السحر وقد انقلب على الساحر
الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، مثل ينطبق على وضع الجزائر بعد خروج منتخبها بشكل مهين من كأس إفريقيا دون تحقيق انتصار واحد. فبعد أن كان نظام الكابرانات يروج لأسابيع حول الانتصارات القومية ومعجزات خارقة لفريق كرة قدم لحاجة في نفس يعقوب، تحول إقصاء كروي عادي بالمقاييس الرياضية إلى لحظة حداد وطنية كادت أن تنكس فيها الأعلام حزنا على سقوط منتخب ثعالب الصحراء في يد فيلة كوت ديفوار.
لقد انقلب إذن السحر على الساحر، فنظام الكابرانات الذي طالما أصدر بلاغات مدنية وعسكرية لا تكتفي فقط بالإشادة بفوز المنتخب الجزائري ببطولة المنتخبات الرديفة بقطر، حيث سوق لتلك الانتصارات الكروية كأنها انتصارات قومية من شأنها أن تعيد للفلسطينيين حقوقهم وتنزع من المغرب قطعة من أرضه، أصبح الآن يعاني من جنازة الخروج المذل للمنتخب الجزائري من الدور الأول بهزائم متتالية.
لا نقول هذا الكلام القاسي للتشفي في المنتخب الجزائري فلطالما كنا كشعب نشجع منتخب الجارة الشرقية والشعب الجزائري يعاملنا بالمثل، والجميع يتذكر كيف أن ملك المغرب كان أول المهنئين للجزائريين حينما وجه رسالة تهنئة ملكية خلال فوز الجزائر بكأس إفريقيا المقام بمصر. لكن نظام الكابرانات الذي يتعامل مع كل الإشارات الإيجابية بلؤم وإعلامه البائد فضل أن تتحول كرة القدم من لعبة للشعوب والتقارب والتآخي إلى سلاح دعائي لنظام عسكري مارق يعرف عجزا مدقعا في شرعيته، فتحولت هزيمة كروية إلى جنازة دولة وشعب.
والحقيقة، التي لا يمكن لأي أحد أن ينكرها، أن الآلة الدعائية الجزائرية الرسمية وغير الرسمية وبعض مراهقي الصحافة العاملين بقناة الجزيرة الذين ينفثون كل يوم سمومهم على مواقع التواصل الاجتماعي، نجحوا في دفع الكثير من المغاربة للاحتفاء بهزيمة الجزائريين وإقصائهم كرد فعل طبيعي تجاه حماقات نظام أهوج. هذه إذن هي ضريبة سياسة الأرض المحروقة التي ينهجها نظام شنقريحة وتبون منذ سنتين تقريبا وهما الآن يجنيان ثمار ما زرعا من بؤس وحقد وكراهية وتضليل بين شعبين شقيقين يجمعهما أكثر مما يفرقهما.
والأكيد أننا لا نتوقع من نظام فقد كل فرامل التعقل والمنطق أن يأخذ الدرس مما يجري حوله، فبعد ضربة كأس إفريقيا شرع للتو في التمهيد لإلهاء الشعب بمعركة أخرى للتأهل لكأس العالم، بعيدا عن مباريات التنمية والديمقراطية التي تحتاج الجزائر خوضها والانتصار فيها بالفعل.