروحة في إطار الشراكة. وبالإضافة إلى استمرار تطور التعاون على مستوى القطاعات التقليدية بين البلدين، هناك إطلاق مشاريع مهيكلة جديدة، وكذلك العمل على تطوير التبادل الثقافي والنهوض به ليرقى إلى مستويات أفضل لإثراء هذه الشراكة ذات البعد الاستراتيجي.
4- شهدت العلاقات التجارية بين البلدين، في السنوات الأخيرة، نموا كبيرا، هل يمكن أن تعطينا بعض الأرقام والمؤشرات، وكذلك آفاق تطوير هذه العلاقات؟
شهد التعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب والصين، في السنوات الأخيرة، دينامية قوية، خاصة بعد إعادة إطلاق اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والتقني، ما أعطى دفعة قوية لتعزيز الاستثمارات الصينية وكذلك نمو المبادلات التجارية. وتعد الصين ثالث شريك تجاري للمغرب، بمبادلات إجمالية تقدر بنحو 4 ملايير دولار، وفي شهر يوليوز الماضي، وقعت شركة «سيتيك ديكاستال» (Citic Discatal) اتفاقية مع الحكومة المغربية من أجل إنجاز استثمارات ضخمة تقدر قيمتها بمبلغ 350 مليون أورو، لبناء مصنعين لإنتاج عجلات الألمنيوم للسيارات، الأول سيكون بالمنطقة الحرة الأطلسية بالقنيطرة والثاني سيكون بالمنطقة التكنولوجية بطنجة، وهو رقم قياسي للاستثمار الصيني في المغرب. بالإضافة إلى ذلك، ثمة تعاون كبير في المجال الصحي، من خلال التمويل والتكوين، فضلا عن استثمارات مهمة في المدن الذكية، والزراعة الخضراء، ومكافحة التصحر والحوسبة السحابية التي أتاحت كذلك العديد من الفرص.
5- تحدثت عن فرص الاستثمار، لكن هناك من يتحدث عن وجود صعوبات تواجه تطوير الاستثمارات الصينية في المغرب في السنوات الأخيرة، ما صحة ذلك؟ وما هي الأسباب في رأيك؟
هناك فرص مواتية للاستثمار في المغرب، نظرا لموقعه الجغرافي المهم، ويشكل نقطة جذب المزيد من الشركات الصينية للاستثمار، والحكومة الصينية تشجع دائما الشركات على الاستثمار في المغرب، وخلال السنوات الأخيرة، عرفت هذه الاستثمارات تصاعدا ملحوظا، خاصة بعد قرار إلغاء التأشيرة عن المواطنين الصينين، ما فتح المجال أمام رجال الأعمال والشركات للقيام بزيارات لاكتشاف السوق المغربي وما يوفره من إمكانيات، ونأمل أن تستفيد الشركات الصينية من توفير كل أشكال الدعم لتشجيع الاستثمارات بالمغرب، من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتقديم المساعدة وتوفير المعطيات للتعريف بالإمكانيات التي يزخر بها المغرب.
6- كذلك، يتحدث مهنيون مغاربة في القطاع الفلاحي عن وجود صعوبات تواجه الصادرات الفلاحية المغربية نحو الأسواق الصينية، ما هي، في نظرك، أسباب هذه الصعوبات؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
اتخذت الصين سلسلة من الإجراءات لمساعدة المغرب على الرفع من قيمة وحجم صادراته الفلاحية نحو أسواق البلد، وفي عام 2008، بدأ البلدان في الاشتغال على تطوير الصادرات الفلاحية نحو الصين، وتسهيل تسويق بعض المنتوجات، وخاصة الحوامض. وخلال السنة الماضية، نظمت الحكومة الصينية المعرض الدولي الأول للاستيراد في شنغهاي، وخلفت مشاركة المغرب صدى جد إيجابي لدى المستهلك الصيني، وجذبت منتجاته الفلاحية الكثير من الاهتمام، وبشكل خاص النبيذ المغربي، كما شكل المعرض فرصة لعقد لقاءات مع عدد من الفاعلين الاقتصاديين المشاركين لاستكشاف فرص زيادة تصدير المنتجات المغربية إلى الصين التي تعتبر سوقا واعدة.
فعلا نحن ندرك أن المغرب لديه تنوع كبير في المنتوجات الفلاحية، والحكومة الصينية على أتم الاستعداد لتعزيز الصادرات الفلاحية المغربية نحو الصين والرفع من حجمها، حتى نوفر المزيد من الاختيارات للمستهلكين الصينيين، ونأمل أن تعمل القطاعات الفلاحية ولجان مراقبة الجودة في البلدين على مزيد من التنسيق لتعزيز تنمية التجارة الفلاحية.
7- عرف المغرب، خلال السنوات الأخيرة، إطلاق العديد من أوراش الإصلاحات السياسية والاقتصادية، كيف تتابع الصين هذه الإصلاحات؟
فعلا، هناك إصلاحات مهمة تشمل كافة المجالات، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهذه الإصلاحات السوسيو-اقتصادية مرتبطة بالأساس بتحقيق نمو الاقتصاد الوطني وتعزيز التحديث. ويمكنني القول إنه بفضل هذه الإصلاحات، عزز المغرب تواجده ومكانته على مستوى المنطقة المغاربية والقارة الإفريقية وعلى الصعيد الدولي، ولذلك، فإن الصين تثمن عاليا هذه الإنجازات التي حققها المغرب، ونأمل أن يواصل الشعب المغربي المضي قدما نحو تحقيق المزيد من التنمية وخلق حياة أفضل.
8- على ذكر تعزيز مكانة المغرب على الصعيد القاري، كيف تتابع الدور الذي يلعبه المغرب على مستوى القارة الإفريقية؟
المغرب اليوم هو خامس أكبر اقتصاد في إفريقيا، وهو أكبر مستثمر إفريقي في القارة، وبفضل موقعه الجغرافي المتميز، فهو يشكل بوابة الدخول نحو بلدان القارة الإفريقية، كما يلعب دورا مهما في ربط جسور التعاون بين إفريقيا وباقي دول العالم. وبعد عودته إلى الاتحاد الإفريقي، يتوفر المغرب على رؤية استراتيجية متميزة للمساهمة في تنمية بلدان القارة، وفي هذا الصدد، حددت قمة بكين لمنتدى التعاون بين الصين وإفريقيا، التي تدخل ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، أهم الإجراءات ذات الأولوية، ومن بينها تعزيز التعاون بين المغرب والصين في إفريقيا، من خلال استغلال الامتيازات والخبرة التي يتوفر عليها المغرب داخل القارة، لتسهيل تنفيذ مشاريع تنموية في إطار التعاون بين الصين والمغرب ودول إفريقيا، وهو نموذج يحتذى به للتعاون جنوب-جنوب، ضمن الشراكة المربحة والمصالح المشتركة.
9- أقدمت السفارة الصينية، أخيرا، على افتتاح مركز ثقافي صيني بالرباط، ما أهمية هذا المركز في تعزيز العلاقات بين البلدين؟
«الصداقة بين الشعوب هي أساس التقارب بين الدول»، والثقافة هي صلة وصل مهمة لتقوية التفاهم المتبادل وتعزيز روابط الصداقة بين شعوب العالم، ولذلك يشكل التبادل الثقافي جزءا مهما من العلاقات المتميزة بين الصين والمغرب، وسيوفر افتتاح المركز الثقافي الصيني بالرباط أرضية خصبة للحفاظ على هذه العلاقات وتعزيزها وتطويرها نحو الأفضل، من خلال إعطاء دفعة قوية للتبادل الثقافي بين البلدين، وأكيد، سيساهم ذلك في توسيع مجالات التعاون على كافة المستويات الأخرى.
10 – اتخذ المغرب قرارا بإلغاء التأشيرة عن المواطنين الصينين، ما نتائج هذا القرار، خاصة على مستوى السياحة؟
بعد تنفيذ قرار إلغاء التأشيرة عن المواطنين الصينين، لاحظنا تزايد عدد السياح بشكل كبير، وفي ظرف سنتين، تضاعف عدد المسافرين الصينين نحو المغرب بنحو 20 مرة، وهذه الزيادة المهمة لا تعكس فقط الصداقة القائمة بين البلدين، ولكن أيضا إرادة الشعبين من أجل المزيد من التعارف والتقارب. ولتلبية الحاجيات المتزايدة، وقعت الحكومتان الصينية والمغربية، يوم 19 دجنبر الماضي، اتفاقية بشأن تنظيم العام الثقافي المغربي –الصيني، وبموجب هذه الاتفاقية، سيتم العمل على تنظيم سنة ثقافية للمغرب بالصين، وأخرى مماثلة للصين بالمغرب سنة 2020، من أجل تعزيز العلاقات القائمة بين البلدين في المجال الثقافي والسياحي والرقي بها، ووضع أسس صلبة للعلاقات الثنائية، نظرا لأهمية ودور الثقافة في التفاهم المتبادل وتقارب الشعوب وبأهميتها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدين.