في زمن مضى، كان علية القوم لا يدخلون السجون، إلا إذا تحرشوا بالنظام وخرجوا عن النص.
في زمن مضى، كانت للسجن وجوهه، وكان «وجه لحبس» مرادفا لأصحاب السوابق.
في زمن مضى، لا يدخل رؤساء الأندية وكبار القائمين على الكرة السجون، إلا في إطار مبادرات تضامنية.
اليوم، يفتح السجن ذراعه للجميع، في ساحة الفسحة تسقط الهامات وتنتهي صلاحية الصفات، ويصبح الجميع مجرد أرقام أمام السجان.
مناسبة هذا الاستهلال هي الحالة الشاذة التي تعيشها كرة القدم الوطنية، بعد توقيف رؤساء أكثر من فريق مغربي، منهم من يحمل رقم اعتقال ومنهم من صدر في حقه قرار بالابتعاد عن محيط الكرة دون اعتقال.
في عكاشة، يقضي سعيد الناصري ومحمد الحيداوي وعزيز البدراوي ومحمد مبديع… أيامهم الرتيبة على ذمة التحقيق، كلهم يحملون صفة رئيس فريق، ومنهم من حمل صفة رئيس فريق نيابي.
وهناك فرق أخرى تعيش فراغا على مستوى التدبير، بسبب وجود رؤسائها خارج الوطن في فترة نقاهة قضائية، كما هو حال رئيس الرجاء محمد بودريقة، الذي أصبح غيابه أكثر استئثارا بالاهتمام من الجفاف الذي يضرب البلاد.
القضية تتجاوز الموقوفين على ذمة قضايا فساد أو إثراء غير مشروع، إلى فئة أخرى من رؤساء الفرق المغربية، صدرت في حقهم لجنة الأخلاقيات بجامعة الكرة قرارات بالتوقيف عن تدبير أنديتهم، لكنهم يواصلون التسيير خلف الستار.
لا يتضرر النادي من غياب رئيسه، لأن إداريي الفريق يتحملون وزر المباريات إلى جانب الأطر التقنية، وغالبا ما يتم تعيين لجنة لتصريف الأعمال تُغْنِي عن فتح مكتب الرئيس وتعفي العمال من ترديد لازمة «السيد الرئيس».
لكن المتضرر هو المواطن، حين يتعلق الأمر برئيس له مهام سياسية، لأن الناصري، رئيس مجلس عمالة الدار البيضاء، ومحمد بودريقة، رئيس مقاطعة مرس السلطان، ومحمد مبديع، ممثل لبني عمير في البرلمان، وقس على ذلك من النماذج التي عطلت مصالح المواطنين وجعلتهم يلعنون ازدواجية المهام.
ماذا سنقول لمفتشي «الفيفا» حين يزورون بلدنا ويطلبون لقاءات مع رؤساء كبريات الفرق المغربية؟ هل ندلي لهم بترخيص الغياب، معززا بما يفيد الاختفاء؟
سيكتشفون أن أنديتنا ليست في حاجة إلى رؤساء، وأنه بمقدورنا مواجهة الرهانات الكبرى التي تنتظرنا، خاصة تنظيم كأس العالم، دون مسيرين يظهرون في المنصات الرسمية لكبريات التظاهرات، ويسجلون غيابهم في المباريات الأقل جاذبية.
لا يقرب المسيرون من الكرسي الفارغ، يعتقدون أنه كرسي الرئيس الغائب، الذي سيعود إليه يوما حتى ولو كان مكسور الوجدان. وقبل مستهل اجتماعات لجان تصريف الأعمال يدعون له بالفرج، ويؤكدون أنهم سيسهرون على إنجاح التحول، لكن أين سيسهرون؟
في بلدنا، لا تتدخل وزارة الرياضة، باعتبارها قطاعا وصيا، فيما تدخل أشرف صبحي مثلا باعتباره وزيرا للرياضة في مصر، وأشرف على تعيين بديل لرئيس الزمالك المصري، مرتضى منصور، أثناء اعتقاله.
وفي دول عديدة يتدخل أهل القانون لحل أزمة الخلافة، حتى تبقى المؤسسات قائمة كالجبال «ما يهزها ريح».
لكل فريق رئيس قضى ما تيسر من أيام خلف القضبان، فالترجي الرياضي التونسي يعاني من تبعات اعتقال رئيسه السابق سليم شيبوب، بتهمة تبييض الأموال. وقضى رئيس وفاق سطيف الجزائري حسان حمار (بتشديد الميم) سنوات في السجن، بتهمة خيانة الأمانة والاحتيال والتزوير.
وفي أوروبا حاز كثير من رؤساء الفرق الكبرى، على لقب «سجين»، أبرزهم رئيسا «البارصا» ساندرو ونونيز وزميلهما خوصي ماريا، رئيس إشبيلية، ورئيس بايرن ميونيخ، هونيس، وعزيز يلديريم، رئيس نادي فنبربحشة، واللائحة طويلة.
كلهم خرجوا بقناعة راسخة، أن الأندية ليست مخبأ وأن السجن ليس دوما للشجعان.